آيات من القرآن الكريم

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

٨ - قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج البخاري وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان أصحابُ محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان الرجل صائمًا، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه الآية: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ففرحوا بها فرحاً شديداً ونزلت: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).

صفحة رقم 234

٢ - أخرج البخاري أيضاً عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل اللَّه: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ).
٣ - أخرج الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة، وقد سهر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها، فقالت: إني قد نِمتُ، قال: ما نِمتِ، ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فأنزل اللَّه تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ).

صفحة رقم 235

٤ - أخرج أبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فكان الناس على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته، وقد صلى العشاء ولم يفطر فأراد اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة فقال سبحانه: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) وكان هذا مما نفع اللَّه به الناس ورخص لهم ويسر.
٥ - أخرج أبو داود عن ابن أبي ليلى قال: أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال فذكر الحديث.. وفيه قال: وحدثنا أصحابنا قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح قال: فجاء عمر بن الخطاب، فأراد امرأته، فقالت: إني قد نِمتُ فظن أنها تعتل فأتاها، فجاء رجل من الأنصار، فأراد الطعام، فقالوا: حتى نسخن لك شيئاً فنام فلما أصبحوا أُنزلت عليه هذه الآية: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ).

صفحة رقم 236

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ذكر جمهور المفسرين هذه الروايات وجعلوها سبباً لنزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.

صفحة رقم 237

قال الطبري: (إن قال لنا قائل وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم؟
قيل: كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين:
أحدهما: جماع النساء، والآخر: المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراماً ذلك عليهم) اهـ.
ثم ساق الأسباب.
وقال البغوي: (قال أهل التفسير كان في ابتداء الأمر إذا أفطر الرجل حلَّ له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة، أو يرقد قبلها، فإذا صلى العشاء أو رقد قبلها حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى الليلة القابلة). اهـ. ثم ساق الأسباب.
وقال ابن كثير: (وهكذا روي عن مجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب، ومن صنع كما صنع، وفي صرمة بن قيس فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصةً ورفقاً) اهـ.
وقال السعدي: (كان في أول فرض الصيام يحرم على المسلمين الأكل والشرب والجماع في الليل بعد النوم فحصلت المشقة لبعضهم فخفف اللَّه عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع سواء نام أو لم ينم لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أُمروا به) اهـ.
وبناءً على ما تقدم فالآية في قول المفسرين نزلت على سببين: أحدهما في الطعام والشراب، والآخر في إتيان النساء.
فأما الأول: وهو الامتناع من الطعام والشراب بعد النوم فقد دلَّ عليه حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ودلت الآية على رفع ذلك الحكم لأن اللَّه - جل وعلا - جعل غاية الامتناع من الطعام والشراب بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فدل هذا على أن ما قبل الغاية زمناً للطعام والشراب لا سيما أن نوم صرمة كان في أول الليل فرخص اللَّه في الليل كله.

صفحة رقم 238

أما الثاني: وهو الامتناع من النساء فقد دلّ عليه حديث البراء عند البخاري مجملاً وجاء مفصلاً عن كعب بن مالك وابن عبَّاسٍ وابن أبي ليلى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لكن في أسانيدها كلام - سطرته في الحاشية - ومع هذا فمجموع هذه الأحاديث يدل على ثبوت هذه القصة لا سيما أن لها أصلاً عند البخاري.
وأما قول الطبري: (كانت خيانتهم أنفسهم في شيئين أحدهما المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حرامًا ذلك عليهم).
فهذا غريب منه لأن الخيانة لم تقع في الطعام والشراب، ولا ذكرها اللَّه في سياق الطعام والشراب، بل لو وقع ذلك لما غشي على صرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسبب الجهد والجوع.
* مسألة:
هل التحريم يحصل بالنوم وحده، أو بصلاة العشاء وحدها أو بالسابق منهما؟
فالجواب: أن حديث ابن عبَّاسٍ يدل على تعلق التحريم بصلاة العشاء وحدها لقوله: (إذا صلوا العتمة) وسائر الأحاديث التي معنا تعلق التحريم بالنوم وحده ولهذا قال ابن حجر: (اتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدًا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره، وقُيد المنع من ذلك بحديث ابن عبَّاسٍ بصلاة العتمة وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر، ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبًا، والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث) اهـ.
وعندي - واللَّه أعلم - أن قول الحافظ مؤيد بما جاء في حديث كعب بن مالك: (فرجع عمر من عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة وقد سهر عنده فوجد امرأته قد نامت) فقوله: (سهر عنده) يقتضي سهرُه أن يتجاوز صلاة العشاء، وحينئذٍ يكون الأمر بيِّنا ظاهرًا عند عمر لا اشتباه فيه.
ثم امرأته أيضًا احتجت بالنوم ولو كان التحريم معلقًا بصلاة العشاء، لقالت: قد صليت العشاء لأنها لن تنام قبل الصلاة.

صفحة رقم 239

* النتيجة:
أن الآية نزلت على سببين: الأول: قصة صرمة بن قيس في الطعام والشراب، والثاني: في الذين كانوا يخونون أنفسهم في إتيان النساء كعمر وكعب بن مالك وغيرهما - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما دلت على هذا الآية الكريمة فأولها وآخرها يتحدث عن حكم إتيان النساء ووسطها يتناول حكم الطعام والشراب ليالي الصيام وما تقدم مؤيد بصحة الأحاديث وتصريحها بالنزول واحتجاج المفسرين بها واللَّه أعلم.
* * * * *

صفحة رقم 240

٩ - قال اللَّه تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أُنزلت: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولم ينزل (مِنَ الْفَجْرِ) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل اللَّه بعدُ (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذا المقطع من الآية وأورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً للنزول منهم: الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي، وابن كثير وابن عاشور وهنا يحسن التنبيه إلى أن المفسرين والمحدِّثين حين يوردون

صفحة رقم 241

حديث سهل بن سعد السابق يذكرون معه حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال: لما نزلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عمدتُ إلى عقالٍ أسودَ وإلى عقالٍ أبيضَ فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتُ له ذلك فقال: (إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار).
ولفظ مسلم: لما نزلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).
والظاهر - والله أعلم - أن سبب هذا الإيراد ظن بعضهم أن لحديث عدي علاقةً بسبب النزول وليس الأمر كذلك.
ولهذا قال الطاهر بن عاشور: (يظهر من حديث سهل بن سعد أن مثل ما عمله عدي بن حاتم كان قد عمله غيره من قبله بمدة طويلة، فإن عدياً أسلم سنة تسع أو سنة عشر وصيام رمضان فرض سنة اثنتين ولا يعقل أن يبقى المسلمون سبع أو ثماني سنين في مثل هذا الخطأ، فمحمل حديث سهل بن سعد على أن يكون ما فيه وقع في أول مدة شرع الصيام ومحمل حديث عدي بن حاتم أن عدياً وقع في مثل الخطأ الذي وقع فيه من تقدموه فإن الذي عند مسلم عن عدي أنه ذكر الآية مستكملة) اهـ. يعني إلى قوله: (مِنَ الْفَجْرِ).
قلت: ما ذكره ابن عاشور هو الصحيح المتعين لأن حديث سهل بن سعد صحيح صريح في أن سبب نزول قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) الخطأ الذي وقعوا فيه وهو ربط بعضهم في رجله خيطاً أبيض وخيطاً أسود.
وسواءٌ كان لفظ مسلم في سياق الآية إلى قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) محفوظاً عن عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو هو من تصرّف الرواة فإن هذا لا يغير من الأمر شيئاً لأن إسلام عدي تأخر كثيراً عن نزول الآية.

صفحة رقم 242

(١) نعم لو كان هذا الاختلاف في حديث سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكان اختلافاً مؤثراً في سبب النزول على اعتبار أن السببية مستمدة منه.
وأما قول عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لما نزلت فلا يعني هذا أنه شهد نزول الآية على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: (إما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله: (لما نزلت) أي لما تليت عليّ عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدتُ) اهـ.
فإن قال قائل: إذا كان الرجال المذكورون في حديث سهل بن سعد قد تبين لهم الخطأ بنزول قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) فكيف يقع عديٌّ في الخطأ مع أن اللفظ بين يديه؟
فالجواب: ما ذكره ابن حجر بقوله: (وأما عديٌّ فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح، وحمل قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) على السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر، أو نسي قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) حتى ذكره بهذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
* النتيجة:
هي أن قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) نزلت بسبب ما وقع من بعض القوم المذكورين في حديث سهل لصحة سنده وتصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به، وهذا ليس بغريب في القرآن فقد نزل قوله تعالى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) بسبب شكوى ابن أم مكتوم وستأتي دراسته إن شاء الله تعالى.
وأما قضية عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلا علاقة لها بالنزول وعدمه، إنما ارتباطها بفهمه النص فقط واللَّه أعلم.
* * * * *

(١) هذه الصفحة في النسخة المطبوعة وضعت - سهوًا - متأخرة عن ترتيبها، فتم تعديلها. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).

صفحة رقم 243
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
عرض الكتاب
المؤلف
خالد بن سليمان المزيني
عدد الأجزاء
1