
﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ وقوله عز وجل: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾. واختلف أهل التأويل في أمره الملائكة بالسجود لآدم، على قولين: أحدهما: أنه أمرهم بالسجود له تَكْرِمَةً وَتَعْظِيماً لشأنِهِ.
صفحة رقم 101
والثاني: أَنَّهُ جعله قِبْلَةً لهم، فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم، وفيه ضرب من التعظيم. وأصل السجود الخضوع والتطامن، قال الشاعر:
(بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ | تَرَى الأَكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ) |
(يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَساً | قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَأَبْلَسَا) |

﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كان مِنَ الْجِنِّ﴾ [٥٠ الكهف] لِمَ سماه الله تعالى بهذا الاسم، على أربعة أقاويل: أحدها: أنهم حي من الملائكة يُسَمَّوْن جنّاً كانوا من أشدِّ الملائكة اجتهاداً، وهذا قول ابن عباس. والثاني: أنه جعل من الجنِّ، لأنه من خُزَّانِ الجنَّةِ، فاشتق اسمه منها، وهذا قول ابن مسعود. والثالث: أنه سمي بذلك لأنه جُنَّ عن طاعة ربِّه، وهذا قول ابن زيدٍ. والرابع: أن الجِنِّ لكلِّ ما اجْتَنَّ فلم يظهر، حتى إنهم سَمَّوُا الملائكة جناً لاستتارهم، وهذا قول أبي إسحاق، وأنشد قول أعشى بني ثعلبة:
(لَوْ كَانَ حَيٌّ خَالِد أَوْ مُعَمَّراً | لَكَانَ سُلَيْمَان البري مِنَ الدَّهْرِ) |
(بَرَاهُ إلهي وَاصْطَفَاهُ عِبَادُهُ | وَمَلَّكَهُ ما بَيْنَ نُوبَا إلى مِصْرِ) |
(وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلاَئِكِ تِسْعَةً | قِيَاماً لَدَيْهِ يعْمَلُونَ بِلاَ أَجْرِ) |