
تَعْلَمُونَ أي وأن تتركوا للمعسر قدر ما أعسر بإبرائه منه، لأنه ربما لا يحصل البدل في الحال، فيأخذ ما يساويه في الآخرة. والصدقة تتضاعف الأضعاف المذكورة.
وقد أخرج البخاريّ «١» ومسلم والنسائيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه». وأخرج مسلم والترمذيّ نحوه عن أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه.
وعن أبي قتادة «٢» الحارث بن ربعيّ الأنصاريّ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة». رواه الإمام أحمد ومسلم.
وعن بريدة «٣» قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة. قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة. فسألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين. فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة».
وعن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «٤» :«من أنظر معسرا أو وضع عنه، وقاه الله من فيح جهنم». رواهما الإمام أحمد
، ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم زوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها، وإتيان الآخرة والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر، ويحذرهم عقوبته، فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨١]
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)
وَاتَّقُوا يَوْماً أي اخشوا عذاب يوم تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ما عملت من خير أو شر.
قال المهايميّ: فإن استوفى الدائن حقه بالتضييق على المديون استوفى الله منه حقوقه بالتضييق. وإن سامحه فالله أولى بالمسامحة. والمديون، إن لم يوف حق
ومسلم في: المساقاة، حديث ٣١.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة ٣٠٠ من ج ٥.
(٣) أخرجه ابن ماجة في: الصدقات، ١٤- باب إنظار المعسر، حديث ٢٤١٨.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم ٣٠١٧.

الدائن مع قدرته على الأداء استوفى الله منه حقّه. وأما من لا يقدر، فيرجى أن يعفو الله عنه، ويرضى خصمه بعوض من عنده وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
تنبيه:
من تأمل هذه الآيات وما اشتملت عليه من عقوبة أهل الربا ومستحليه، أكبر جرمه وإثمه. فقد ترتب عليه قيامهم في المحشر مخبلين وتخليدهم في النار ونبزهم بالكفر. والحرب من الله ورسوله واللعنة. وكذا الذم والبغض وسقوط العدالة وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق والقسوة والغلظة ودعاء من ظلم بأخذ ماله على ظالمه.
وذلك سبب لزوال الخير والبركة. فما أقبح هذه المعصية وأزيد فحشها وأعظم ما يترتب من العقوبات عليها! وقد شرح رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما طوى التصريح به في تلك الآيات من العقوبات والقبائح الحاصلة لأهل الربا في أحاديث كثيرة. فمنها: ما
رواه الشيخان «١» عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات (أي المهلكات) قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
وأخرج البخاريّ «٢» عن سمرة بن جندب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة.
فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم. فيه رجل قائم. وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة. فأقبل الرجل الذي في النهر. فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان. فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان.
فقلت: ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا».
وأخرج مسلم «٣» عن جابر بن عبد الله قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء».
وأخرج البخاريّ «٤» وأبو داود عن أبي جحيفة قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
(٢) أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٩٣- باب ما قيل في أولاد المشركين.
(٣) أخرجه مسلم في: المساقاة، حديث ١٠٦.
(٤)
أخرجه البخاريّ في: البيوع، ١١٣- باب ثمن الكلب، ونصه: عن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى جحّاما. فسألته عن ذلك؟ فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة. ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله. ولعن المصوّر.
[.....]