آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

يقتضي جواز اشتراء الثمن الكثير بآيات الله، بل جعل الاعتبار ههنا بمنافع الدنيا والآخرة، وقد علمنا أن منفعة الدنيا طفيفة، إذا اعتبرت بمنفعة الآخرة، وإذا كان كذلك، فمن اشترى بآيات الله منافع الدنيا، وترك منافع الآخرة، فقد خسر خسراناً مبيناً، كما حكي عن " المنصور " لما حضرته الوفاة: قال: أف لنا، بعنا نعيم الآخرة بنومة، وقال الشاعر:
وإن امرءاً يبتاع دنيا بدينه...
لمنقلب منها بصفقة خاسر
وعلى هذا قوله تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾
الآية: (٧٩) - سورة البقرة.
وإنما ذكر في الآية الأولى.
(فارهبون) وفي الآية الآخرى (فاتقون)، لأن الرهبة دون التقوى، فحينما خاطب الكافة عالمهم ومقلدهم، وحثهم على ذكر نعمة التي يشركون فيها، أمرهم بالرهبة التي هي مبادئ التقوى، وحينما خاطب العلماء منهم، وحثهم على مراعاة آياته والتنبه لما يأتي به أولوا العزم من الرسل، أمرهم بالتوقى التي هي منتهى الطاعة...
قوله - عز وجل -
﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الآية (٤٢) - سورة البقرة.
اللبس والستر، والتغطية، والتعمية، والتموية، والكتمان، والإخفاء يتقارب، فالستر أعم الألفاظ، لأنه يقال في المحسوس والمعقول " سترت كذا بثوبي "، وسترته في نفسي، والتغطية في الأعيان فقط، واللبس أصله في الثوب، ثم يقال في المعنى أيضاً، وذلك أن يخلط حق بباطل، وصدق بكذب، والتعمية: ما جعل الإنسان عن إدراكه كالأعمى، والتموية: ما جعل على وجهه مواهة، والكتمان: يقال في الحديث ونحوه، وقوله: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾ أخص من قوله: ﴿تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾، لأن اللبس هو الخلط بغيره، والكتمان إخفاؤه جملة، والأجود أن يكون قوله: ﴿وَتَكْتُمُوا﴾ جواباً بالواو منصوباً.
وإن صح أن يكون عطفاً مجزماً، فيكون أمراً بخصوص بعد عموم، وقراءة أُبيَّ:

صفحة رقم 171

(ولا تكونوا أول كافر به وتشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وتكتموت الحق)، ونحو ذلك في احتمال الجواب والعطف..
قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾، وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تعظيم لارتكاب الذنب، فإنه مع العلم بقبحة لأعظم عقوبة، ولهذا قال بعض الحكماء:
(لأن أدع الحق جهلاً به، أحب إلى من أن أدعه زهداً فيه، ولأن أترك جميع الخير جهلاً به أحب إلى من أفعل أقل الشر، بعد المعرفة بقبحه).
وقد تقدم الكلام في الحق، فأما الباطل: فالإثبات له عند الفحص عنه، والحق يناقضه، وذلك عام في الاعتقاد والمقال والفعال.
ولذلك قال الشاعر:
لقد نظقت بطلاً على الأقارع.
فاستعمله في القول، وفي الآية حث على تجنب الشر والنهي عن كل تلبيس وتمويه وإن كانت الآية واردة فيمن آمنوا ببعض الكتاب، وكفروا بالبعض، وجحدوا صفة النبي - ﷺ - وقول ابن عباس - رضي الله عنهما: [لا تخطلوا الصدق بالكذب وقول بن زيد] لا تخلطوا الحق الذي هو التوارة بالباطل الذي كتبتموه بأيديكم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم الآية.

صفحة رقم 172
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية