آيات من القرآن الكريم

۞ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

٢٧٢ - قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ الآية. نزلت هذه الآية حين جاءت قُتيلة (١) أم أسماء بنت أبي بكر (٢) إليها تسألها، وكذلك جَدّتها، وهما مشركتان (٣)، أتتا أسماء تسألانها شيئًا، فقالت: لا أعطيكما حتى أستأمر رسول الله - ﷺ -، وإنكما لستما على ديني، فاستأمرته في ذلك، فأنزل الله في هذه الآية، وأمرها رسول الله - ﷺ - أن تتصدق عليهما (٤).
والمعنى: ليس عليك هدى من خالفك فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها. وأراد بالهدى هاهنا: هدى التوفيق وخلق الهداية؛ لأنه كان على رسول الله - ﷺ - هدى البيان والدعوة لجميع الخلق (٥)،

(١) قتيلة بنت عبد العزى بن سعد الحامرية القرشية، والدة أسماء بنت أبي بكر، ذكرها بعضهم في الصحابيات اللواتي تأخر إسلامهن، وقال أبو موسى: ليس في شيء من الروايات ذكر إسلامها، وقولها: راغبة، أي: في الصلة، وقال الحافظ ابن حجر: إن كانت عاشت إلى الفتح فالظاهر أنها أسلمت. ينظر "تجريد أسماء الصحابة" ٢/ ٢٩٧، "الإصابة" ٨/ ١٦٩.
(٢) أسماء بنت أبي بكر الصديق، عبد الله بن عثمان التيمية القرشية، ذات النطاقين، أسلمت بعد سبعة عشر إنسانا، توفيت سنة ٧٣ أو ٧٤ بعد مقتل ابنها عبد الله بأيام، وقد عاشت مائة عام. ينظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم ٦/ ٣٢٥٣، "الاستيعاب" ٤/ ٣٤٤.
(٣) في (ي) و (م): (مشتركان).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٥٥، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٠، والحافظ في "العجاب" ١/ ٦٣٢ عن الكلبي، وذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٣٣، ونحوه عند مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٤٤، والقصة في الصحيحين، لكن دون ذكر لسبب النزول، رواها البخاري (٢٦٢٠) كتاب: الهبة، باب: الهدية للمشركين، ومسلم (١٠٠٣) كتاب: الزكاة، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج.
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٦٥٨.

صفحة رقم 444

﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: يريد: أولياءه (١).
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ أي: من مالٍ (٢) وهو شرط وجوابه ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ (٣).
﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ ظاهره خبر، وتأويله نهي، أي: ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، فلما لم يجئ بلا وجاء بما صرفه عن وجه الجزم؛ لأن (ما) لا ينهى بها وإن كان جحدًا، وعادتهم في النهي أن يكون بـ لا، والخبرُ في النفي يأتي والمراد به النهي، كقوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩]. ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة: ٢٣٣] وفي الإثبات يأتي والمراد به الأمر، كقوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]. وكقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤] (٤).
وأجرى كثير من أهل المعاني هذا على ظاهر الخبر (٥)، قال الزجاج: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم الله أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند الله عز وجل (٦).
وقال غيره: المراد بهذا نفي المنّ، يقول: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ

(١) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣٨٧.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩ - ١٦٦٠، "البحر المحيط" ٣٢٧/ ٢، "غرائب التفسير" ١/ ٢٣٣.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٧.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٥.

صفحة رقم 445

وَجْهِ اللَّهِ} فلا تَمُنُّوا به، إذ كان (١) ما تنفقون لأنفسكم من حيث هو ذخر لكم، ولابتغاء وجه الله الذي يُوفَّرُ به الجزاءُ لكم، فهو من كلِّ جهةٍ عائدٌ عليكم.
وقال صاحب النظم: قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ حالٌ متوسط بين الجزاءِ والشرط، تأويله: وما تنفقوا من خير، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، أي: إذا أنفقتم على هذه الحال فلأنفسكم، كما تقول في الكلام: ما تفعل من خير، ولا تفعله إلا لله، فهو مقبولٌ منك.
وقال بعضهم: القصد بقوله (٢): ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ أن يُعَلِّمَهُم التعميمَ بالإنفاق والصِّلَة، يقول: أنتم ما تنفقون (٣) أموالكم إلا ابتغاء وجه الله، فلا (٤) يضركم أن تبتغوا وجه الله بالإنفاق على المشركين، مثاله: قولك لمن تنصحه (٥): إن قصدك بالمعروف الثواب فلا تخصص به أولياءك دون أعدائك، فيستفاد من هذا تعليم التعميم، وتعليم كيفية القصد في الإعطاء.
قال أهل العلم: وهذا في صدقة التطوع، أباح أن يتصدق على المليّ والذمي، فأما صدقة القرض فلا تجوز إلا للمسلمين (٦).
وفي ذكر الوجه في قوله: ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ قولان:

(١) في (ي): (ما إذا كان).
(٢) في (ش): (تقوله).
(٣) من قوله: (وما تنفقون)، ساقط من (ش).
(٤) في (ي) و (ش): (لا).
(٥) في (ش): (نصحته).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦٠.

صفحة رقم 446
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية