آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

تا نيك ندانى كه سخن عين صوابست بايد كه بگفتن دهن از هم نگشايى
گر راست سخن گويى ودر بند بمانى به ز انكه دروغت دهد از بند رهايى
واعلم ان المراد بالكذب في الحقيقة الكذب في العبودية والقيام بحقوق الربوبية كما للمنافقين ومن يحذو حذوهم ولا يصح الاقتداء بأرباب الكذب مطلقا ولا يعتمد عليهم فانهم يجرون الى الهلاك والفراق عن مالك الاملاك: قال في المثنوى
صبح كاذب كاروانها را زده است كه ببوى روز بيرون آمده است
صبح كاذب خلق را رهبر مباد كو دهد بس كاروانها را بباد
قال القاشاني في تأويل الآية في قلوبهم حجاب من حجب الرذائل النفسانية الشيطانية والصفات البشرية عن تجليات الصفات الحقانية وفي التأويلات النجمية فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وهو التفات الى غير الله فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً اى زاد مرض الالتفات على مرض خداعهم فحرموا من الوصول والوصال وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ من حرمان الوصول الى الله تعالى بِما كانُوا يَكْذِبُونَ بقولهم انا آمنا بالله فانهم ليسوا بمؤمنين حقيقة والايمان الحقيقي نور إذا دخل القلب يظهر على المؤمن حقيقته كما كان لجارثة لما سأله رسول الله ﷺ (كيف أصبحت يا حارثة) قال أصبحت مؤمنا حقا قال (يا حارثة ان لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك) قال أعرضت نفسى عن الدنيا اى زهدت وانصرفت فاظمأ نهارها واسهر ليلها واستوى عندى حجرها وذهبها وكأنى انظر الى اهل الجنة يتزاورون والى اهل النار ينصاعون وكأنى انظر الى عرش ربى بارزا فقال رسول الله ﷺ (أصبت فالزم) : قال في المثنوى
اهل صيقل رسته اند از بو ورنگ هر دمى بينند خوبى بي درنگ
نقش وقشر علم را بگذاشتند رايت عين اليقين افراشتند
برترند از عرش وكرسى وخلا ساكنان مقعد صدق خدا
علم كان نبود ز هو بي واسطه آن نپايد همچورنك ماشطه «٣»
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى قال المسلمون لهؤلاء المنافقين لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اسناد قيل الى لا تفسدوا اسناد له الى لفظه كانه قيل وإذا قيل لهم هذا القول كقولك الف ضرب من ثلاثة أحرف والفساد خروج الشيء عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع والفساد في الأرض تهيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن احوال العباد واختلال امر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدى الى ذلك من افشاء اسرار المؤمنين الى الكفار وإغرائهم عليه وغير ذلك من فنون الشرور فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا الى الفساد قيل لا تفسدوا كما يقول الرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار إذا اقدم على ما هذه عاقبته وكانت الأرض قبل البعثة يعلن فيها بالمعاصي فلما بعث الله النبي ﷺ ارتفع الفساد وصلحت الأرض فاذا أعلنوا بالمعاصي فقد أفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها كما في تفسير ابى الليث قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ جواب لاذا ورد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى انه لا يصلح مخاطبتنا بذلك فان شائنا ليس الا الإصلاح وان حالنا
(٣) در اواخر دفتر يكم در بيان آنكه خود ومستئ خود پنهان بايد داشتن إلخ

صفحة رقم 57

واستقبلوا الذين آمنوا بالحق وهم المهاجرون والأنصار قالُوا كذبا آمَنَّا كأيمانكم وتصديقكم روى ان عبد الله بن ابى المنافق وأصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من الصحابة رضى الله عنهم فقال ابن ابى انظروا كيف أرد هذه السفهاء عنكم فلما دنوا منهم أخذ بيد ابى بكر رضى الله عنه فقال مرحبا بالصديق سيد بنى تميم وشيخ الإسلام وثانى رسول الله ﷺ في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله ﷺ ثم أخذ بيد عمر رضى الله عنه فقال مرحبا بسيد بنى عدى الفاروق القوى في دينه الباذل نفسه وماله لرسول الله ﷺ ثم أخذ بيد على رضى الله عنه فقال مرحبا بابن عم رسول الله وختنه وسيد بنى هاشم ما خلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له على رضى الله عنه يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فان المنافقين شر خلق الله فقال له مهلا يا أبا الحسن أنى تقول هذا والله ان أيماننا كأيمانكم وتصديقنا كتصديقكم ثم افترقوا فقال ابن ابى لاصحابه كيف رأيتمونى فعلت فاذا رأيتموهم فافعلوا ما فعلت فأثنوا عليه خيرا وقالوا ما نزال بخير ما عشت فينا فرجع المسلمون الى رسول الله ﷺ واخبروه بذلك فنزلت الآية وَإِذا خَلَوْا اى مضوا أو اجتمعوا على الخلوة والى بمعنى مع او انفردوا والى بمعنى الباء او مع تقول خلوت بفلان واليه إذا انفردت معه إِلى شَياطِينِهِمْ أصحابهم المماثلين للشيطان فى التمرد والعناد المظهرين لكفرهم واضافتهم اليه للمشاركة في الكفر او كبار المنافقين والقائلون صغارهم وكل عات متمرد فهو شيطان وقال الضحاك المراد بشياطينهم كهنتهم وهم في بنى قريظة كعب بن الأشرف وفي بنى اسلم ابو بردة وفي جهينة عبد الدار وفي بنى اسد عوف بن عامر وفي الشام عبد الله بن سوداء وكانت العرب تعتقد فيهم انهم مطلعون على الغيب ويعرفون الاسرار ويداوون المرضى وليس من كاهن الا وعند العرب ان معه شيطانا يلقى اليه كهانته وسموا شياطين لبعدهم عن الحق فان الشطون هو البعد كذا في التيسير قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ انا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم واعتقادكم لا نفارقكم في حال من الأحوال وكأنه قيل لهم عند قوله إِنَّا مَعَكُمْ فما بالكم توافقون المؤمنين في الإتيان بكلمة الشهادة وتشهدون مشاهدهم وتدخلون مساجدهم وتحجون وتغزون معهم فقالوا إِنَّما نَحْنُ اى في اظهار الايمان عند المؤمنين مُسْتَهْزِؤُنَ بهم من غير ان يخطر ببالنا الايمان حقيقة فنريهم انا نوافقهم على دينهم ظاهرا وباطنا وانما نكون معهم ظاهرا لنشاركهم في غنائمهم وننكح بناتهم ونطلع على أسرارهم ونحفظ أموالنا وأولادنا ونساءنا من أيديهم والاستهزاء التجهيل والسخرية والاستخفاف والمعنى انا نجهل محمدا وأصحابه ونسخر بهم باظهارنا الإسلام فرد الله عليهم بقوله اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ اى يجازيهم على استهزائهم او يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم او ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه او يعاملهم معاملة المستهزئ بهم اما في الدنيا فباجراء احكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالامهال والزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان واما في الآخرة فما يروى انه يفتح لهم باب الى الجنة وهم في جهنم فيسرعون نحوه فاذا وصلوا اليه سد عليهم الباب

صفحة رقم 62

وردوا الى جهنم والمؤمنون على الأرائك في الجنة ينظرون إليهم فيضحكون منهم كما ضحكوا من المؤمنين في الدنيا فذلك بمقابلة هذا ويفعل بهم ذلك مرة بعد مرة وَيَمُدُّهُمْ اى يزيدهم ويقويهم من مد الجيش وأمده إذا زاده وقواه لا من المد في العمر فانه يعدى باللام كأملى لهم ويدل عليه قراءة ابن كثير ويمدهم فِي طُغْيانِهِمْ متعلق بيمدهم والطغيان مجاوزة الحد في كل امر والمراد افراطهم في العتو وغلوهم في الكفر وفي إضافته إليهم إيذان باختصاصه بهم وتأييد لما أشير اليه من ترتب المد على سوء اختيارهم يَعْمَهُونَ اى يترددون فى الضلالة متحيرين عقوبة لهم في الدنيا لاستهزائهم وهو حال من الضمير المنصوب او المجرور لكون المضاف مصدرا فهو مرفوع حكما والعمه في البصيرة كالعمى في البصر وهو التحير والتردد بحيث لا يدرى اين يتوجه وفي الآيتين إشارات الاولى في قوله
تعالى إِنَّا مَعَكُمْ وهي ان من رام ان يجمع بين طريق الارادة وما عليه اهل العادة لا يلتئم له ذلك والضدان لا يجتمعان ومن كان له من كل ناحية خليط ومن كل زاوية من قلبه ربيط كان نهبا للطوارق ومنقسما بين العلائق فهذا حال المنافق يذبذب بين ذلك وذلك يعنى ان المنافقين لما أرادوا ان يجمعوا بين غبرة الكفار وصحبة المسلمين وان يجمعوا بين مفاسد الكفر ومصالح الايمان وكان الجمع بين الضدين غير جائز فبقوا بين الباب والدار كقوله تعالى مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وكذلك حال المتمنين الذين يدعون الارادة ولا يخرجون عن العادة ويريدون الجمع بين مقاصد الدارين يتمنون أعلى مراتب الدين ويرتعون في أسفل مراتع الدنيا فلا يلتئم لهم ذلك قال عليه السلام (ليس الدين بالتمني) وقال (بعثت لرفع العادات ودفع الشهوات) وقال (الدنيا والآخرة ضرتان فمن يدع الجمع بينهما فممكور ومغرور) فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ الى الدرجات العلى فهو كالمستهزئ بطريق هذا الفريق فكم في هذا البحر من أمثاله غريق فالله تعالى يمهلهم في طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوزوا في طلبها حد الاحتياج إليها ويفتح أبواب المقاصد الدنيوية عليهم ليستغنوا بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانهم كما قال الله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى فكان جزاء سيئة تلونهم في الطلب الاستهزاء وجزاء سيئة الاستهزاء الخذلان والامهال الى ان طغوا وجزاء سيئة الطغيان العمه فيترددون فى الضلال متحيرين لا سبيل لهم الى الخروج من الباطل والرجوع الى الحق والاشارة الثانية في قوله تعالى اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وهي ان ذلك يدل على شرف المؤمنين ومنزلتهم عند الله حيث ان الله هو الذي يتولى الاستهزاء بهم انتقاما للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين الى ان يعارضوهم باستهزاء مثله فناب الله عنهم واستهزأ بهم الاستهزاء الا بلغ الذي ليس استهزاؤهم عنده من باب الاستهزاء حيث ينزل بهم من النكال ويحل عليهم من الذل والهوان ما لا يوصف به ودلت الآية على قبح الاستهزاء بالناس وقد قال لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وقال في قصة موسى عليه السلام قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فاخبر انه فعل الجاهلين وإذا كان الاستهزاء بالناس قبيحا فما جزاء الاستهزاء بالله وهو فيما قال النبي ﷺ (المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بربه) والاشارة الثالثة في قوله تعالى وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ

صفحة رقم 63
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية