آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ

الناس وغيرهم على الملائكة، فلذا قال: (ثم عرضهم) لأن فيهم من يعقل.
وكل ما يعقل يقال لجماعتهم (هم). و (هم) يقال للناس ويقال للملائكة؛
ويقال للجن، - ويقال للجان ويقال للشياطين فكل مميز في الإضمار (هم) هذا مذهب أهل اللغة.
وقد قال بعض أهل النظر: إن الفائدة في الِإتيان بالأسماءِ أبلغ منها هي
الفائدة بأسماءِ معاني كل صنف من هذه، لأن الحجة في هذا أن الخيل إذا
عرضت فقيل ما اسم هذه، قيل خيل، فأي اسم وضع على هذه أنبأ عنها.
وإنما الفائدة أن تُنْبِئ باسم كل معنى في كل جنس، فيقال هذه تصلح لكذا.
فهذه الفائدة البينة التي يتفق فيها أن تسمى الدابة والبعير بأي اسم شئتَ.
والمعنى الذي فيها وهو خاصها معنى واحد وإن اختلفت عليه الأسماءُ واللَّه
أعلم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)
قَرأتِ الْقُراءُ (للملائِكةِ اسْجُدُوا) بالكسر وقرأ أبو جعفر المدني
وحده (للملائكةُ اسْجدوا) بالضم.
وأبو جعفر من جِلَّةِ أهل المدينة

صفحة رقم 111

وأهلِ الثَّبتِ في القَراءَةِ إلا أنه غلط في هذا الحرف (١) لأن الملائكة في موضع
خفض فلا يجوز أن يرفع المخفوض ولكنه شبَّه تاءَ التأنيث بكسر ألف
الوصل لأنك إذا ابْتدأتَ قلت اسْجُدوا.
وليس ينبغي أن يقرأ القرآن بتوهم غيرِ الصواب.
(وإذ) في موضع نصب عطف على (إذ) التي قبلها والملائكة واحدهم
مَلَك، والأصل فيه مَلأك أنشد سيبويه.
فلست لِأنْسي ولكنِ لِمَلأك... تنزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصُوبُ
ومعناه صاحب رسالة، ويقال مألُكة ومألَكَة ومألُك جمع مألُكة
قال الشاعر:
أبلغ النُعمانُ عني مالكاً... أنه قدْ طال حَبْسي وانتظاري
وقوله: (لآدم) آدمُ في موضع جَر إلا أنه لا ينْصرِفُ لأنَّه على وزن
أفعَل: يقول أهل اللغة إن اشتقاقه من أديم الأرض، لأنه خُلقَ مِنْ تُراب.
وكذلك الأدمة إنما هي مشبهة بلون التراب. فإذا قلت مررت بآدم وآدم آخر، فإن النحويين يختلفون في أفعل الذي يسمى به وأصله الصفة، فسيبويه

(١) قراءة أبي جعفر - رحمه الله - متواترة، ومن ثَمَّ فلا وجه للاعتراض عليها. والله أعلم.

صفحة رقم 112

والخليل ومن قال بقولهما يقولون إنه يَنْصرف في النكرة لأنك إِذا نكّرته رددته إلى حال قد كان فيها يَنْصَرِف
وقال أبو الحسن الأخفش إذا سَمَّيْتَ به رجلًا
فقد أخرجته من باب الصفة، فيجب إذا نكرته أن تصرفه فتقول: مررت بآدمٍ وآدمٍ آخر.
ومعنى السجود لآدم عبادة الله عزَّ وجلَّ لا عبادةُ آدم، لأن الله
عزَّ وجلَّ: (إنما خلق ما يعقل لعبادته.
فإذا ابتدات قلت: اسْجُدوا فضممت الألفَ، والألفُ لا حظ لها في
الحركة، أعني هذه الهمزة المبتدأ بها. وإنَّما أدخلت - للساكن الذي بعدها.
لأنه لا يبتدأ بساكن، فكان حقها الكسرَ لأن بعدها ساكناً، وتقديرها
السكون، فيجب أن تكسر لالتقاءِ السَّاكنين، ولكنها ضمت لاستثقال الضمة بعد الكسر، وكذلك كل ما كان ثالثُه مَضْمُوماً - في الفعل المستقبل نحو قوله (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)، ونحو (اقْتُلُوا يُوسُفَ) لأنه
من أنَظَر يَنْظُر وقَتَل يقْتُل، وإنما كرهت الضمة بعد الكسرة - لأنها لا تقع في
كلام العرب - لثقلها - بعدها.
فليس في الكلام مثل فِعُل ولا مثل إفْعُل.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَسَجَدُوا إلا إبلِيسَ أبَى):
قال قوم إن إبليس كان من الملائكة فَاسْتُثْنِيَ منهم في السجود وقال قوم
من أهل اللغة: لم يكن إبليس من الملائكة، والدليل على ذلك قوله: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)، فقيل لهُؤلاءِ فكيف جاز أنْ يُستَثْنى منهم؛ فقالوا:

صفحة رقم 113
معاني القرآن وإعرابه للزجاج
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، الزجاج
تحقيق
عبد الجليل عبده شلبي
الناشر
عالم الكتب - بيروت
سنة النشر
1408
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية