آيات من القرآن الكريم

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ

ثروة المرابين وحرمانهم لذة الكسب الحلال ونزع صفات الحمد والشكر منهم، وإنزال نعوت الذم والقدح فيهم. هذا ويشترط للتوبة
عن الربا أربعة شروط: الإقلاع فورا، والندم على ما سلف، والعزم على عدم العودة إليه، ورد الفضل لأهله إذا كان بعد نزول النهي وبعد بلوغ الدعوة النبوية، فمن كان منه ذلك ونوى رد فضل الربا لأهله ثم عجز عنه أو تعذر عليه معرفة من أخذ منهم أو ورثتهم فالله تعالى أكرم بأن يعفو عنه ويرضي خصومه، أما الكافر إذا أسلم وكان يتعاطى الربا فلا يطالب بالردّ، لأن الإسلام يجبّ ما قبله، كما لا يطالب بالزكاة على ما قبل الإسلام، هذا هو الحكم الشرعي فيه. وإذا كان للمسلم حديثا ربا على الكفرة وكانوا محاربين جاز له استيفاؤه منهم، كما يجوز لغيره أخذ ما لهم بالربا والقمار والبيوع الفاسدة وشبهها. واعلم أن الله تعالى ذكر في القرآن العظيم الربا في أربعة مواضع مرة في مكة وهو قوله تعالى (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً إلخ ٧٩ من سورة الروم، وثلاث مرات في المدينة في هذه الآيات المارات، وفي الآية ١٣٠ من آل عمران، وسنأتي على تمام البحث فيها إن شاء الله، والخمر كذلك نزلت فيه أربع آيات مرة في مكة وثلاث في المدينة، راجع الآية ٢١٧.
قال تعالى «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٢٨١» لأن العمل فيه جار على قانون العدل الحقيقي، وهذه الآية الجليلة نزلت بعد آية المائدة ٤ التي نزلت في مكة يوم النحر في حجة الوداع، وهي آخر آية نزلت في القرآن ووضعت في هذه السورة بمكانها هذا بإشارة من النبي صلّى الله عليه وسلم وإخبار من الأمين جبريل عليه السلام وعاش بعدها رسول الله واحدا وعشرين يوما، وما جاء من أن آخر آية نزلت هي آية الربا فيه تسامح، إذ المراد بها أنها من آخر ما نزل من العقود ويراد بهذه آخر ما نزل من آيات القرآن، أما آخر ما نزل من السور فهو سورة النصر متفق عليه. ولهذا البحث صلة في الآية ٣ من سورة المائدة الآتية فراجعه، وعليه يكون انقطاع الوحي في ١١ صفر سنة ١١ من الهجرة، ومنهم من قال عاش بعدها تسع ليال، فيكون ختم الوحي ٢٣ صفر سنة ١١، ومنهم من قال سبع ليال، فيكون آخر الوحي في ٢٥ صفر

صفحة رقم 258

سنة ١١، ومنهم من قال ثلاث ساعات، وسنوفي هذا البحث في الآية المذكورة آنفا من سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» بيعا كان أو قرضا أو سلفا وغيره، وهذا الأمر للندب، لأن الله تعالى يقول بعد (الَّذِي اؤْتُمِنَ) وهذا الشرط صرفه عن الوجوب «وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ»، من غير زيادة ولا نقص ولا تقديم ولا تأخير، وفي هذا حفظ لحق الطرفين، فيأمن المدين من طلب زيادة أو تقديم في الأجل، ويأمن الدائن من جحود الدين وتذرعه بزيادة المبلغ وظن الدائن بنقصه، ومن نسيان شهادة الشهود «وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ» وتفضل به عليه في معرفة الكتابة وليكتب كما شرعه الله وأمره به من عدم الزيادة والنقص، وهذا الأمر للندب أيضا والصارف له عن الوجوب قوله تعالى (وَلا يُضَارَّ) إلخ، لأن الوجوب لا يقيد ولا يخصص ولا يعلق على شرط، ومتى وجد في الأمر أحد هذه انصرف من الوجوب إلى الندب، وهذه الآية على حد قوله تعالى (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) الآية ١٨ من سورة القصص في ج ١، لأن من خصه الله تعالى بفضيلة علم أو مال أو جاه ينبغي أن ينفع بها عباده كما نفعه بها. وبعد أن نهاه الله عن الإباء أمره بقوله «فَلْيَكْتُبْ» هذا الكاتب الذي اختاره الطرفان وائتمنا به ما يصلح أن يكون حجة عند الحاجة، ويراعى حالة الطرفين ولا يخص أحدهما بالاحتياط ويهمل الآخر، بل يحافظ على حقهما معا، وعلى هذا الكاتب أن يجتنب الألفاظ التي لها معان تنصرف لضرر أحدهما والكلمات التي هي من الأضداد لئلا يقع النزاع من أجلها، لأن القصد من الكتابة رفع ما يتوقع من النزاع ودفع ما يتوهم من الخلاف وتأمين حق الطرفين، فكل كلمة يتوقع منها حصول شقاق بسبب تعدد معانيها يجب عليه اجتنابها.
وينبغي لمن يتصدى لهذه الكتابة أن يكون عالما باللغة التي يكتب بها عربية

صفحة رقم 259

أو غيرها، وبالفقه وأصول المدانيات، والبيوع والسلم وغيرها، ليدمج الشروط المقتضية لكل منها فيما بكتبه «وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» أي المدين، لأن الكتاب يلزمه وحده، فهو الذي يعترف فيه ويبين قدره ونوعه وجنسه وصفته وأجله، ورب الدين يسمع ذلك، فإذا اختلفا فعليه أن يتوقف عن تدوينه حتى يتم الوفاق بينهما عليه، وأن لا يكتب شيئا لم يتفقا عليه صراحة لا ضمنا وتلويحا ولا تعريضا ولا سكوتا، وأن يكون عن رضى منهما واختيار وإيجاب وقبول لا غضبا ولا إكراها ولا تلعثما «وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ» في كل ما يكتبه، وقد جمع جل شأنه بين اسمه ووصفه الجليلين في هذه الجملة مبالغة في الحث على التقوى.
وضمير الفاعل يعود إلى المملي أي يحذّره ربه من أن يزيد أو ينقص شيئا مما أراده الطرفان، وأكد هذا الأمر بقوله «وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً» أي من ذلك الحق الذي اتفق عليه الطرفان، بأن يكتبه حرفيا وانتهي عن البعض يشمل الكل «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً» مبذرا لماله أو مجنونا أو معتوها أو جاهلا بالإملاء «أَوْ ضَعِيفاً» طفلا صغيرا أو شيخا هرما «أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ» بنفسه لمرض أو عمى أو كان محبوسا لا يمكنه الحضور أو غائبا يتعذر عليه المجيء أو لا يعرف ماله وما عليه، فهؤلاء كلهم لا يصح إقرارهم، ولذلك قال تعالى «فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ» الأمين عليه والمحافظ لماله أو وكيله أو وصيه المختار أو المنصوب من قبل القاضي أو المترجم إذا كان يحسن اللغة أو أخرس إملاء ملابسا «بِالْعَدْلِ» الواجب إجراؤه، أي الحق بين صاحب الحق والمولى عليه، فلا يزيد ولا ينقص، وعلى المترجم عن الذي لا يعرف اللغة وعن الأخرس أن يوقعا معهما «وَاسْتَشْهِدُوا» أيها المتعاقدان على عقودكم كلها «شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» أيها المؤمنون لا من غيركم، وقد يجوز أيضا استشهاد الغير في بعض الحالات كما سيأتي في الآية ١٠٦ من سورة المائدة الآتية «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» وتأمنون بهم على حقكم وتطمئنون بهما، والسبب في عدم كفاية المرأة الواحدة نقصان عقلها ودينها وكثرة نسيانها المنبئ عنه قوله تعالى «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما»

صفحة رقم 260

الشهادة وتنساها «فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» التي لم تنس بسبب التداول بينهما والمذاكرة فيها حتى يؤدياها معا لا على الانفراد ولا متعاقبتين «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» لتحمل الشهادة أو لأدائها عند الحاكم وهي واجبة على النصاب إذا لم يكن لإثبات الحق نصاب غيره «وَلا تَسْئَمُوا» أيها المتعاقدون من «أَنْ تَكْتُبُوهُ» أي الدين قليلا «صَغِيراً» كان «أَوْ كَبِيراً» كثيرا «إِلى أَجَلِهِ» أي لا تملّوا أو تضجروا من كتابته مهما كان فإنه يعود عليكم بالنفع، قال زهير:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم
أي يمل «ذلِكُمْ» إثبات الدين بالكتابة والشهود «أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ» أعدل واثبت وأعون «لِلشَّهادَةِ» لأن الشاهد إذا رأى خطه تذكر الحادثة وشهد بالحق عن يقين بلا تردد «وَأَدْنى» أقرب إلى «أَلَّا تَرْتابُوا» تشكوا بمقدار الدين والأجل وكيفية الشهادة بهما، وهذا واجب عليكم أو مندوب في كل العقود «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ» ولم يعين لعقدها أجل وهي بين أيديكم جميعا وتحت تصرفكم أيها المتعاقدون «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» إثم ولا حرج من أن «أَلَّا تَكْتُبُوها» بعد التجاحد في مثل هذه الحالة، لأن كلا منهم واضع يده عليها، وظاهر الحال يدل على كونها لهما معا، ولتمكن كل منهما من أخذ حقه منها أي وقت شاء. وعود الضمير إلى المداينات المذكورة سابقا المعبر عنها بالعقود كما جرينا عليه أولى من عودها إلى التجارة، وعليه يكون الاستثناء متصلا، وكذلك يكون متصلا إذا أعدت الضمير إلى الاستشهاد أي أشهدوا في كل المداينات والعقود إلا في عقد التجارة التي تتعاطونها معا.
وقال بعض المفسرين يعود الضمير إلى التجارة وجعل الاستثناء منقطعا وفيه عود الضمير إلى ما هو متأخر لفظا ورتبة وهو جائز في فصيح الكلام، ولكن الأول أولى.
واعلم أن من كان عنده شهادة لأحد وقد مات رب الدين والورثة لا تعلم ذلك فيترتب عليه إعلام الورثة بذلك دون دعوة من الحاكم أو من أحد منهم لإظهار الحق، وما جاء في الآية من لزوم دعوة الشهود لأداء الشهادة في غير هذه القضية

صفحة رقم 261

وما شاكلها من معلومية الشهود عند المدعي، لأن الشاهد ترد شهادته إذا تبرح لأدائها دون تكليف، ولهذا فإن/ ما/ في قوله تعالى (إِذا ما دُعُوا لا تعالى زائدة لما فيها من ثم النفي لمثل هذه الحالة، راجع الآية ١٢٤ من سورة براء الآتية في بحث ما هذه. وكذلك من يتسرع بحلف اليمين قبل أن يكلف الحلف فلا عبرة بحلفه لمظنة التهمة في هاتين القضيتين وما شابههما، تدبر قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» أيها الناس لتكون عقودكم صحيحة ظاهرا وباطنا فيما بينكم أنفسكم وفيما بينكم وبين الله سواء كان البيع ناجزا أو معلقا أو لأجل خوفا من وقوة التجاحد والاختلاف في البيع والثمن والشرط والأجل أو في الكل «وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ» بأن يقسر على الكتابة وهو لا يضار أيضا بإملائه بأن يزيد أو ينقص ويضع بعض كلمات متضادة أو لها معان قد تضر بأحدهما «وَلا شَهِيدٌ» يجبر على الشهادة أو يمتنع بعد تحملها عن أدائها أو يزيد أو ينقص فيها، هذا وجد غيرهما إذ الوجوب كفائيا، والأمر على الندب أو الاحتمال كون الكاتب والشاهد مشغولين بما يهمهما، وأن تكليف الكتابة أو الشهادة يضرّ بهما فيصار لغيرهم أما إذا لم يوجد غيرهما فيجب حينئذ عليهما وجوبا عينيا بأن يكتب الكاتب ويشهد الشاهد لما في الامتناع من الضرر بغيرهما، لأن وجوب العين يتأكد ويلزم الرحمن بعينه، والكفائي إذا أقام البعض به سقط عن الآخرين كغسل الميت وتكفينه وو حمله والصلاة عليه. ثم أكد النهي عن الإضرار الذي هو خروج عن الطاعة اللاحق أثره بهم غالبا بقوله «وَإِنْ تَفْعَلُوا» ما نهيتم عنه أو تمتنعوا عما أمرتم به «فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ» وخروج عن الطاعة التي ينتج عنها وقوع الشحناء بينكم ثم هذا التأكيد بقوله عن قوله «وَاتَّقُوا اللَّهَ» فيما نهيتم عنه وأمرتم به وفي محق حقوق بعضكم كحقكم، فإن التقوى بهذا كغيره أزكى لكم وأطهر لقلوب «وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ» إذا اتقيتموه أشياء كثيرة من أمور دينكم ودنياكم مما هو لكم فيها وعند ربكم «وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) » لا تخفى عليه أموركم هذه الجملة تهديد ووعيد لمن يجحد شيئا من العقود أو يخالف فيها وللشهود أيضا لا يكتموا شيئا من الشهادة وتشير إلى أن تقوى الله تورث العلم بما لا يعلم،

