
لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ١ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤) }
شرح الكلمات:
﴿هُدَاهُمْ﴾ : هدايتهم إلى الإيمان وصالح الأعمال.
﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ : من مال.
﴿فَلأَنْفُسِكُمْ﴾ : ثوابه العاجل بالبركة وحسن الذكر والأجل يوم القيامة عائد على أنفسكم.
﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ : يرد أجره كاملاً لا ينقص منه شيء.
﴿أُحْصِرُوا﴾ : حبسوا ومنعوا من التصرف لأنهم هاجروا من بلادهم.
﴿ضَرْباً فِي الأَرْضِ﴾ : أي: سيراً فيها لطلب الرزق بالتجارة وغيرها لحصار العدو لهم.
﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ : علامات حاجتهم من رثاثة الثياب وصفرة الوجه.
﴿مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ : ترك سؤال الناس والكف عنه.
﴿إِلْحَافاً﴾ ٢: إلحاحاً وهو ملازمة السائل من يسأله حتى يعطيه.
معنى الآيات:
لما أمر تعالى بالصدقات ورغب فيها وسألها غير المؤمنين من الكفار واليهود فتحرج الرسول
٢ الإلحاح والإلحاف، والإحفاء مصادر ألح في السؤال، والحف وأحفى والإلحاف مشتق من اللحاف؛ لأنه يشتمل على الملتحق به، كذلك الإلحاف في السؤال؛ لأن المحلف يأتي أمام المسؤال ويأتي عن يمينه وعن شماله يسأله لا يفارقه حتى يعطيه أو يمنعه.

والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب الله تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على غير المؤمنين والمراد من الصدقة: صدقة التطوع لا الواجبة وهي الزكاة، فقال تعالى مخاطباً رسوله وأمته تابعة له: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك، وإنما الموكل إليك بيان الطريق لاغير، وقد فعلت فلا عليك أن لا يهتدوا، ولو شاء الله هدايتهم لهداهم، وما تنفقوا من مال تثابوا عليه، سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه الله وابتغاء مرضاته، وأكد تعالى هذا الوعد الكريم بقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ والحال أنكم لا تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلاً. كان هذا معنى الآية الأولى (٢٧٢)، أما الآية الثانية وهي: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ... ﴾ فقد بين تعالى فيها أفضل جهة ينفق فيها المال ويتصدق به عليها، وهي فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأحصروا في المدينة بجوار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستطيعون ضرباً في الأرض للتجارة ولا للعمل، ووصفهم تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولولا تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف نفوسهم الجاهل بهم أغنياء غير محتاجين، فقال تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ لا يسألون١ مجرد٢ سؤال فضلاً عن أن يلحوا ويلحفوا. ثم في نهاية الآية أعاد تعالى وعده الكريم بالمجازاة على ما ينفق في سبيله، فقال: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ ولازمه أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فابشروا واطمأنوا.
وأما الآية الثالثة (٢٧٤) في آخر آيات الدعوة إلى الإنفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل أحوالهم بالليل والنهار سراً وعلانية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع لا الزكاة فإنها حق٣ المؤمنين
٢ أي لا يسألون بإلحاح ولا بدونه فهم لا يسألون غيرهم البتة.
٣ شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن آخد الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم"، وشاهده في الصحيح: "خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم".

٢- ثواب الصدقة عائد على المتصدق عليه فلذا لا يضر إن كان كافرا.
٣- وجوب الإخلاص في الصدقة أي: يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غير.
٤- تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدق عليه.
٥- فضيلة التعفف وهو ترك السؤال مع الاحتياج١، وذم الإلحاح في الطلب من غير الله تعالى أما الله عز وجل فإنه يحب الملحين في دعائه.
٦- لا جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن إذ الكل يثيب الله تعالى فعليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه.
بشرى الله تعالى للمؤمنين المنفقين بادخار أجرهم عنده تعالى ونفي الخوف والحزن عنهم مطلقاً.
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) ﴾