
ولا خلاف في الحج وذلك أنّ قريشاً كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام، وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدّمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسيء، فرّد إلى وقت واحد وردّ الوقوف إلى عرفة، فأخبر اللَّه تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج. واستدلّ على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلى اللَّه عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم «١» ولدته أمه «٢» » وأنه لم يذكر الجدال وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ حث على الخير عقيب النهى عن الشر وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن، ومكان الفسوق البرّ والتقوى ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة. أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتى لا يوجد منهم ما نهوا عنه، وينصره قوله تعالى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى أى اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتقاء القبائح فإنّ خير الزاد اتقاؤها. وقيل: كان أهل اليمن لا يتزوّدون ويقولون:
نحن متوكلون، ونحن نحج بيت اللَّه أفلا يطعمنا فيكونون كلًّا على الناس، فنزلت فيهم.
ومعناه: وتزوّدوا واتقوا الاستطعام وإبرام الناس «٣» والتثقيل عليهم، فإن خير الزاد التقوى وَاتَّقُونِ وخافوا عقابي يا أُولِي الْأَلْبابِ يعنى أن قضية اللب تقوى اللَّه، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ٢٠٢]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)
(٢). متفق عليه من حديث أبى هريرة.
(٣). قوله «وإبرام الناس» في الصحاح: أبرمه، أى أمله وأضجره. (ع)

فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ عطاء منه وتفضلا، وهو النفع والربح بالتجارة، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج، وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم تقم لهم سوق، ويسمون من يخرج بالتجارة الداجّ «١». ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج. وقيل: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم. وكانت معايشهم منها، فلما جاء الإسلام تأثموا، فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم، وإنما يباح ما لم يشغل عن العبادة، وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه: أن رجلا قال له: إنا قوم نكرى في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أن لا حج لنا، فقال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عما سألت فلم يردّ عليه، حتى نزل (ليس عليكم جناح) فدعا به فقال: أنتم حجاج «٢». وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه قيل له: هل كنتم تكرهون التجارة في الحج؟ فقال: وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج «٣». وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فضلا من ربكم في مواسم الحج. إن تبتغوا في أن تبتغوا «٤» أَفَضْتُمْ دفعتم بكثرة، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة، وأصله أفضتم أنفسكم، فترك ذكر المفعول كما ترك في دفعوا من موضع كذا وصبوا. وفي حديث أبى بكر رضى اللَّه عنه «٥» : صب في دقران، وهو يخرش «٦» بعيره بمحجنه» ويقال: أفاضوا في الحديث وهضبوا فيه «٧». وعَرَفاتٍ علم للموقف سمى بجمع كأذرعات. فإن قلت: هلا مُنعت الصرف وفيها السبيان: التعريف والتأنيث؟ «٨»
(٢). أخرجه أبو داود وأحمد وابن أبى شيبة والحاكم من طريق العلاء بن المسيب: حدثنا أبو أمامة التيمي قال «كنت أكرى في هذا الوجه وكان قوم يقولون: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقال: ألست بمحرم، ولكن- الحديث»
(٣). أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن مهاجر عن أبى صالح مولى عمر. قال «قلت: يا أمير المؤمنين- فذكره» وفي إسناده مندل بن على. وهو ضعيف.
(٤). قوله «أن تبتغوا» كان الأوجه تقديم هذا على تفسير قوله تعالى: (فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ). (ع)
(٥). لم أجده. والذي في الغرائب لأبى عبيد الجرمي. وفي مسند الشافعي وطبقات ابن سعد كلهم من حديث ابن عيينة عن ابن المنكدر، وعن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جبير بن الحويرث قال «رأيت أبا بكر على قزع. وهو يخرش بعيره بمحجنه» : زاد الجرمي عن أبى بكر بن أبى شيبة عن ابن عيينة «كأنى أنظر إلى فخذه وقد انكشفت»
(٦). قوله «دقران» في بعض النسخ: ذفران، بالذال المعجمة والفاء. ولعل الأول بالدال المهملة والفاء، من الدفر بمعنى النتن خاصة. والذفر- بالمعجمة والفاء محركة- ذكاء الرائحة طيبة أو خبيثة، كما في الصحاح. أما الدقر بالمهملة والقاف فبمعنى الشدة والكذب والفحش والنميمة. أفاده الصحاح. وفيه. الخرش مثل الخدش. (ع)
(٧). قوله «وهضبوا فيه» في الصحاح: الهضبة المطرة. وهضب القوم في الحديث واهتضبوا أى أفاضوا فيه. (ع)
(٨). قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت هلا منعت عرفات الصرف... الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: يلزمه إذا سمى امرأة بمسلمات أن لا يصرفه فيقول: هذا مسلمات بغير تنوين، وهو قول ردىء بل الأفصح الصحيح في مسلمات إذا سمى به أن ينون. وإنما بنى الزمخشري كلامه هذا على أن تنوين عرفات للتمكين لا للمقابلة، ولذلك أسقط تنوين المقابلة من أنواع التنوين التي عدها في مفصله، على أنه راجع إلى تنوين التمكين. [.....]

قلت: لا يخلو من التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، وإما بتاء مقدرة كما في سعاد، فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها، لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا يقدر تاء التأنيث في بنت، لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها. وقالوا: سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصرها عرفها. وقيل إن جبريل حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها فقال: قد عرفت. وقيل: التقى فيها آدم وحوّاء فتعارفا. وقيل: لأنّ الناس يتعارفون فيها واللَّه أعلم بحقيقة ذلك، وهي من الأسماء المرتجلة لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف. وقيل: فيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأنّ الإفاضة لا تكون إلا بعده. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج» «١» فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات. وقيل: بصلاة المغرب والعشاء والْمَشْعَرِ الْحَرامِ قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة. وقيل المشعر الحرام: ما بين جبل المزدلفة من مأزمى عرفة «٢» إلى وادى محسر، وليس المأزمان ولا وادى محسر من المشعر الحرام. والصحيح أنه الجبل، لما روى جابر رضى اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما صلى الفجر يعنى بالمزدلفة بغلس، ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر «٣». وقوله تعالى: (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) معناه مما يلي المشعر الحرام قريبا منه، وذلك للفضل، كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادى محسر. أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر. والمشعر: المعلم، لأنه معلم العبادة.
ووصف بالحرم لحرمته. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال: لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون. وقيل: سميت المزدلفة وجمعا لأنّ آدم صلوات اللَّه عليه اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها، أى دنا منها. وعن قتادة: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين. ويجوز أن يقال: وصفت بفعل أهلها، لأنهم يزدلفون إلى اللَّه أى يتقرّبون بالوقوف فيها كَما هَداكُمْ
(٢). قوله «من مأزمى عرفة» في الصحاح: المأزم المضيق، وموضع الحرب أيضا. (ع)
(٣). أخرجه مسلم في صفة الحج في الحديث الطويل.

ما مصدرية أو كافة. والمعنى: واذكروه ذكراً حسنا كما هداكم هداية حسنة واذكروه كما علمكم كيف تذكرونه، لا تعدلوا عنه وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ من قبل الهدى لَمِنَ الضَّالِّينَ الجاهلين، لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه. وإن هي مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة ثُمَّ أَفِيضُوا ثم لتكن إفاضتكم مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ولا تكن من المزدلفة، وذلك لما كان عليه الخمس من الترفع «١» على الناس والتعالي عليهم وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف. وقولهم: نحن أهل اللَّه وقطان حرمه فلا نخرج منه، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات؟ فإن قلت: فكيف موقع ثم؟ قلت: نحو موقعها في قولك: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، تأتى بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعد ما بينهما فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والثانية خطأ. وقيل: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الخمس، أى من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. وقرئ: من حيث أفاض الناس- بكسر السين- أى الناسي وهو آدم، من قوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) يعنى أن الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تخالفوا عنه وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أى فإذا فرغتم من عباداتكم الحجية ونفرتم فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ فأكثروا ذكر اللَّه وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم. وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل. فيعدّدون فضائل آبائهم ويذكرون محاسن أيامهم.
أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً في موضع جرّ عطف على ما أضيف إليه الذكر «٢» في قوله: (كَذِكْرِكُمْ) كما
وقد اشتملت الآية على نكتتين:
إحداهما: عطف الافاضتين إحداهما على الأخرى ومرجعهما واحد وهو الافاضة المأمور بها، فربما يتوهم متوهم أنه من باب عطف الشيء على نفسه، فيزال هذا الوهم بأن بينهما من التغاير ما بين العام والخاص، والمخبر عنه أولا الافاضة من حيث هي غير مقيدة، والمأمور به ثانيا الافاضة مخصوصة بمساواة الناس.
والثانية: بعد وضوح استقامة العطف كونه وقع بحرف المهملة وذلك يستدعى التراخي مضافا إلى التغاير، وليس بين الاضافة المطلقة والمقيدة تراخ. فالجواب على ذلك: أن التراخي كما يكون باعتبار الزمان قد يكون باعتبار علو المرتبة وبعدها في العلو بالنسبة إلى غيرها، وهو الذي أجاب به بعد مزيد نشيط وإيضاح
(٢). قال محمود رحمه اللَّه: «أشد معطوف على ما أضيف إليه الذكر... الخ». قال أحمد رحمه اللَّه: فعلى الأول يكون (أَشَدَّ) واقعاً على المذكور المفعول. ومثاله على الأول: أن يضرب اثنان زيداً مثلا، فيقول أيهما أشد ضرباً لزيد؟ فيوقعه على الضارب. ومثال الثاني أن يضرب زيد اثنين مثلا فتقول: أيهما أشد ضرباً؟ فتوقعه على المضروب. وعلى الوجه الأول يكون التفضيل على الفاعل وهو القياس. وعلى الثاني يكون التفضيل على المفعول وهو خلاف القياس. وقد ذكر الزمخشري في مفصله أنه شاذ بقولهم: أتسبل مرآة التحسين وأنا أسر منك، هذا في أمثلة عددها، فليت شعري كيف حمل الآية عليه وقد وجد غير ذلك سبيلا، وفي الوجهين جميعاً يفر من عطف أشد على الذكر الأول، لئلا يكون واقعاً على الذكر وقد انتصب الذكر تمييزاً عنه، فيكون الذكر ذاكراً وهو محال، لكن أبا الفتح صحح هذا الوجه وألحقه بباب قولهم: شعر شاعر، وجن جنونه، ونحوه مما بالغت العرب فيه حتى جعلت للصفة صفة مثلها تمكينا لثبوتها. ووضح ذلك أن انتصاب الذكر تمييزاً يوجب أن لا يقع أشد عليه، ويعين خروجه منه إما بأن يقع على الجثة الذاكرة بتأويل جعله ذاكراً، على ما صار إليه أبو الفتح أنك لو قلت: زيد أكرم أبا، لكان زيد من الأبناء: ولو قلت: زيد أكرم أب، لكان من الآباء. ويحتمل عطفه على الذكر أعنى وجها آخر سوى ما ذهب إليه أبو الفتح، وهو أن يكون من باب ما ذكره سيبويه قال: ويقولون هو أشح الناس رجلا، وهما خير الناس رجلا، وهما خير الناس اثنين، فالمجرور هنا بمنزلة التنوين، وانتصب الرجل والاثنين، كما انتصب الوجه في قولك: هو أحسن منه وجها، ولا يكون إلا نكرة، كما لا تكون الحال إلا نكرة، والرجل هو الاسم المبتدأ فإنما أراد بذلك أن هذا ليس بمثابة: هو أشجع الناس غلاماً فان هذا يجوز أن يكون غلاماً هو الاسم المبتدأ كما في المثال الأول، ويجوز أن يكون غيره فالآية على هذا الوجه الذي أوضحته منزلة على المثال الأول، فيكون ذكر المنصوب واقعاً على أشد كما كان الرجل المنصوب واقعا على أشح فكأنه قال: أو أشد الأذكار ذكراً، فهذه وجوه أربعة كلها مطروقة، إلا هذا الوجه الذي زدته، فان خاطري أبو عذرته (كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) ولم أقف على كلام الزمخشري فيها بعد.

تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشدّ منهم ذكراً. أو في موضع نصب عطف على آباءكم، بمعنى أو أشدّ ذكراً من آبائكم، على أن ذكراً من فعل المذكور فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ معناه أكثروا ذكر اللَّه ودعاءه فإنّ الناس من بين مقل لا يطلب بذكر اللَّه إلا أعراض الدنيا، ومكثر يطلب خير الدارين، فكونوا من المكثرين آتِنا فِي الدُّنْيا اجعل إيتاءنا أى إعطاءنا في الدنيا خاصة وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أى من طلب خلاقى وهو النصيب. أو ما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب، لأنّ همه مقصور على الدنيا.
والحسنتان ما هو طلبة الصالحين في الدنيا من الصحة والكفاف والتوفيق في الخير، وطلبتهم في الآخرة من الثواب. وعن على رضى اللَّه عنه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة، وفي الآخرة الحوراء. وعذاب النار: امرأة السوء: أُولئِكَ الداعون بالحسنتين لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا أى نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة، وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة. أو من أجل ما كسبوا، كقوله: (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا). أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم ما يستوجبونه بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة. وسمى الدعاء كسبا لأنه من الأعمال، والأعمال موصوفة بالكسب: بما كسبت أيديكم. ويجوز أن يكون (أُولئِكَ) للفريقين جميعاً، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد. فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة، أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدلّ على كمال قدرته ووجوب الحذر منه.