صفحة رقم 262

أطول آية في القرآن العظيم وأقصر آية فيه آية (ثُمَّ نَظَرَ) ٢٢ من سورة المدثر في ج ١. واعلم أن الأمر بالكتابة عند وجود الكاتب في حالة الحضر ولهذا يقول تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ» بعيدا أو قريبا «وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً» أو آلة الكتابة أو ما يكتب عليه ويكتب به وأردتم أن تتعاقدوا أو تتداينوا «فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» لنثقوا على أموالكم وليس الغرض جواز الرهن في السفر، وإنما الفرض التوثق من الدين في حالة عدم وجود الكاتب والشهود، وإلا فالرهن جائز سفرا وحضرا، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي على طعام أخذه منه لأجل، وإنما أشار الله إليه مبالغة في تحفظ الناس على أموالها من أن يأخذها من لا يؤديها فتسبّب الأحقاد والأضغان بينهم، لأن المال عديل الروح وكثيرا ما يقتل الرجل عند ماله أو من أجله، وقد أباح الشارع الدفاع عنه فقال قاتل دون مالك. ولأجل شدة المحافظة على المال التي يتأتى من عدم إيفائه الشحناء ولهذا قال تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) الآية ٥ من سورة النساء الآتية، وقال صلّى الله عليه وسلم احترسوا على أموالكم بسوء الظن أي لا تؤتوها من يغلب على ظنكم عدم الوفاء بل توثقوا من حسن معاملة من تدينونه بالتحقيق عن أحواله من كل الجهات «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» لحسن ظن فيه أو تجربة أو كان قريبا أو صديقا متوغل الصداقة معكم ولم تجدوا كاتبا ولا شهودا وليس عنده رهن وأعطيتموه مالكم ثقة منكم به، فإن الله تعالى يأمره بقوله «فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» أي دينه وإنّما سمي أمانة لأنه صاحبه وقد أمن من جحوده فأعطاه إياه بلا سند ولا شهود
ولا رهن، فصار كأنه أمانة، والأمانة لا يجب عليها الإشهاد ولا الكتابة ولا الرهن، لأن الأمين مصدق بردّها له في قوله. وتومئ هذه الآية إلى حث المدين أن يكون عند حسن ظن دائنه فيه، وحمله على أدائه عند حلول أجله دون مطل أو تعلل. ثم أكد الله تعالى على المدين لزومه التأدية بقوله «وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ» بعدم الجحود وأن يفيه له بالحسنى مقابلة لفعله معه بقضاء حاجته في حالة يمكنه الامتناع فيها عن أن يدينه بحجة عدم وجود كاتب أو شهود أو رهن.
وبعد أن ندبه وحذره من المطل والتسويف ولزوم أداء الأمانة عند طلبها امتثالا

صفحة رقم 263

لأمره خاطب الشهود بقوله عز قوله «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» إذا دعيتم إليها لأنها أمانة فى أعناقكم وفي كتمانها إبطال الحق وضياع المعروف، ولهذا بالغ في الوعيد والتهديد على كتمانها فقال «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» مخطئ فاجر، وأضاف الإثم إلى القلب لأن كل أمر أول ما يحدث يحدث في القلب ثم ينطق به اللسان أو تنفذه الجوارح إلا من عصم الله، لأن القلب رئيس الأعضاء إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله- كما في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير عن البخاري- ولذلك فإن إثمه أعظم الآثام، قال ابن عباس أكبر الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور وكتمان الشهادة. وقال لما حرم الله الربا أباح السلف وقال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى (أياما أو شهورا أو سنين) قد أحله الله تعالى في كتابه وأدن فيه، وهذا سبب نزول هذه الآية، وله شروط معلومة في كتب الفقه يجب التقيد بها لصحة عقده ولئلا يدخله الربا. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون من التمر العام والعامين، فقال لهم من أسلف في تمر ففي كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) » لا يعزب عنه شيء من أعمالكم. وتومئ هذه الآية إلى تحذير من يكتم الشهادة ولم يؤد ما ائتمن عليه، وان المراد بإثم القلب مسخه والعياذ بالله، ومن هنا قيل: ما أوعد الله على شيء كإبعاده على كتم الشهادة، فانظر رحمك الله ما أعجب نظم هذه الآيات في تنظيم الإدارة الإنسانية، لأن عدم المضارة المذكورة من الطرفين والكاتب والشهود جزء من أجزاء الإدارة اللازمة للبشر، ومع هذا فإن الله جل جلاله قد بالغ في التأكيد على القيام بها بالعدل والتشديد على من يخرم شيئا منها، وقد كرر لفظ التقوى فيها لأنها تقي الإنسان من الوقوع فيما لا يرضي الله، لأنه قد يفرط في أمور يظنها من التقوى وليست منها، وقد يتسامح في أمور يظنها من التقوى وليست منها أيضا، بل قد تؤدي لما يحذر منه كمن يعطي ماله لسفيه أو يدين غيره بلا سند ولا شهود مع القدرة عليها، إذ ليس من الدين تفريط المرء في حفظ ماله إذ يعرضه لضياعه ومن ترك أمرا من أمور الدين أحوجه الله إليه، ولهذا أوجب الشارع الحجر

صفحة رقم 264

على الإنسان في الأحوال المارة الذكر في الآية السابقة، لأن الدين يأمر باتخاذ الوسائل لصيانة المال كما يأمره باتخاذها لصيانة النفس، ولهذا وضع الله تعالى أسسا للتعامل لانتظام معاملة الناس فالتوثق بها خير ضمان لمصلحة العامة. والحكم الشرعي في المداينات ما ذكرناه في تضاعيف تفسير الآيتين المارتين، ويفهم منها أن تصرف السفيه والمجنون وغير كامل التمييز غير مقبول شرعا، وأن إقرار الولي والوصي والقيم يعتبر عمن هو تحت الولاية والوصاية، لأنه محجور شرعا عن التصرف بماله ولا تعتبر عقوده، لأنه بحكم القاصر، ويعلم قوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) اشتراط كون الشاهد في الحقوق مسلما على مثله والكافر على مثله، بخلاف الجنايات فإنها تقبل فيها شهادة غير المسلم على المسلم، وقد رجم صلّى الله عليه وسلم يهوديا بشهادة يهود عليه في الزنى، وأن يكون العاقد حرا لأن العبد لا يملك عقود المداينات، وترمي إلى أن لا يكتفى بشاهد واحد، أما ما جاء بالاكتفاء بشاهد ويمين فهو مما لم يذكره الله تعالى في كتابه، ولهذا قال (وَامْرَأَتانِ) أي في حال عدم وجود رجلين، وقال بالائتمان عند عدم وجود الشاهد والكاتب والرهن، وان قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي يثبت عند الشافعي رحمه الله ومالك وأحمد بشاهد ويمين، فهو من خصوصياته إذا تحقق ثبوته. قال تعالى «لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» ملكا وعبيدا في تضاعيف ملكه بجميع الكائنات، وإذا علمتم ذلك فإن قوله جل قوله «وَإِنْ تُبْدُوا» أيها الملوان الذين فيهما «ما فِي أَنْفُسِكُمْ» فتظهروه ليطلع عليه بعضكم فيمدحوكم على الخير أو يذموكم على الشر علنا أو جهرا «أَوْ تُخْفُوهُ» لئلا يطلع عليه أحد، فهو معلوم ومدون عنده في لوحه قبل خلقكم، ولذلك فإنكم يوم تحشرون إليه «يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ» أظهر
الاسم الكريم مع تقدم ذكره لإدخال الروعة والمهابة في قلوب عباده، أي أنه يحاسبكم عليه خيرا كان أو شرا، وقد عنون عن العمل بقوله (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) لأن العمل مسبوق بالعزم وهو من النفس.

