آيات من القرآن الكريم

۞ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

٢٧ - قال اللَّه تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم من المشركين فسألوا فرضخ لهم فنزلت هذه الآية: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين الحديث بنصه كالطبري وابن العربي وابن كثير، وغيرهم ذكره بمعناه كالبغوي وابن عطية والقرطبي.
قال الطبري: (يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك يا محمد هدى

صفحة رقم 295

المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن اللَّه هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له فلا تمنعهم الصدقة) اهـ.
وقال ابن عاشور: (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين عن الصدقة على الكفار إلجاءً لأولئك الكفار على الدخول في الإسلام.
والمعنى: أن ليس عليك أن تهديهم بأكثر من الدعوة والإرشاد دون هداهم بالفعل أو الإلجاء إذ لا هادي لمن يضلل الله وليس مثل هذا بميسّر للهدى) اهـ.
وكلام الطبري وابن عاشور وغيرهما من المفسرين تجدهم فيه ينسبون النهي عن التصدق على الكافرين إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليحملهم ذلك على الدخول في الإسلام عند الحاجة.
وهذا القول - فيما أعلم - ليس له مستند شرعي صحيح من كتاب اللَّه، أو سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما حمل قائلَه عليه فهمُه لسياق الآية في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) وهذا ليس بسديد لأنه لا يلزم من التنبيهِ الوقوعُ في المحذور ودليل ذلك قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥).
فهل وقع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشرك أو قارب الوقوع فيه؟.
والجواب: لا بلا ريب ولا تردد فلم يقع شيء من ذلك بحمد اللَّه.
ثم أيضاً هذا الكلام معارض بأمرين:
الأول: سبب النزول، فقد جاء في السبب كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم ولم يقل كانوا ينهون، وأيضاً قوله فسألوا فرخص لهم، ولم يقل فمنعهم.
ولهذا قال ابن العربي: (في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تصدقوا إلا على أهل دينكم فنزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ).
الثاني: أنه ساق الحديث الذي معنا ثم قال: وهذا هو الصحيح لوجهين:

صفحة رقم 296

أحدهما: أن الأول حديث باطل.
الثاني: أن أسماء - رضي الله عنها - قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبيها، فاستفتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أُمي قدمت وهي راغبة؟ قال: نعم صِلِي أُمكِ) فإنما شكوا في جواز الموالاة لهم، والصدقة عليهم فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأذن لهم). اهـ.
الأمر الثاني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الزكاة الواجبة كان يعطي المؤلفة قلوبهم امتثالاً لأمر اللَّه، وترغيباً لهم في الدخول في الإسلام مع أن شأنها أعظم وأخطر وأجلُّ من صدقة التطوع في وجوب التحري والنظر لمستحقها، فكيف يفعل العكس والضد في غير الأموال الزكوية ويتخذه سبيلاً لجرِّ الناس إلى الإسلام؟
أليس هذا ينافي حكمة العقلاء فضلاً عن حكمة سيد الأنبياء.
* تنبيه:
فإن قال قائل: الآية خاطبتِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والكراهة وقعت من غيره فلماذا يوجه الخطاب إليه؟
والجواب: هذا صحيح، ووجه توجيه الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه إمامهم وقدوتهم ومثل هذا موجود في القرآن كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين بالمعنى الذي دلَّ عليه واللَّه أعلم.

صفحة رقم 297
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
عرض الكتاب
المؤلف
خالد بن سليمان المزيني
عدد الأجزاء
1