
في اسم اللَّهِ الأعْظَمِ»، عن غَالِبٍ القَطَّان «١»، قال: مكثْتُ عشْرَ سنينَ، أدعو اللَّه أنْ يعلِّمني اسمه الأعْظَم الَّذي إِذا دُعِيَ به أجَابَ، وإِذا سُئِلَ به أعطى، فأتانِي آتٍ في مَنَامِي ثَلاَثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَقُولُ: يَا غَالِبُ قُلْ: يَا فَارِجَ الهَمِّ، وَيَا كَاشِفَ الغَمِّ، يَا صَادِقَ الوَعْدِ، يَا مُوفِياً بِالْعَهْدِ، يَا مُنْجِزاً لِلْوَعْدِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لاَ إله إِلاَّ أَنْتَ. انتهى من «غاية المغنم».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٦ الى ٢٥٧]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لاَ انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
قوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ: الدِّينُ، في هذه الآية:
هو المُعْتَقَدُ، والمِلَّة، ومقتضى قولِ زَيْدِ بن أسْلَمَ أن هذه الآية مكِّيَّة، وأنها من آيات الموادَعَة الَّتي نسخَتْها آية السَّيْف «٢»، وقال قتادةُ والضَّحَّاك بنُ مُزَاحِمٍ: هذه الآية مُحْكَمَةٌ خاصَّة في أهل الكتاب الذينَ يبذُلُون الجزْيَة «٣»، وقوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ:
معناه: بنصب الأدلّة، ووجود الرسول صلّى الله عليه وسلم الدَّاعِي إِلى اللَّه، والآياتِ المُنيرة، والرُّشْدُ:
مصْدَر من قولك: رَشِدَ بكسر الشين، وضَمِّها، يَرْشُدُ رُشْداً، ورَشَداً، ورَشَاداً، والغيُّ مصدر من: غَوِيَ يغوى، إِذا ضلَّ في معتقد، أو رأْيٍ، ولا يُقَال: الغيُّ في الضلال على الإِطلاق، والطَّاغُوتَ بنَاءُ مبالغةٍ من: طغى يطغى، واختلف في مَعْنى الطَّاغوت، فقال عُمَر بْنُ الخَطَّاب وغيره: هو الشَّيْطَان «٤»، وقيل: هو السَّاحِر، وقيل: الكَاهِنُ، وقيل:
الأصْنَام، وقال بعضُ العلماء: كُلُّ ما عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فهُوَ طَاغُوتٌ.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٣٢٩).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ١٨)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٢).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ١٧، ١٨)، برقم (٥٨٢٩) (٥٨٢٣٠)، وذكره البغوي في «تفسيره» عن قتادة (١/ ٢٤٠)، والماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٢٧) عن قتادة، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٣).
والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٣)، وعزاه لعبد بن حميد، وأبي داود في «ناسخه»، وابن جرير عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٢٠) برقم (٥٨٣٥) وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٢٧)، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٤)، وابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣١١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٤)، وعزاه للفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمر.

ع «١» : وهذه تسميةٌ صحيحة في كلِّ معبودٍ يرضى ذلك كفرعَوْنَ ونُمْرُوذ، وأما مَنْ لا يرضى ذلك، فسمي طاغوتاً في حقِّ العَبَدَةِ، قال مجاهد: العروةُ الوثقَى:
الإِيمانُ «٢»، وقال السُّدِّيُّ: الإِسلام «٣»، وقال ابن جُبَيْر وغيره: لا إِله إِلا الله «٤».
قال ع «٥» : وهذه عباراتٌ تَرْجِعُ إِلى معنًى واحدٍ.
والاِنْفِصَامُ: الاِنكسارُ من غَيْر بَيْنُونَةٍ، وقد يجيءُ بمعنى البَيْنُونة «٦»، والقَصْم كسر بالبينونة.
ت: وفي «الموطّإ» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الوَحْيَ يَأْتِينِي أَحْيَاناً فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ» «٧». قال أبو عُمَر في «التمهيد» : قوله: «فَيَفْصِمُ عَنِّي» : معناه: ينفرجُ عنِّي، ويذهب كما تفصمُ الخلخال، إِذا فتحته لتخرجَهُ من الرِّجْل، وكلُّ عُقدْة حلَلْتَهَا، فقد فَصَمْتَها/، قال الله عز وجلّ: ٦٥ ب فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها، وانفصامُ العروةِ أنْ تنفَكَّ عن موضعها، وأصْلُ الفَصْم عند العرب: أنْ تفكَّ الخلخال، ولا يبين كَسْره، فإِذا كسرته، فقد قَصَمْتَهُ بالقافِ.
انتهى.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٢١) برقم (٥٨٤٨) عن محمد بن عمرو، عن أبي عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٢٨)، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٤)، وابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣١١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٤)، وعزاه لسفيان، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٢٢) برقم (٥٨٥٠)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٤)، وابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣١١).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٢٢)، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٤)، وابن كثير في «تفسيره» (١/ ٣١١).
(٥) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٣٤٤).
(٦) البينونة والبين في كلام العرب جاء على وجهين: يكون بمعنى الفرقة، ويكون الوصل، وهو هنا من الأول، يقال: ضربه فأبان رأسه من جسده وفصله.
ينظر: «لسان العرب» (٤٠٣، ٤٠٤).
(٧) أخرجه مالك (١/ ٢٠٢- ٢٠٣) : كتاب «القرآن»، باب ما جاء في القرآن، حديث (٧)، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كيف يأتيك الوحي؟ فذكره.
ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (١/ ٢٥- ٢٦)، كتاب «بدء الوحي»، حديث (٢).
وأخرجه مسلم (٤/ ١٨١٦) : كتاب «الفضائل»، باب عرق النبي صلّى الله عليه وسلم في البرد، حديث (٨٧/ ٢٣٣٣)، من طرق عن هشام بن عروة به.