صفحة رقم 265

مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:
ومن رحمته بكم لم يقل يعاقبكم أو يؤاخذكم، لأن المحاسبة عبارة عن المعاتبة وتعريف الشخص بأن الله تعالى مطلع على سره وخواطر نفسه وضمائر قلبه، فضلا عما يفعله جهارا ويقوله علنا، وبعد أن يطلع عبده على ذلك يغفره له بمقتضى فضله كما يعذب عبده على ما يبديه إن شاء يحكم عدله. يدل على هذا ما رواه صفوان ابن محرز المازني قال: بينما عمر يطوف إذ عرض له رجل، فقال يا أبا عبد الرحمن أخبرني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم في النجوى، قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول أعرف ربي أعرف مرتين، فيقول الله سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسابه، وأما الآخرون، وهم الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين- أخرجاه في الصحيحين-. وان حديث اهمّ المقدم ذكره في الآية ٨٤ من سورة القصص في ج ١ يؤيد هذا لأن إخفاء ما في النفس عبارة عما يحدث في القلب. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت نفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا.
ولا وجه لقول من قال إن هذه الآية منسوخة، لأنها خبر من الأخبار لا يدخلها النسخ كما بيناه في بحث النسخ في المقدمة وعند كل بادرة، وحجة من قال بنسخها هو ما رواه أبو هريرة من أن هذه الآية لما نزلت على رسول اشتد ذلك على أصحابه وقالوا كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والصدقة، وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها، فقال أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا، فأنزل الله في أثرها «فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) »
كامل القدرة بالغ المغفرة يغفر للمؤمنين بفضله ويعذب الكافرين بعدله. قال تعالى «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ» آمنوا بما آمن به رسولهم «كُلٌّ منهم «آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ» نحن معاشر

صفحة رقم 266

المؤمنين «بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» كما فعل من قبلنا إذ آمنوا ببعض وكفروا ببعض كما أشرنا إليه في الآية ٨٥ المارة، بل نؤمن بجميع الأنبياء والرسل وما أنزل الله عليهم من صحف وكتب وما ذكروه لنا عن ربهم وآمنوا به إيمانا خالصا «وَقالُوا» هؤلاء المؤمنون «سَمِعْنا» قول ربنا «وَأَطَعْنا» أمره نطلب «غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ» نعلم بأنه «إِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) » في الآخرة فأحسن مآبنا إليك، ثم أنزل بعدها «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» قدرتها وطاقتها، فخرج هنا حديث النفس والوسوسة، لأنهما خارجان عن الوسع فهما خارجان عن التكليف، لأن دفعها فوق الطاقة، وفي المؤاخذة عليها حرج، وقد قال تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية ٧٧ من سورة الحج الآتية، والله أكرم من أن يتعبدنا بما لا نطيق، وأجلّ من أن يضيق علينا في الدين، وهذا لا يكون حجة في دعوى النسخ لما ذكرنا، ولأن الله لم يرتب عليه عقابا ليخففه في هذه الآية، وعلى فرض صحة حديث أبي هريرة فإن الأصحاب الذين راجعوا حضرة الرسول هم من عوام الصحابة أمثاله، ولهذا خاطبهم صلّى الله عليه وسلم بقوله (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين) أي الآية ٩٣ المارة، ولأنهم ظنوا أن الله يعاقبهم على ما يخطر بقلوبهم، ولذلك قالوا «لَها» أي لكل نفس ثواب «ما كَسَبَتْ» من أعمال الخير «وَعَلَيْها» وزر «مَا اكْتَسَبَتْ» من أفعال الشر، ثم علّم الله تعالى عباده كيف يدعونه بقوله قولوا «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» أمرا من أمورك أو نهيا من نواهيك، لأنا لا تخلو من أحدهما فاغفر لنا تقصيرنا في هاتين الحالتين أيضا زيادة عما تحدثه نفوسنا، فإنك واسع المغفرة بالغ الرحمة. هذا وقد قال العلماء إن التصور إذا وصل حد التصميم والعزم يؤاخذ عليه الإنسان لقوله تعالى (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) الآية ٢٥٥ المارة لأن هذا من الكيفيّات النفسانية التي تلحق بالملكات بخلاف سائر ما يحدث بالنفس وعليه قوله:

صفحة رقم 267

واعلم أن هؤلاء لو كانوا من خواص الصحابة لما خطر لهم ذلك ولعرفوا المغزى من قوله تعالى (يُحاسِبْكُمْ) ولم يثقل عليهم ذلك هذا وليعلم أن النسيان ضد التذكر والخطأ ضد العمد ولما كان التحرز عنهما ممكنا وأنهما إنما ينشآن من التفريط وقلة المبالات ونحوهما مما يدخل تحت التكليف جازت المؤاخذة عليهما ولولا هذا لما كان لسؤال عدم المؤاخذة عنهما معنى إلا أنه تعالى خفف عن هذه الأمة فرفع عنها المؤاخذة بهما بما ألهمهما من هذا الدعاء، وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولفظ رفع يشير إلى ذلك، ويفهم من هذه الآية والحديث أن الأمم السالفة كانت تؤاخذ بهما وأن عدم المؤاخذة بهما من خصائص هذه الأمة، يدل على هذا ما قيل إن بني إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطأوا فيما نهوا عنه عجلت لهم العقوبة فيخرم الله عليهم بها شيئا مما كان حلالا لهم من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم على شيء من ذلك، قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) الآية ١٨٥ المارة، وعلى هذا فإن ما يصدر من التفريط وقلة المبالاة وسبق اللسان يدخل تحت العسر ويوشك أن لا يؤاخذنا الله عليه برحمته «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا» فلم يقدروا على الوفاء به فعذبتهم عليه، والإصر هو العهد والميثاق الثقيلان الغليظان مثل قتل النفس لأجل قبول التوبة، وقطع العضو المخطئ وطرف الثوب للنجاسة وأداء ربع المال في الزكاة، والفضيحة بالذنب إذ يجدها المذنب مكتوبة على باب داره وغيرها من التكاليف الشاقة التي ابتلى الله بها اليهود لسوء أعمالهم، لأننا لا نستطيع تحملها لما ترى من ضعفنا «رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» من أمثال تلك الأشياء، «وَاعْفُ عَنَّا» ما سبق من كبائر ذنوبنا وامحها عنا بفضلك «وَاغْفِرْ لَنا» صغائرها وما وقع منا سهوا وخطأ ونسيانا وإكراها برأفتك، ولا تفضحنا بشيء فعلناه «وَارْحَمْنا» رحمة عامة شاملة تطهر قلوبنا بها من وساوس الشيطان وخطرات النفس وحديث القلب وما يحوك في الصدر، ونجنا من عقابك وعذابك وعتابك.
وهذه الثلاثة بمقابل الثلاثة قبلها، وفي معناها قيل:

صفحة رقم 268

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
أنا مذنب أنا مسرف أنا عاصي هو راحم هو غافر هو عافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثة وستغلبن أوصافه أوصافي
«أَنْتَ مَوْلانا» وناصرنا ومؤيدنا لا مولى لنا غيرك ولا عمدة لنا سواك «فَانْصُرْنا» بفضلك ولطفك وكرمك «عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦) » أعدائك وأعدائنا المناوئين لرسولك الجاحدين كتابك. قال أبو هريرة قال ابن عباس في حديث طويل يرويه عنه مسلم في هذه الآية قال تعالى قد غفرت لكم ولا أؤاخذكم ولا أحمل عليكم ولا أحملكم إصرا، قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم.
واعلم أيها العبد أن الله تعالى لو لم يرد إجابة الدعاء ما علمه عباده، وفيه قيل:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من فيض جودك ما علمتني الطلبا
فاغتنم هذا وتبتل إلى ربك صباح مساء، واسأله فإنه جواد كريم، لأن هذه الآية تدل صراحة على جواز غفران الذنوب لأصحاب الكبائر من المؤمنين، فكن عظيم الثقة بالله دائم الاستعانة به، كثير الرجاء، فإنه عند ظن عبده. روى البخاري ومسلم عن بن مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه، أي من كل ما يحذر منه ومن كل هامة وشيطان، فلا يقربه تلك الليلة شيء وقيل إذا قرئ على المصروع أربع آيات من أول البقرة إلى المفلحون وثلاث من وسطها آية الكرسي والآيتان بعدها وثلاث من آخرها من (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) إلى آخر السورة برىء بإذن الله تعالى، وهو من المجرب إذا صحت النية والعقيدة وطهرت النفس، لأن لآيات الله تعالى في مثل هذه الأمراض تأثيرا شديدا، وقد ذكرنا ما يتعلق بهذا في تفسير الآية ٨٢ من سورة الإسراء ج ١.
وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض منها، قال (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) قال فراش من ذهب، قال فأعطي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثا، أعطي الصلوات الخمس، وخواتيم البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقتحمات أي الذنوب العظام التي تولج مرتكبها النار. وأصل الاقتحام الولوج. وروى مسلم

صفحة رقم 269
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية