
القلب عند الفرح والحزن، ولدى السرور والهم، وتسليم الأمر إلى خالق الخلق ومدبر أمرهم بعد أخذ الأهبة، وكمال العدّة، وهذا هو التوكل الذي أمرنا به.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٤ الى ٢٢٧]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)
تفسير المفردات
العرضة كالغرفة: المانع المعترض دون الشيء، والمراد من الأيمان الأمور المحلوف عليها، كما
جاء في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه»
واللغو: ما يقع في حشو الكلام من الأيمان من غير قصد ولا رويّة كقول الإنسان: إي والله، ولا والله، فهذا ونحوه يسبق إلى اللسان عادة ولا يقصد به عقد اليمين، فلا يؤاخذ الله به بفرض كفارة ولا بعقاب، حتى لا يكون في ذلك حرج على المؤمنين. والإيلاء: لغة الحلف، وشرعا حلف الرجل ألا يقرب امرأته إما لمدة معينة أو غير معينة كأن يقول: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو لا أقربك، والتربص: الانتظار، وفاءوا: أي رجعوا إلى نسائهم، وعزموا الطلاق:
أي صمّموا في قصده، وعزموا ألا يعودوا إلى ملامسة نسائهم.
المعنى الجملي
بعد أن أمرنا سبحانه في الآية السابقة بتقواه وحذرنا من معصيته ومخالفة أمره- ذكر هنا أن مما يتّقى ويحذر منه أن يجعل اسم الله عند الحلف به مانعا من البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس.

وقد روى ابن جرير أن سبب نزول الآية أن أبا بكر حلف ألا ينفق على مسطح بعد أن خاض في قصة الإفك بافترائه على عائشة، وقد كان من ذوى قرابته، وفيه نزل:
«وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى» الآية.
كذلك بين أنه لا يؤاخذ باليمين اللغو فلا يعاقب عليها ولا يفرض فيها كفارة، كما أرشد إلى أن من آلى من امرأته ينتظر عليه مدة أربعة أشهر، وبعدها إما أن يرجع إليها ويحنث في اليمين، وإما أن يطلق.
الإيضاح
(وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) أي ولا تجعلوا الحلف بالله مانعا لما حلفتم على تركه من عمل البر، فتتركوه تعظيما لاسمه، فالله لا يرضى أن يكون اسمه حجابا دون الخير، فكثيرا ما يسرع الإنسان إلى الحلف بألا يفعل كذا ويكون خيرا، أو أن يفعل كذا ويكون شرا، فنهانا الله عن ذلك وأمرنا بتحرى وجوه الخير، فإذا حلفنا على تركها فلنفعلها ولنكفر عن اليمين بما سيأتى في سورة المائدة.
(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي والله سميع لما تلفظون به، عليم بنواياكم، فعليكم أن تراقبوه فى السر والعلن، وتراقبوا حدود شرائعه لتكونوا من المفلحين.
ولا يخفى ما في هذا من شديد الوعيد والتهديد.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) أي لا يؤاخذكم بما يقع منكم من الأيمان في حشو الكلام دون أن تقصدوا به عقد اليمين، فلا يفرض عليكم فيه كفارة ولا يعاقبكم به.
(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) أي ولكن يؤاخذكم بالكفارة أو العقوبة بما نوت قلوبكم وقصدته من اليمين، حتى لا تجعلوا اسمه الكريم عرضة للابتذال، أو مانعا من صالح الأعمال.
(وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) فيغفر لعباده ما ألموا به من الذنوب، ولا يتعجلهم بالعقوبة، ولم يكلفهم ما يشق عليهم مما لم تقصده قلوبهم، ولا يدخل تحت سلطان الاختيار.

وبعد بيان أحكام اليمين العامة انتقل إلى حكم يمين خاصة هى يمين الإيلاء فقال:
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أي للذين يحلفون ألا يقربوا نساءهم أن ينتظروا مدة أربعة أشهر دون أن يطالبوا بالرجوع إلى نسائهم أو بالطلاق.
والحلف على هذا الوجه حلف بما لا يرضى الله تعالى، لما فيه من ترك التوادّ والتراحم بين الزوجين، ولما يترتب عليه من المفاسد في أنفسهما وفي عيالهما، ولما فيه من امتهان المرأة وهضم حقوقها.
وقد كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يحب امرأته ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف ألا يقربها أبدا، ويتركها لا هى أيّم ولا هى ذات بعل، وكان المسلمون في ابتداء الإسلام يفعلون مثل هذا، فأزال الله ذلك الضرر عنهنّ، وضرب للزوج مدة يتروّى فيها، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارّة فعله، وإن رأى المصلحة فى المفارقة فارقها.
(فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فإن رجعوا إلى نسائهم وحنثوا في اليمين وقاربوهنّ في أثناء هذه المدة أو في آخرها، فإن الله يغفر لهم ما سلف برحمته الواسعة، لأن الفيئة توبة في حقهم، فيغفر لهم إثم حنثهم عند التكفير.
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي وإن عزموا ألا يعودوا إلى ملامسة المرأة، وثبتوا على ترك القربان حتى مضت المدة، فإن الله سميع لإيلائهم وطلاقهم، عليم بنياتهم، فليراقبوه فيما يفعلون، فإن كانوا يريدون بذلك إيذاء النساء ومضارتهنّ فهو يتولى عقابهم، وإن كان لهم عذر شرعى بأن كان الباعث على الإيلاء تربيتهنّ لإقامة حدود الله، وعلى الطلاق اليأس من إمكان العشرة، فالله يغفر لهم.
وخلاصة ذلك- إن من حلف على ترك غشيان امرأته، لا يجوز له أن يتربص أكثر من أربعة أشهر، فإن تاب وعاد قبل انقضائها لم يكن عليه إثم، وإن أتمها تعين عليه أحد أمرين: الفيئة والرجوع إلى المعاشرة الزوجية أو الطلاق، وعليه أن