آيات من القرآن الكريم

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ ؛ هذا تحذيرٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ أن يوافي العبادُ ذلك اليومَ على غِرَّةٍ وغفلةٍ وتقصيرٍ في أوامر الله ومخالفتهِ فيما أحلَّ الله وحرَّم، يقول : اخْشَوا عذاب يومٍ ترجعون فيه إلى جزاءِ الله.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ ؛ أي توفَّى كلُّ نفسٍ جزاءَ ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ، ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ أي لا يُنقصُ من حسناتِهم ولا يُزاد في سيئاتِهم.
قرأ أبو عمرٍو ويعقوبُ :(تَرْجِعُونَ) بفتح التاء، واعتبرهُ بقراءة أُبَيّ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تَصِيْرُونَ فِيهِ إلَى اللهِ). وقرأ الباقون (تُرْجَعُونَ) بضمِّ التاء، اعتباراً بقراءة عبدِالله :(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرَدُّونَ فِيهِ إلَى اللهِ).
قال ابنُ عباس :(هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَذلِكَ أنَّهُ لَمَّا حَجَّ الْبَيْتَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيْلُ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بعَرَفَةَ بقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾[المائدة : ٣] الآيَةُ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾. قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، ضَعْهَا عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيْنَ وَمِائَتَي آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقُبضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ بتِسْعَةِ أيَّامٍ).
قال المفسرونَ :" لَمَّا نزلَ على رسولِ الله ﷺ ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾ قَالَ :[يَا لَيْتَنِي أعْلَمُ مَتَى ذلِكَ] فأنزلَ اللهُ هذه الآية ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾، قَالَ :[أمَا إنَّ نَفْسِي نُعِيَتْ إلَيَّ] ثم بَكى بكاءً شديداً، فقيلَ لهُ : يا رسولَ اللهِ، أتبكي من الموتِ وقد غُفِرَ لك ما تقدَّمَ من ذنبكَ وما تأخرَ؟! فَقَالَ :[وَأيْنَ خَوْفُ الْمَطْلَعِ، وَأيْنَ ضِيْقُ الْقَبْرِ وَظُلْمَةُ اللَّحْدِ، وَأيْنَ الْقِيَامَةُ وَالأَهْوَالُ] " فعاشَ رسولُ الله ﷺ بعد نزولِ هذه الآيةِ عاماً ؛ ثم نزل قوله :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾[التوبة : ١٢٨] فعاش رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الآية عَامَهَا بستةِ أشهرٍ.
ثم لَمَّا خرجَ رسولُ الله ﷺ إلى حَجَّةِ الوداعِ نزلَ عليه في الطريقِ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ﴾[النساء : ١٧٦] إلى آخرِها، ثم نزلَ بعدَها وهو واقفٌ بعرفةَ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾[المائدة : ٣] الآيةُ، فعاشَ بعدها إحدَى وثَمانينَ ليلةً، ثم نزل بعدَها آياتُ الرِّبَا. ثم نزلَ بعد ذلكَ ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ وهي آخرُ آيةٍ نزلت، فعاشَ رسولُ الله ﷺ بعدَها إحدَى وعشرين ليلةً، قال ابن جُريج :(تِسْعَ لَيَالٍ). وقال ابن جُبير ومقاتلُ :(سَبْعَ لَيَالٍ). ثم ماتَ يومَ الاثنينِ لليلتين مضت من شهرِ ربيعٍ الأول حينَ زاغَتِ الشمسُ سنةَ إحدَى عشرةَ من الهجرةِ.

صفحة رقم 259
كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو بكر الحداد اليمني
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية