آيات من القرآن الكريم

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﰿ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

تركوا الهمز في النبي كما تركوه في الذرية والبرية والخابية إلا أهل مكة، فإنهم يهمزون هذه الأحرف ولا يهمزون غيرها ويخالفون العرب في ذلك. وقيل: أصله من نبأت من أرض إلى أرض أي خرجت منها إلى أخرى. وهذا المعنى أراد الأعرابي بقوله «يا نبيء الله» أي يا من خرج من مكة إلى المدينة. فأنكر عليه ﷺ الهمزة. وقيل: النبي بالإدغام من النبوة وهي ما ارتفع من الأرض، أي أنه ﷺ شرف على سائر الخلق «فعيل» بمعنى «مفعول»، والجمع أنبياء. وعلى الأول إنما جمع على أنبياء لأن الهمز لما أبدل وألزم الإبدال جمع جمع ما أصل لامه حرف العلة ذلِكَ بِما عَصَوْا تأكيد بتكرير الشيء بغير اللفظ الأول كقول السيد لعبده وقد احتمل منه ذنوبا سلفت منه فعاقبه عند آخرها «هذا بما عصيتني وخالفت أمري.
هذا بما تجرأت علي واغتررت بحلمي»
ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر والقتل على معنى انهمكوا في العصيان والاعتداء حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الآيات وقتل الأنبياء، أو تكون الباء بمعنى «مع» أي ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا سائر أنواع المعاصي، واعتدوا حدود الله في كل شيء. وقيل: هو اعتداؤهم في السبت. واعلم أنه سبحانه لما ذكر إنزال العقوبة بهم بين سبب ذلك أولا بما فعلوه في حق الله وهو جهلهم به وجحدهم لنعمه، ثم ثناه بما يتلوه في العظم وهو قتل الأنبياء، ثم ثلثه بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير مثل الاعتداء والظلم وذلك في نهاية الترتيب. وقيل: الأول إشارة إلى متقدميهم، والثاني إشارة إلى من كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه تعالى بيّن سبب ما نزل بالفريقين من البلاء والمحنة ليظهر للخلائق أن ذلك على قانون العدالة وقضية الحكمة. فإن قيل: لم قيل هاهنا وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وفي «آل عمران» وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران: ٢١] منكرا؟ قلت: الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل ما في
قوله ﷺ «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق» «١»
فالحق المعرف إشارة إلى هذا، وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم، أي لم يكن هناك حق لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره البتة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٢ الى ٦٦]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)

(١) رواه البخاري في كتاب الديات باب ٦. مسلم في كتاب القسامة حديث ٢٥. أبو داود في كتاب الحدود باب ١. الترمذي في كتاب الحدود باب ١٥. النسائي في كتاب التحريم باب ٥، ١١، ١٤.
أحمد في مسنده (١/ ٦١، ١٦٣). [.....]

صفحة رقم 301

القراآت:
النَّصارى بالإمالة: أو عمرو وحمزة وعلي وخلف وورش من طريق النجاري، والخراز عن هبيرة، وكذلك كل راء بعدها ياء. وروى قتيبة بكسر الصاد والراء، وكذلك قوله سُكارى وأُسارى ويُوارِي وفَأُوارِيَ كلها بإمالة ما قبل الألف وَالصَّابِئِينَ بغير همزة: أبو جعفر ونافع وحمزة في الوقف وإن شاء لين الهمزة.
الوقوف:
عِنْدَ رَبِّهِمْ (ز) لنوع عدول عن إثبات إلى نفي مع اتفاق الجملتين.
ويَحْزَنُونَ (هـ) الطُّورَ (ط) لأن التقدير: قلنا لكم خذوا تَتَّقُونَ (هـ) مِنْ بَعْدِ ذلِكَ (ج) لأن «لولا» للابتداء وقد دخل الفاء فيه الْخاسِرِينَ (هـ) خاسِئِينَ (هـ) (ج) للآية والعطف بالفاء لِلْمُتَّقِينَ (هـ).
التفسير:
قد انجرّ الكلام في الآي المتقدمة إلى وعيد أهل الكتاب ومن يقفو آثارهم، فقرن به ما يتضمن الوعد جريا على عادته سبحانه من ذكر الترغيب مع الترهيب فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا. واختلف المفسرون هاهنا لأن قوله في آخر الآية مَنْ آمَنَ. يدل على أن المراد من قوله آمَنُوا شيء آخر، كقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء: ١٣٦]. فعن ابن عباس: المراد أن الذين آمنوا قبل مبعث محمد ﷺ بعيسى عليه السلام مع البراءة من أباطيل اليهود والنصارى كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري. كأنه قيل: إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا على الدين الباطل لليهود، والذين كانوا على الدين الباطل للنصارى، كل من آمن بعد مبعث محمد ﷺ بالله واليوم الآخر وبمحمد ﷺ فلهم أجرهم. وعن سفيان الثوري: إن الذين آمنوا باللسان دون القلب وهم المنافقون، والذين تهوّدوا يقال هاد يهود وتهود إذا دخل في اليهودية، والنصارى، والصابئين، كل من أتى منهم بالإيمان الحقيقي، فلهم كذا. وقيل: الذين آمنوا هم المؤمنون بمحمد ﷺ في الحقيقة، وهو عائد إلى الماضي. وكأنه قيل: إن الذين آمنوا في الماضي، واليهود والنصارى والصابئين، كل من آمن منهم وثبت على ذلك في المستقبل واستمر. واشتقاق اليهود قيل من قولهم إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦] أي تبنا

صفحة رقم 302

ورجعنا. عن ابن عباس: وقيل نسبوا إلى يهودا أكبر ولد يعقوب. وقيل: إنهم يتهودون أي يتحرّكون عند قراءة التوراة. واشتقاق النصارى قبل من ناصرة قرية كان ينزلها عيسى ﷺ قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج. وقيل: لتناصرهم فيما بينهم أي لنصرة بعضهم بعضا. وقيل: لأن عيسى عليه السلام قال للحواريين من أنصاري إلى الله. واحد النصارى نصران، ومؤنثه نصرانة:
والياء في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري، والصابئين بالهمزة اشتقاقه من صبأ الرجل يصبأ صبوا إذا خرج من دينه إلى دين آخر. وكانت العرب يسمون النبي ﷺ صابئا لأنه ﷺ أظهر دينا على خلاف أديانهم. عن مجاهد والحسن: هم طائفة من اليهود والمجوس لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. وعن قتادة: قوم يعبدون الملائكة ويصلون للشمس كل يوم خمس مرات. وقيل: وهو الأقرب- إنهم قوم يعبدون الكواكب ثم فيهم قولان: الأوّل أن خالق العالم هو الله سبحانه إلا أنه أمر بتعظيم هذه الأجرام واتخاذها قبلة للصلاة والدعاء. والثاني أنه سبحانه خلق الأفلاك والكواكب وفوّض التدبير إليها، فيجب على البشر تعظيمها لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم، ثم إنها تعبد الله سبحانه. وينسب هذا المذهب الى الكلدانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام، فبين الله تعالى أن هذه الفرق الأربع إذا آمنوا بالله ويدخل فيه الإيمان بكل ما أوجبه كالإيمان برسله وآمنوا باليوم الآخر وبما وعد فيه، فإن أجرهم متيقن جار مجرى الحاصل عند الله تعالى. ومحل مَنْ آمَنَ رفع على أنه مبتدأ خبره فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ والجملة خبر «إن»، أو نصب على أنه بدل من اسم «أن».
والمعطوفات عليه. وخبر «أن» فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ والفاء لتضمن من أو الذين معنى الشرط.
قال أهل البرهان: قدم النصارى على الصابئين لأنهم أهل كتاب، وعكس الترتيب في الحج لأن الصابئين مقدمة على النصارى بالزمان، وراعى في المائدة المعنيين فقدمهم في اللفظ وأخرهم في التقدير، لأن تقديره: والصابئون كذلك. وقوله سبحانه وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ مخاطبة فيها معاتبة لاشتمالها على تذكير النعم وتقدير المنعم. وللمفسرين في هذا الميثاق أقوال: أحدها:
أنه ما أودع الله العقول من الدلائل الدالة على وجود الصانع وقدرته وحكمته وعلى صدق أنبيائه ورسله وهو أقوى المواثيق والعهود، لأنه لا يحتمل الخلف والكذب والتبدل بوجه من الوجوه وهو قول الأصم، وثانيها ما روي عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام لما رجع من عند ربه بالألواح، قرأوا ما فيها من الأخبار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم وأبوا قبولها، أمر جبرائيل بقلع الطور من أصله ورفعه فظلله فوقهم وقال لهم موسى:
إن قبلتم وإلا ألقي عليكم فحينئذ قبلوا وأعطوا الميثاق. وعن ابن عباس: إن لله ميثاقين الأول، حين أخرجهم من صلب آدم على أنفسهم، والثاني أنه تعالى ألزم الناس متابعة الأنبياء. والمراد هاهنا هو هذا العهد. وإنما قال مِيثاقَكُمْ ولم يقل «مواثيقكم» للعلم بذلك

صفحة رقم 303

كقوله يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر: ٦٧] أي كل واحد منكم، أو لأن الميثاق بشيء واحد أخذه من كل واحد منهم. ولو قال مواثيقكم لأشبه أن يكون لكل منهم ميثاق آخر. والواو في وَرَفَعْنا إما واو عطف إن جعل الميثاق مقدما على رفع الجبل كما في قول الأصم وابن عباس، وإما واو الحال إن جعل مقارنا للرفع، كأنه قال: وإذ أخذنا ميثاقكم عند رفعنا الطور فوقكم والطور. قيل: الجبل مطلقا. وعن ابن عباس: أنه جبل من جبال فلسطين. وقيل:
جبل معهود، والأقرب أنه الجبل الذي وقعت المناجاة عليه، وقد يجوز أن ينقله الله تعالى إلى حيث هم فيجعله فوقهم وإن كان بعيدا منهم، فإن القادر على أن يسكن الجبل في الهواء قادر على أن ينقله إليهم من المكان البعيد.
خُذُوا على إرادة القول أي وقلنا خذوا ما آتَيْناكُمْ من الكتاب بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة غير متكاسلين ولا متثاقلين وقيل: بقوة ربانية وَاذْكُرُوا ما فِيهِ احفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه، وإنما لم يحمل على نفس الذكر لأن الذكر الذي هو ضد النسيان من فعل الله فكيف يجوز الأمر به؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ رجاء منكم أن تكونوا متقين، أو قلنا خذوا إرادة أن تتقوا ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ معطوف على محذوف أي فقبلتم والتزمتم ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به. ويمكن أن يقال أخذ الميثاق عبارة عن قبولهم فلا حاجة إلى تقدير مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد القبول والالتزام. قال القفال: قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور تولوا عن التوراة بأمور كثيرة، فحرفوا التوراة وتركوا العمل به وقتلوا الأنبياء وكفروا بهم وعصوا أمرهم. ولعل فيها ما اختص به بعضهم دون بعض، ومنها ما عمله أوائلهم ومنها ما فعله متأخروهم ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا.
ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه ويلقونه بكل أذى، ويجاهرون بالمعاصي في عسكره، حتى لقد خسف ببعضهم وأحرقت النار بعضهم وعوقبوا بالطاعون، وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرأونها، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح وهموا بقتله، فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد ﷺ من الكتاب، وجحودهم لحقه ﷺ وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بإمهالكم وتأخير العذاب عنكم لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي من الهالكين الذين باعوا أنفسهم بنار جهنم، ولكنكم خرجتم من هذا الخسران لأن الله تعالى تفضل عليكم بالإمهال حتى تبتم. فإن كلمة «لولا» تدل على امتناع الثاني لوجود الأول، فامتنع الخسران لوجود فضل الله. ويحتمل أن يكون الخبر قد انتهى عند قوله ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ويكون قوله فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ رجوعا بالكلام إلى أوّله، أي لولا لطف الله بكم برفع

صفحة رقم 304

الجبل فوقكم لدمتم على ردكم للكتاب، ولكنه تفضل عليكم ورحمكم ولطف بكم بذلك حتى تبتم.
قوله عز من قائل وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ اللام للابتداء، ولا تكاد تدخل الماضي بدون قد لأنها ولتأكيد مضمون الجملة الاسمية نحو: لزيد قائم، أو لتأكيد المضارع نحو: ليضرب زيد. لكن قد تقرب الماضي من الحال فيصير الماضي كالمضارع مع تناسب معنى «قد».
ومعنى «اللام» في التحقيق، وعند الكوفيين يقدر القسم قبله. عن ابن عباس: إن هؤلاء القوم كانوا في زمن داود عليه السلام بأيلة على ساحل البحر بين المدينة والشام، وهو مكان من البحر يجتمع إليه الحيتان من كل أوب في شهر من السنة حتى لا يرى الماء لكثرتها، وفي غير ذلك الشهر في كل سبت خاصة، فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول، وكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد. فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم، ثم إنهم أخذوا السمك واستغنوا بذلك وهم خائفون من العقوبة، فلما طال العهد استنت الأبناء سنة الآباء واتخذوا الأموال، فمشى إليهم طوائف من أهل المدينة الذين كرهوا الصيد في السبت فنهوهم فلم ينتهوا وقالوا: نحن في هذا العمل منذ زمان فما زادنا الله به إلا خيرا. فقيل لهم: لا تغتروا بذلك فربما ينزل بكم العذاب والهلاك. فأصبح القوم وهم قردة خاسئون فمكثوا ثلاثة أيام ثم ماتوا. قال بعضهم: وفي الكلام حذف أي ولقد علمتم اعتداء الذين اعتدوا ليكون المذكور من العقوبة جزاء لذلك. والسبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت والاعتداء فيه، إما نفس الاصطياد لأنهم أمروا فيه بالتجرد للعبادة فجاوزوا ما حد لهم واشتغلوا بالصيد، وإما الاصطياد مع استحلاله. وقوله كُونُوا المراد منه سرعة الإيجاد وإظهار القدرة وإن لم يكن هناك قول إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: ٤٠] قِرَدَةً خاسِئِينَ خبر «إن» أي كونوا جامعين بين القردة، والخسوء وهو الصغار والطرد. عن مجاهد أنه مسخ قلوبهم بمعنى الطبع والختم لا أنه مسخ صورهم وهو مثل قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الجمعة: ٥] ونظيره أن يقول الأستاذ للمتعلم البليد الذي لا ينجع فيه تعليمه: كن حمارا. واحتج بأن الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس، فإذا أبطله وخلق مكانه تركيب القرد رجع حاصل المسخ إلى إعدام الأعراض التي باعتبارها كان ذلك الجسم إنسانا، وإيجاد أعراض أخر باعتبارها صار قردا. وأيضا لو جوزنا ذلك لم نأمن في كل ما نراه قردا وكلبا أنه كان إنسانا عاقلا وذلك شك في المشاهدات. وأجيب بأن الإنسان ليس هذا الهيكل لتبدله بالسمن والهزال فهو أمر وراء ذلك، إما جسماني سار في جميع البدن، أو جزء في جانب من البدن كقلب أو دماغ، أو

صفحة رقم 305
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية