آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﳿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

وَضَعَّفَهُ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَرَكَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَكَذَّبَهُ السَّعْدِيُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ «إِنَّ فِيهِمَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ».
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي فَضْلِهَا غَيْرُ هَذِهِ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي فَضْلِ قِرَاءَتِهَا دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي فَضْلِهَا مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهَا لَهَا أَحَادِيثُ، وَوَرَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ كثير.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٦ الى ٢٥٧]
لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لأن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَكْرَهَ الْعَرَبَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ، وَالنَّاسِخُ لها: قوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ «١» وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «٢» وَقَالَ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ «٣»، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُمْ لَا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ، بَلِ الَّذِينَ يُكْرَهُونَ هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ:
أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْأَنْصَارِ خَاصَّةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ مَعْنَاهَا: لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ تَحْتَ السَّيْفِ: إِنَّهُ مُكْرَهٌ، فَلَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي السَّبْيِ مَتَى كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: أَيْ: لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، جَلِيٌّ دَلَائِلُهُ، وَبَرَاهِينُهُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكَرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ، بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَشَرَحَ صَدْرَهُ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلَبَهُ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهًا مَقْسُورًا، وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا سَادِسًا. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَيْ: لَمْ يُجْرِ اللَّهُ أَمْرَ الْإِيمَانِ عَلَى الْإِجْبَارِ وَالْقَسْرِ، وَلَكِنْ عَلَى التَّمْكِينِ وَالِاخْتِيَارِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «٤» أَيْ:
لَوْ شَاءَ لَقَسَرَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَبُنِيَ الْأَمْرُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا سَابِعًا.
وَالَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ: أَنَّهَا فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ لِأَجْلِهِ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَهُوَ:
أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أجليت يهود بني النضير كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا. فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ،

(١). التوبة: ٧٣.
(٢). التوبة: ١٢٣.
(٣). الفتح: ١٦.
(٤). يونس: ٩٩.

صفحة رقم 315

وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ وُجُوهٍ، حَاصِلُهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ زِيَادَاتٍ تَتَضَمَّنُ أَنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا إِنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، أَيْ: دِينِ الْيَهُودِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ دِينَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ دِينِنَا، وَأَنَّ اللَّهَ جَاءَ بِالْإِسْلَامِ فَلَنُكْرِهَنَّهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ خَيَّرَ الْأَبْنَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا اخْتَارُوا الْبَقَاءَ عَلَى دِينِهِمْ وَأَدَّوُا الْجِزْيَةَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَعُمُّهُمْ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَتَعْرِيفِ الدِّينِ يُفِيدَانِ ذَلِكَ، وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَكِنْ قَدْ خُصَّ هَذَا الْعُمُومُ بِمَا وَرَدَ مِنْ آيَاتٍ فِي إِكْرَاهِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ الرُّشْدُ هُنَا: الْإِيمَانُ، وَالْغَيُّ: الكفر، أي: قد تميز أحدهما من الْآخَرِ. وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ يَتَضَمَّنُ التَّعْلِيلَ لِمَا قَبْلَهُ. وَالطَّاغُوتُ فَعَلُوتٌ مِنْ طَغَى يَطْغِي وَيَطْغُو: إِذَا جَاوَزَ الْحَدَّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ اسْمٌ مُذَكَّرٌ مُفْرَدٌ، أَيِ: اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ، كَرَهَبُوتٍ، وَجَبَرُوتٍ، يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، وَقُلِبَتْ لَامُهُ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ وَعَيْنُهُ إِلَى مَوْضِعِ اللَّامِ كَجَبَذَ وَجَذَبَ، ثُمَّ تُقْلَبُ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَتَحَرُّكِ مَا قَبْلَهَا، فَقِيلَ: طَاغُوتٌ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ وَقِيلَ: أَصْلُ الطَّاغُوتِ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الطُّغْيَانِ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقٍ، كَمَا قِيلَ: لَآلِئُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ جَمْعٌ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَلِكَ مَرْدُودٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ، وَالشَّيْطَانُ، وَكُلُّ رَأْسٍ فِي الضَّلَالِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ «١» وَقَدْ يَكُونُ جَمْعًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ والجمع الطواغيت، أَيْ: فَمَنْ يَكْفُرُ بِالشَّيْطَانِ أَوِ الْأَصْنَامِ أَوْ أهل الكهانة ورؤوس الضلالة، أو الجميع وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ مَا تَمَيَّزَ لَهُ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَقَدْ فَازَ وَتَمَسَّكَ بِالْحَبْلِ الْوَثِيقِ، أَيِ: الْمُحْكَمِ. وَالْوُثْقَى: فُعْلَى مَنِ الْوِثَاقَةِ، وَجَمْعُهَا وُثُقٌ مِثْلُ الْفُضْلَى وَالْفُضُلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالدَّلِيلِ، بِمَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالْحَاسَّةِ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعُرْوَةِ: الْإِيمَانُ، وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْجَمِيعِ. وَالِانْفِصَامُ: الِانْكِسَارُ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَصَمَ الشَّيْءَ: كَسَرَهَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِينَ. وَأَمَّا الْقَصْمُ بِالْقَافِ فَهُوَ الْكَسْرُ مَعَ الْبَيْنُونَةِ، وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الِانْفِصَامَ بِالِانْقِطَاعِ. قَوْلُهُ: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الْوَلِيُّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ النَّاصِرُ. وَقَوْلُهُ:
يُخْرِجُهُمْ تَفْسِيرٌ لِلْوِلَايَةِ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي وَلِيٍّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ أَرَادُوا الْإِيمَانَ، لِأَنَّ مَنْ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ الْإِيمَانُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِخْرَاجِ:
إِخْرَاجُهُمْ مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ الْإِرَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِالنُّورِ فِي قَوْلِهِ: يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ مَا جَاءَ بِهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نُورٌ لِلْكُفَّارِ أَخْرَجَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ عَنْهُ إِلَى ظُلْمَةِ الْكُفْرِ، أَيْ: قَرَّرَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِسَبَبِ صَرْفِهِمْ عَنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا هُنَا: الَّذِينَ ثَبَتَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى كُفْرُهُمْ يخرجهم أولياؤهم من

(١). النساء: ٦٠.

صفحة رقم 316

الشياطين ورؤوس الضَّلَالِ مِنَ النُّورِ الَّذِي هُوَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ وَزَادَ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَيَّرَ الْأَبْنَاءَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ أيضا، وقال: فلحق بهم:
أي: ببني الْأَبْنَاءَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ أَيْضًا، وَقَالَ: فَلَحِقَ بِهِمْ، أَيْ: بِبَنِي النَّضِيرِ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ وَبَقِيَ مَنْ أَسْلَمَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كان ناس مِنَ الْأَنْصَارِ مُسْتَرْضَعِينَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَرَادَ أَهْلُوهُمْ أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ الْحُصَيْنُ، كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ، وَكَانَ هُوَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ:
أَلَا أَسْتَكْرِهُهُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إِلَّا النَّصْرَانِيَّةَ؟ فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ نَحْوَهُ. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ لَيْسَ لَهَا دِينٌ، فَأُكْرِهُوا عَلَى الدِّينِ بِالسَّيْفِ. قَالَ:
وَلَا تُكْرِهُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى وَالْمَجُوسَ إِذَا أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَسْلَمَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ: أَسْلِمِي تَسْلَمِي، فَأَبَتْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ تَلَا: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. وَرَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِزَنْبَقَ الرُّومِيِّ غُلَامِهِ: لَوْ أَسْلَمْتَ اسْتَعَنْتُ بِكَ عَلَى أَمَانَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَبَى، فَقَالَ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال: نسختها جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ «١». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: الطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: الطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ:
الطَّاغُوتُ: مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك: أنها القرآن. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا الْإِيمَانُ. وَعَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهَا كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ تَفْسِيرُ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِسْلَامِ مَرْفُوعًا فِي تَعْبِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لرؤيا عبد الله ابن سَلَامٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بِعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَإِنَّهُمَا حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا فَقَدْ تَمَسَّكَ بِعُرْوَةِ اللَّهِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا».
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا وَحَّدَ اللَّهَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ،

(١). التوبة: ٧٣.

صفحة رقم 317
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية