آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان... » «١». وحديث رواه الشيخان والترمذي أيضا عن أبي ذرّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتاني جبريل عليه السلام فبشّرني أنه من مات من أمّتك ولم يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق... » «٢» والمفروض على ضوء صراحة الحديث الأول أن يكون الشخص دخل النار على ذنوب ارتكبها وهو مؤمن ولم يستحلّها وهذا ينسحب على الزاني والسارق الذي يدخل الجنة إذا مات لا يشرك بالله كما هو المتبادر. لأن الحديث لا يقول إنه لا يعذب أو لا يدخل النار قطّ، وإنما يقول إنه يدخل الجنة. وهناك حديث رواه الخمسة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن» «٣». وشراح الحديث يحملون هذا الحديث على فرض أن يكون مرتكبو هذه الكبيرات وهم مستحلّون لها وهذا حقّ وصواب فيما هو المتبادر.
أما الذنوب التي يتوب عنها أصحابها توبة صادقة ولو كانت من الكبائر فمن حقهم أن يأملوا عفو الله وعدم دخول النار بسببها. وهناك آيات كثيرة تفتح باب التوبة وتعد بغفران الله لكل فئة من المذنبين بما فيهم المشركون والمنافقون والمحاربون لله ورسوله والمفسدون في الأرض والزناة والسارقون والقاتلون إلخ إذا ما تابوا توبة صادقة على ما شرحناه في تعليقنا على موضوع التوبة في تفسير سورة البروج، والله أعلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦).

(١) التاج ج ١ ص ٢٦ و ٢٧.
(٢) انظر المصدر نفسه.
(٣) التاج ج ٣ ص ٥.

صفحة رقم 188

(١) قولوا للناس حسنا: بمعنى لتكن مخاطبتكم للناس بالحسنى. وقال المؤولون إن الجملة تشمل حسن التعامل مع الناس وقول الحق وفعل الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٢) ثم أنتم هؤلاء: هنا في مقام المنادى، والتقدير ثم أنتم يا هؤلاء.
(٣) تظاهرون عليهم: تساعدون الغير عليهم.
تعليق على الحلقة السادسة من سلسلة الآيات الواردة في السورة في بني إسرائيل
وهذه حلقة سادسة من سلسلة الآيات الواردة في بني إسرائيل في السورة، وفيها عود على بدء في مخاطبة بني إسرائيل التي انقطعت بالآيات الالتفاتية السابقة، وذكر انحرافاتهم والتنديد بهم وربط حاضرهم في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيئته بأسلافهم القدماء.
وقد تضمنت تذكيرا بالعهود التي أخذها الله على بني إسرائيل وتنديدا بالحاضرين بسبب نقضهم لها:
١- فقد أخذ الله عليهم العهد بعبادته وحده وبالبرّ بالوالدين والأقارب واليتامى والمساكين، وبقول الحق والصدق وحسن التعامل مع الناس وإقامة

صفحة رقم 189

الصلاة وإيتاء الزكاة وأقروا بذلك وتعهدوا به ولكن أكثرهم نقض ولم يفعل بما عاهد الله عليه.
٢- وقد أخذ الله عليهم العهد بالتضامن فلا يقتل بعضهم بعضا ولا يظاهر أحد منهم غريبا على أحد منهم فنقضوا العهد حيث سفك بعضهم دم بعض وأجلى بعضهم بعضا عن أرضه وظاهر بعضهم الغريب على بعض آخر بغيا وعدوانا. وفيما هم يفعلون ذلك وهو محرّم عليهم أصلا يناقضون أنفسهم ويفتدون الأسرى الذين أسرهم الغرباء بمساعدتهم ومظاهرتهم. وهكذا يكونون مؤمنين ببعض ما أمروا به وهو فك أسراهم من يد الغرباء وكافرين ببعض وهو سفك دم بعضهم وإجلاء بعضهم وأسر بعضهم والمظاهرة على بعضهم. ومن يفعل ذلك يستحق الخزي في الدنيا وأشد عذاب الله في الآخرة لأنه يكون بذلك قد سار سير من يرغب في منافع الدنيا وأعراضها دون أن يراقب الله ويذكر الآخرة وأهوالها. وبعبارة أخرى سير من يشتري دنياه بآخرته، ومثل هؤلاء لا يخفف عنهم عذاب الله ولا ينصرون في موقف من مواقفهم.
والآيات قوية في تنديدها وإفحامها، وقد روى المفسرون «١» في صدد الآية [٨٤] أن بني النضير وبني قينقاع من يهود يثرب كانوا حلفاء للخزرج وأن بني قريظة كانوا حلفاء للأوس. وكان بين الخزرج والأوس خلافات تجرّ أحيانا إلى القتال، فكان كل من فريقي اليهود يقاتل مع حليفه فيقتل بعضهم بعضا ويأسر بعضهم بعضا ويجلي بعضهم بعضا ويظاهر كل فريق حليفه نتيجة لذلك. وكانوا

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والخازن وابن كثير وغيرهم، وقد ذكر بعض هؤلاء أن بني قينقاع كانوا حلفاء الخزرج وأن بني النضير وبني قريظة كانوا حلفاء للأوس وهذا غلط فحلفاء بني قريظة هم الأوس أما بنو النضير وبنو قينقاع فقد كانوا حلفاء الخزرج. انظر الجزء الخامس من كتابنا تاريخ الجنس العربي ص ١٤٧ وما بعدها، وانظر فصلي المنافقين واليهود في الجزء السادس من هذا الكتاب على أن هؤلاء المفسرين قد صححوا غلطهم دون انتباه في سياق تفسير سورتي الحشر والأحزاب حيث ذكروا أن بني قريظة كانوا حلفاء الأوس، وبني النضير كانوا حلفاء عبد الله بن أبيّ الزعيم الخزرجي المنافق.

صفحة رقم 190
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية