آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ

وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ من المأكول ولفظة الأيدي للتأكيد كقولهم مشيت برجلي ورأيت بعيني. قال الله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «١».
قال الشّاعر:
نظرت فلم تنظر بعينك منظرا
وقال أبو مالك: نزلت هذه الآية في الكاتب الّذي يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد كان قرأ البقرة وآل عمران، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يملي: غَفُوراً رَحِيماً، فيكتب: عليما حكيما، فيقول له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب كيف شئت» ويملي عليه: عَلِيماً حَكِيماً، فيكتب: سميعا بصيرا، فيقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب كيف شئت» قال: فارتدّ ذلك الرّجل عن الإسلام ولحق بالمشركين.
قال: أما يعلمكم محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن كنت لأكتب ما شئت أنا، فمات ذلك الرّجل فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأرض لا تقبله» [٩٣].
قال: فأخبرني أبو طلحة: إنّه أتى الأرض الّتي بات فيها فوجده منبوذا، فقال أبو طلحة:
ما شأن هذا؟ قالوا: دفنّاه مرارا فلم تقبله الأرض.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)
وَقالُوا يعني اليهود.
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قدرا مقدّرا ثمّ يزول عنّا العذاب وينقطع، واختلفوا في هذه الأيّام ما هي.
وقال ابن عبّاس ومجاهد: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة واليهود يقولون: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة وإنّما نعذّب بكل ألف سنة يوما واحدا ثمّ ينقطع العذاب بعد سبعة أيّام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

(١) سورة الأنعام: ٣٨.

صفحة رقم 225

قتادة وعطاء: يعنون أربعين يوما التي عبد آباؤهم فيها العجل وهي مدّة غيبة موسى عليه السّلام عنهم.
الحسن وأبو العالية: قالت اليهود: إنّ ربّنا عتب علينا في أمرنا أقسم ليعذّبنا أربعين ليلة ثمّ يدخلنا الجنّة فلن تمسّنا النار إلّا أربعين يوما تحلّة القسم فقال الله تعالى تكذيبا لهم: قل يا محمّد قُلْ أَتَّخَذْتُمْ ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل.
عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً موثقا ألّا يعذّبكم إلّا هذه المدّة.
فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ وعده، وقال ابن مسعود: بالتوعّد يدلّ عليه قوله تعالى إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً «١» يعني قال: لا إله إلّا الله مخلصا أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قال بَلى «بل وبلى» حرفا استدراك ولهما معنيان لنفي الخبر الماضي واثبات الخبر المستقبل، قال الكسائي: الفرق بين (بلى ونعم)، إنّ بلى: إقرار بعد جحود، ونعم: جواب استفهام بغير جحد، فإذا قال: ألست فعلت كذا، فيقول: بلى، وإذا قال: ألم تفعل كذا؟
فيقول: بلى، وإذا قال: أفعلت كذا؟ فيقول: نعم.
قال الله تعالى أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى «٢» وقال أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «٣» وقال في غير الجحود فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ «٤» وقالوا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ «٥» قل نعم وإنّما قال هاهنا بلى للجحود الّذي قبله وهو قوله لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً يعني الشرك.
وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قرأ أهل المدينة خطيّاته بالجمع، وقرأ الباقون خَطِيئَتُهُ على الواحدة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم والاحاطة الاحفاف بالشيء من جميع نواحيه واختلفوا في معناها هاهنا.
وقال ابن عبّاس والضحاك وعطاء وأبو العالية والربيع وابن زيد: هي الشرك يموت الرجل عليه فجعلوا الخطيئة الشّرك.
قال بعضهم: هي الذّنوب الكثيرة الموجبة لأهلها النّار.

(١) سورة مريم: ٨٧.
(٢) سورة الملك: ٨.
(٣) سورة الأعراف: ١٧٢. [.....]
(٤) سورة الأعراف: ٤٤.
(٥) سورة الصافات: ١٧.

صفحة رقم 226

أبو زرين عن الربيع بن خيثم في قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: هو الّذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب ومثله قال عكرمة وقال مقاتل: أصرّ عليها.
مجاهد: هي الذّنوب تحيط بالقلب كلّما عمل ذنبا ارتفعت حتّى تغشى القلب وهو الرّين.
وعن سلام بن مسكين أنّه سأل رجل الحسن عن هذه الآية؟
فقال السّائل: يا سبحان الله إلّا أراك ذا لحية وما تدري ما محاطة الخطيئة! انظر في المصحف فكل آية نهى الله عزّ وجلّ عنها وأخبرك إنّه من عمل بها أدخله النّار فهي الخطئية المحيطة.
الكلبي: أوبقته ذنوبه دليله قوله تعالى إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ «١» : أي تهلكوا جميعا.
وعن ابن عبّاس: أحيطت بما له من حسنة فأحبطته.
فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [وهذا من العام المخصوص بصور منها إلّا من تاب بعد أن حمل على ظاهره] «٢» وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ في التّوراة. قال ابن عبّاس: الميثاق: العهد الجديد.
لا تَعْبُدُونَ بالياء قرأه ابن كثير وحميد وحمزة والكسائي.
الباقون: بالتّاء وهو إختيار أبي عبيد وأبو حاتم.
قال أبو عمرو: ألا تراه يقول وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «٣» فذلك المخاطبة على التّاء.
قال الكسائي: إنّما ارتفع لا يعبدون لأنّ معناه أخذنا ميثاق بني إسرائيل أن لا تعبدوا إلّا الله فلمّا ألقى أن رفع الفعل ومثله قوله لا تَسْفِكُونَ، نظير قوله عزّ وجلّ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ
«٤» : يريد أن أعبد فلمّا حذفت النّاصبة عاد الفعل إلى المضارعة.
وقال طرفة:

ألا أيّهذا الزاجري احضر الوغى وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي «٥»
يريد أن أحضر، فلمّا نزع (أن) رفعه.
(١) سورة يوسف: ٦٦.
(٢) عن هامش المخطوط.
(٣) سورة البقرة: ٨٣.
(٤) سورة الزمر: ٦٤.
(٥) مجمع البيان: ١/ ٢٩٧.

صفحة رقم 227

وقرأ أبي بن كعب: لا تعبدوا جزما على النهي أي وقلنا لهم لا تعبدوا الّا الله وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ووصّيناهم بالوالدين إحسانا برّا بهما وعطفا عليهما.
وانّما قال بِالْوالِدَيْنِ وأحدهما والدة لأنّ المذكّر والمؤنّث إذا اقتربا غلب المذكّر لخفّته وقوّته.
وَذِي الْقُرْبى أي وبذي القرابة، والقربى مصدر على وزن فعلى كالحسنى والشّعرى.
قال طرفة:

وقربت بالقربى وجدك له يني فتحايك امر للنكيثة أشهد.
وَالْيَتامى جمع يتيم مثل ندامى ونديم وهو الطفل الذي لا أبّ له.
وَالْمَساكِينِ يعني الفقراء.
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً اختلفت القراءة فيه فقرأ زيد بن ثابت وأبو العالية وعاصم وأبو عمرو حُسْناً بضم الحاء وجزم السّين وهو اختيار أبي حاتم دليله قوله عزّ وجلّ: بِوالِدَيْهِ حُسْناً «١» وقوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً «٢».
وقرأ ابن مسعود وخلف حَسَناً بفتح الحاء والسّين وهو اختيار أبي عبيد وقوله: إنّما اخترناها لأنها نعت بمعنى قولا حسنا.
وقرأ ابن عمر: حُسُناً بضم الحاء والسّين والتنوين مثل الرّعب والنّصب والسّحت والسحق ونحوها.
وقرأ عاصم والجحدري: إحسانا بالألف.
وقرأ أبي بن كعب وطلحة بن مصرف: حسنى وقرنت بالقربى بالتأنيث مرسلة.
قال الثعلبي: سمعت القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول: مجازه كلمة حسنى ومعناه قولوا للنّاس صدقا وحقّا في شأن محمّد صلّى الله عليه وسلّم فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره ولا تغيروا نعته هذا قول ابن عبّاس وابن جبير وابن جريج ومقاتل دليله قوله أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً «٣» أي صدقا.
وقال محمّد بن الحنفية: هذه الآية تشمل البرّ والفاجر.
وقال سفيان الثّوري: ائمروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.
(١) سورة العنكبوت: ٨.
(٢) سورة النمل: ١١.
(٣) سورة طه: ٨٦.

صفحة رقم 228
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية