آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﱿ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

الأمن من القتل. والثاني: من الخسف والقذف. والثالث: من القحط والجدب. قال مجاهد: قال إبراهيم: لمن آمن، فقال الله عزّ وجلّ: ومن كفر فسأرزقه.
قوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ، وقرأ ابن عامر: «فأمتعه» بالتخفيف، من أمتعت. وقرأ الباقون بالتشديد من: مَتَّعت. والإمتاع: إعطاء ما تحصل به المتعة. والمتعة: أخذ الحظ من لذة ما يشتهي. وبماذا يمتعه؟ فيه قولان: أحدهما: بالأمن. والثاني: بالرزق. والاضطرار: الإلجاء إلى الشّيء، والمصير: ما ينتهي إليه الأمر.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)
قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ. القواعد: أساس البيت، واحدها:
قاعدة. فأما قواعد النساء فواحدتها: قاعد، وهي العجوز. رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا، أي: يقولان: ربنا، فحذف ذلك كقوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ «١»، أراد: يقولون. والسَّمِيعُ بمعنى: السامع، لكنه: أبلغ، لأن بناء فعيل للمبالغة. قال الخطابي: ويكون السماع بمعنى القبول والإجابة. كقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
(٤٨) «أعوذ بك من دعاء لا يسمع»، أي: لا يستجاب. وقول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي: قبل الله حمد من حمده. وأنشدوا:

دَعَوْتُ الله حتَّى خِفْتُ أنْ لاَ يَكُوْنَ الله يسمع ما أقول
(إشارة إلى بناء البيت) (٤٩) روى أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كانت الملائكة تحج إِلى البيت قبل آدم».
صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٢٢ عن زيد بن أرقم، قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول كان يقول: «اللهمّ إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهمّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها». وله شاهد أخرجه أبو داود ١٥٤٩ وابن أبي شيبة ١٠/ ١٨٧، ١٨٨ وأحمد ٣/ ٢٥٥- ٣/ ١٩٢ والطيالسي ١/ ٢٥٨ وابن حبان ١٠٥١ وأبو يعلى ٢٨٤٥ عن أنس. وورد من وجه آخر عند أحمد ٣/ ٢٨٣ والنسائي ٨/ ٢٨٣ و ٢٨٤ عن أنس. وله شاهد أخرجه ابن ماجة ٢٥٠ وصححه الحاكم ١/ ١٠٤ ووافقه الذهبي وأبو يعلى ٦٥٣٧ عن أبي هريرة.
باطل. أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» ٣٩٨٦ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان موضع البيت في زمن آدم عليه السّلام شبرا أو أكثر علما فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم ثم حجّ آدم فاستقبلته الملائكة قالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال: حججت البيت، فقالوا: قد حجته الملائكة قبلك» وإسناده ساقط وعلته سعيد بن ميسرة، وهو متروك متهم، وكذبه القطان، وقال الحاكم: روى عن أنس موضوعات وقال ابن حبان:
يروي الموضوعات، انظر «الميزان» ٢/ ١٦٠.
__________
(١) الرعد: ٢٣- ٢٤.

صفحة رقم 111

وقال ابن عباس: لما أهبط آدم قال الله تعالى له: يا آدم! اذهب فابن لي بيتاً فطف به، واذكرني حوله كما رأيت ملائكتي تصنع حول عرشي. فأقبل يسعى حتى انتهى إلى البيت الحرام، وبناه من خمسة أجبل: من لبنان، وطور سيناء، وطور زيتا، والجودي، وحراء، فكان آدم أول من أسس البيت، وطاف به، ولم يزل كذلك حتى بعث الله الطوفان، فدرس موضع البيت، فبعث الله إبراهيم وإسماعيل. وقال علي بن أبي طالب، عليه السلام: لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت ضاق به ذرعاً، ولم يدر كيف يصنع، فأنزل الله عليه كهيئة السحابة، فيها رأس يتكلم، فقال: يا إبراهيم! علّم على ظلي، فلمّا علّم ارتفعت. وفي رواية عنه أنه كان يبني عليها كل يوم، قال: وحفر إبراهيم من تحت السكينة، فأبدى عن قواعد، ما تحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلاً. فلما بلغ موضع الحجر، قال لإسماعيل: التمس لي حجراً فذهب يطلب حجراً، فجاء جبريل بالحجر الأسود، فوضعه، قال: من جاءك بهذا الحجر؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك. وقال ابن عباس، وابن المسيب، وأبو العالية: رفعا القواعد التي كانت قواعد قبل ذلك. وقال السّدّيّ: لمّا أمره ببناء البيت لم يدر أين يبني، فبعث الله ريحاً، فكنست حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل الطوفان.
قوله تعالى: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، قال الزجاج: المسلم في اللغة: الذي قد استسلم لأمر الله، وخضع. والمناسك: المتعبدات. فكل متعبد منسَك ومنسِك. ومنه قيل للعابد: ناسك.
وتسمى الذبيحة المتقرّب بها إلى الله تعالى: النسيكة. وكأن الأصل في النسك إنما هو من الذبيحة لله تعالى.
قوله تعالى: وَأَرِنا مَناسِكَنا، أي: مذابحنا، قاله مجاهد. وقال غيره: هي جميع أفعال الحج.
وقرأ ابن كثير: «وأرنا» بجزم الراء. و «رب أرني» و «أرنا اللذين أضلانا». وقرأ نافع، وحمزة، والكسائيّ وَأَرِنا بكسر الراء في جميع ذلك. وقرأ أبو بكر عن عاصم وابن عامر كذلك، إلا أنهما أسكنا الراء من «أرنا اللذين» وحدها. قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: «أرنا أذين أضلانا» وكثير من العرب يجزم الراء، فيقول: «أرنا مناسكنا»، وقرأ بها بعض الثقات. وأنشد بعضهم:

قالت سليمى اشتر لنا دقيقاً واشترْ فعجل خادماً لبيقاً
وأنشدني الكسائي:
ومن يتقْ فان الله معه ورزق الله مؤتاب وغادي «١»
قال قتادة: أراهما الله مناسكهما: الموقف بعرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، والطواف، والسعي. وقال أبو مجلز: لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل، فأراه الطواف، ثم أتى به جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبعاً، وقال له: ارم
(١) في «اللسان» المآب: المرجع، وأتاب مثل آب، فعل وافتعل بمعنى. [.....]

صفحة رقم 112

وكبر، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان. ثم أتى به الجمرة الوسطى، فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبع حصيات، فقال له: ارم وكبر، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان. ثم أتى به الجمرة القصوى، فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبع حصيات. فقال له: ارم وكبر، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان، ثم أتى به منى، فقال: هاهنا يحلق الناس رؤوسهم، ثم أتى به جمعاً، فقال: هاهنا يجمع الناس، ثم أتى به عرفة، فقال: أعرفت؟ قال: نعم. قال: فمن ثم سميت عرفات.
قوله تعالى: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، في الهاء والميم من فِيهِمْ قولان:
أحدهما: أنها تعود على الذرية، قاله مقاتل والفراء.
والثاني: على أهل مكة في قوله: وَارْزُقْ أَهْلَهُ، والمراد بالرّسول: محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
(٥٠) وقد روى أبو أمامة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنه قيل: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إِبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أُمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام».
والكتاب: القرآن. والحكمة: السنة، قاله ابن عباس. وروي عنه: الحكمة: الفقه والحلال والحرام، ومواعظ القرآن. وسميت الحكمة حكمة، لأنها تمنع من الجهل.
وفي قوله تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ، ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناه: يأخذ الزكاه منهم فيطهرهم بها، قاله ابن عباس والفراء. والثاني: يطهرهم من الشرك والكفر، قاله مقاتل. والثالث: يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء. قوله تعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ، قال الخطابي: العز في كلام العرب على ثلاث أوجه: أحدها: بمعنى الغلبة، يقولون: من عزّ بزّ، أي: من غلب سلب، يقال منه: عزَّ يعُزُّ، بضم العين من يعز، ومنه قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ «١». والثاني: بمعنى الشدة والقوة، يقال منه: عز يعَزُّ، بفتح العين من يعز. والثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عز يعزّ، بكسر العين من يعزّ، ويتأول معنى العزيز على أنه الذي لا يعادله شيء، ولا مثل له.

حسن صحيح. أخرجه الطيالسي ١١٤٠ وأحمد ٥/ ٢٦٢، وابن سعد ١/ ١٠٢ والطبراني ٧٧٢٩ والبيهقي في «الدلائل» ١/ ٨٤ وإسناده ضعيف لضعف فرج بن فضالة، والسياق لأحمد، وقال الهيثمي في «المجمع» ٨/ ٢٢٢: إسناد أحمد حسن. وله شاهد أخرجه أحمد ٤/ ١٢٧- ١٢٨ والبخاري في «التاريخ الكبير» ٦/ ٦٨ وابن حبان ٦٤٠٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٠٩ والبيهقي في «الدلائل» ١/ ٨٠ و ٢/ ٣٠ عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرفوعا، وإسناده حسن في الشواهد لأجل سعيد بن سويد. وصححه الحاكم ٢/ ٦٠٠ ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبّان.
وورد عن خالد بن معدان عن نفر من الصحابة مرفوعا أخرجه الحاكم ٢/ ٦٠٠ والطبري ٢٠٧٥ والبيهقي في «الدلائل» ١/ ٨٣ وإسناده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في «البداية» ٢/ ٢٧٥ وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن في أقل تقدير بل هو صحيح والله أعلم، وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٧١٠ بتخريجنا.
__________
(١) ص: ٢٣.

صفحة رقم 113
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية