
شرح الكلمات:
﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ : لا يكره المرء على الدخول في الدين١، وإنما يعتنقه بإرادته واختياره.
﴿الرُّشْدُ﴾ ٢: الهدى الموصل إلى الإسعاد والإكمال.
﴿الْغَيِّ﴾ : الضلال المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران.
﴿بِالطَّاغُوتِ﴾ ٣: كل ما صرف عن عبادة الله تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما.
﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ٤: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
﴿لا انْفِصَامَ لَهَا﴾ : لا تنفك ولا تنحل بحال من الأحوال.
﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ : مُتوليهم بحفظه ونصره وتوفيقه.
﴿الظُّلُمَاتِ﴾ : ظلمات الجهل والكفر.
﴿النُّورِ﴾ : نور الإيمان والعلم.
﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ : المتولون لهم الشياطين الذين زينوا لهم عبادة الأوثان فأخرجوهم من الإيمان إلى الكفر ومن العلم إلى الجهل.
معنى الآيتين:
يخبر الله تعالى بعد ذكر صفات جلاله وكماله في آية الكرسي أنه لا إكراه في دينه، وذلك حين أراد بعض الأنصار إكراه من تهود أو تنصر من أولادهم على الدخول في دين الإسلام، ولذا فإن أهل الكتابين ومن شابههم تؤخذ منهم الجزية ويقرون على دينهم فلا يخرجون منه إلا باختيارهم وإرادتهم الحرة، أما الوثنيون والذين لا دين لهم سوى الشرك والكفر فيقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام إنقاذاً لهم من الجهل والكفر وما لازمهم من الضلال والشقاء.
ثم أخبر تعالى أنه بإنزال كتابه وبعثه رسوله ونصر أولياءه قد تبين الهدى من الضلال والحق من الباطل، وعليه فمن يكفر بالطاغوت وهو الشيطان الذي زين عبادة الأصنام ويؤمن بالله فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد استمسك٥ من الدين بأمتن عروة وأوثقها، ومن يصر على الكفر بالله والإيمان بالطاغوت فقد تمسك بأوهى من خيط العنكبوت. والله
٢ يقال: رشد يرشد رشداً، ورشد يرشد رشداً، إذا اهتدى واستقام، وغوى ضده، وألغي مصدر من غوي يغوي، إذ ضل في معتقد أو رأي.
٣ كان العرب في الجاهلية يسمون الصنم المعبود: الطاغية، وفي الحديث: "كان يهلون لمناة الطاغية".
٤ الوثقى: مؤنث الأوثق، وجمع الوثقى: الوثائق، مثل: الفضلى، والفضل.
٥ السين والتاء في استمسك للتأكيد كما في استجاب بمعنى: أجاب.

سميع لأقوال عباده عليم بنياتهم وخفيات أعمالهم وسيجزي كلاً بكسبه. ثم أخبر تعالى أنه ولي عباده المؤمنين فهو يخرجهم من ظلمات١ الكفر والجهل إلى نور العلم والإيمان فيكملون ويسعدون، وأن الكافرين أوليائهم الطاغون من شياطين الجن والإنس الذين حسنوا لهم الباطل والشرور، وزينوا لهم الكفر والفسوق والعصيان، فأخرجوهم بذلك من النور إلى الظلمات فأهلوهم لدخول النار فكانوا أصحابها الخالدين فيها.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- لا يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة على الدخول٢ في الإسلام إلا باختيارهم وتقبل منهم الجزية فيقرون على دينهم.
٢- الإسلام٣ كله رشد، وما عداه ضلال وباطل.
٣- التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل.
٤- معنى لا إله إلا الله، وهي الإيمان بالله والكفر بالطاغون.
٥- ولاية الله تعالى تنال بالإيمان والتقوى.
٦- نصرة الله تعالى ورعايته لأولياءه دون أعداءه.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) ﴾
٢ هل هذه الآية: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ منسوخة بآية السيف؟ الراجح أنها محكمة غير منسوخة هل تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب ومن لهم شبهة كتاب؟ أما كفار قريش، الإجماع على أن لا تؤخذ منهم الجزية، ومن عداهم مذهب مالك يرى أخذ الجزية منهم، والإبقاء عليهم، ولعل هذا إن دعت الضرورة إلى ذلك، وما ذكرته في التفسير أصح المذاهب وأعدلها.
٣ جاء في صحيح البخاري ما ملخصه: أن عبد الله بن سلام رأى رؤيا كأنه في دوحة خضراء وفي وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة.." الحديث وفسر له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الروضة بالإسلام، والعمود عمود الإسلام، والعروة هي العروة الوثقى". أي أنت على الإسلام حتى تموت. فكان مبشراً بالجنة رضي الله عنه.