
البين؛ إن المراد به " جمع " لأنه على ترتيب الكلام وسياقه ولا تقديم فيه ولا تأخير ".
ويدل على أن المراد به " جمع " قوله: ﴿واستغفروا الله﴾ وذلك أن النبي [عليه السلام] قال: " دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لأُمَّتِي ذُنُوبَهَا، فأجَابَنِي: أَنِّي قَدْ غَفَْتُ إِلاَّ ذُنُوبَهَا/ فيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَلْقِي، فَأعْدَتُ الدُّعَاءَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمْ أُجَبْ شَيْئاً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ المُزْدَلِفَةِ قُلْتُ: يَا رَبّ، إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تُعَوِّضَ هَذَا الْمَظْلُوم مِنْ ظَلامَتِهِ، وَتَغْفِرَ لِهَذَا الظَّالِمَ، فأَجَابَنِي أَنِي قَدْ غَفَرْتُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ضَحِكْتُ مِنْ عَدُوِّ اللهِ إِبْلِيسَ لَمَّا سَمِعَ مَا سَمِعَ، أَهْوَى يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَيَضَعُ التُّرَابَ عَلَىَ رَأْسِهِ ".
فأمر/ المسلمون أن يستغفروا في ذلك الموضع الذي غفر الله [لهم فيه] التبعات فيما بينهم وهي أعظم من التبعات فيما بينهم وبين الله.
ومعنى: ﴿واستغفروا الله﴾. استدعوا المغفرة.
قوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ﴾. أي أهراقة الدماء. قاله مجاهد.
وقيل: متعبداتكم التي أمر بها في الحج/ وكان القوم في الجاهلية إذ فرغوا

من حجهم وقفوا فيتفاخرون بمآثر آبائهم، فأمروا أن يكون ذلك الثناء على الله أو أشد منه، والخلاق: النصيب.
وقال عطاء: ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ﴾، هو قول الصبيان: " أبا، أبا " يلهج بذكر أبيه ".
قوله: ﴿رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا﴾.
قال مجاهد غيره: " كانوا يسألون الله لأمر دنياهم والظفر على عدوهم، ولا يسألونه إلى الآخرة شيئاً ".
قوله: ﴿رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ﴾.
أي عافية في الدنيا، وعافية في الآخرة. قاله قتادة.

وقيل: " الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة. وفي الآخرة: الجنة ". قاله الحسن وسفيان.
وقال ابن زيد: " الحسنة في الدنيا: المال، وفي الآخرة: الجنة "، وقاله السدي.
ومعنى: ﴿سَرِيعُ الحساب﴾.
أي يحصي ما يحصيه بغير كلفة ولا تكلف، وليس مثل ما يتكلف له بنو آدم من العقد/ وغيره.
وقيل: معناه: يحاسبه بغير تذكر ولا كتاب.
وقيل: معناه: مجاز للفريقين على أعمالهم.
وقيل: معنى: " السرعة ": أنه يغفر السيئات ويضعف الحسنات بلا حساب على من فعل به ذلك ولا كلفة.
قوله: ﴿واذكروا الله/ في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾.

هذه الآيام هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، وهي أيام منى عند مالك.
وقال زيد بن أسلم: " المعلومات: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، والمعدودات: أيام التشريق ".
وعن مجاهد وابن عباس: " المعلومات: " العشر. والمعدودات: " أيام التشريق ".
وإنما سميت أيام التشريق لأن الناس يشرحون فيها للحم ويقددونه، فالتشريق التشريح. فكأنها سميت أيام التشريح، فأمروا بالذكر فيها عند رمي الجمار وغيرها.
وقال النبي [عليه السلام] في أيام منى - وهي أيام التشريق -: " هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ ".
والأيام المعلومات هي: يوم النحر، ويومان، بعده. فيوم النحر معلوم، ويومان

بعده معلومان معدودات، واليوم الثالث بعد يوم النحر معدود. قوله: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾.
أرخص الله تعالى أن ينفر الناس اليوم الثاني من الأيام المعدودات وأعلمهم أن من تأخر إلى اليوم الثالث أنه لا إثم عليه، أي لا حرج ولا ضيق في تركه الرخصة، ومن تعجّل فلا إثم عليه في تركه الاتمام إلى اليوم الثالث.
وروي عن ابن مسعود وابن عمر: " لا إثم عليه: أي قد غفر له، ومن تأخر قد غُفر له ".
وقل/ ابن عباس: " لا إثم عليه: أي رجع مغفوراً له "، وقال: " إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب، فكيف بالحج ".
واستبعد جماعة تأويل من قال: " لا حرج عليه "، لأن من جلس إلى الثالث

فقد أتى بالغاية، فليس يقال لمن أدى فرضه: " لا حرج عليك فيما صنعت ".
وقيل: معناه: لا حرج عليك في تركك الرخصة.
ومن قال: " غفر له " معناه. فهو أبين وأحسن/ وعليه [أكثر] الناس. وقال مجاهد: " معناه: لا إثم عليه إلى الحج القابل ".
﴿وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾.
أي لا حرج عليه إلى الحج القابل، أي مغفور له إلى ذلك الوقت. وقال أبو العالية: " معناه: غفر له ما تقدم "، وفي مصحف عبد الله: " لمن اتقى الله ".
قال ابن عباس: " معناه: لا حرج عليه لمن اتّقى المعاصي فيما يستقبل، أي

غفر له ".
وقيل: معنى ﴿لِمَنِ اتقى﴾ أي: اتقى قتال الصيد في الحرم.
وقال ابن مسعود أيضاً: " ﴿إِثْمَ﴾ أي: مغفور له إن اتّقى ما حرم عليه في الحج ".
وروى أبو حازم عن أبي هريرة أن النبي [عليه السلام] قال: " مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهِ ".
وروي أن عمر قال لما سمع الآية: " خرج القوم من ذنوبهم، وربّ الكعبة ".
وعن أبي هريرة أيضاً أن النبي ﷺ قال: " الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ/ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ. والعُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا " ومعنى اللام في ﴿لِمَنِ اتقى﴾: أي: هذا لمن اتّقى.
وقيل: المعنى: قلنا فلا إثم عليه لمن اتّقى. واللام متعلقة بالقول. وقال

الأخفض: " ذلك لمن اتّقى ".
وقيل: معنى: ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ أي: لا يقل المتعجل للمتأخر: أنت آثم، ولا المتأخر للمتعجل: أنت آثم.
تم الجزء الرابع