آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﱿ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

وأما الصلاة على ظهر الكعبة، فأجازها الشافعي، وقال مالك: من صلى على ظهر الكعبة، أعاد في الوقت. وقال أبو حنيفة: من صلى على ظهر الكعبة، أعاد في الوقت. وقال أحمد: من صلى على ظهر الكعبة، فلا شيء عليه.
وهل الصلاة عند البيت أفضل أو الطواف به؟ اختلفوا، فقال مالك:
الطواف لأهل الأمصار أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل. والجمهور على أن الصلاة أفضل.
بناء البيت الحرام ودعاء إبراهيم وإسماعيل
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)
الإعراب:
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا أي يقولان: ربنا تقبل منا، فحذف «يقولان» وحذف القول كثير في كتاب الله وكلام العرب.
البلاغة:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ عبر بالمضارع عن الماضي، لاستحضار الصورة الماضية وكأنها مشاهدة بالعصيان، فكأن السامع ينظر ويرى إلى البنيان وهو يرتفع، وإلى البنّاء وهو إبراهيم وإسماعيل

صفحة رقم 311

عليهما السلام.
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ من صيغ المبالغة، على وزن فعّال وفعيل.
المفردات اللغوية:
الْقَواعِدَ واحدها قاعدة، وهي ما يقوم عليه البناء من الأساس أو من طبقات البناء، فالقواعد: هي الأسس أو الجدران. ورفعها: إعلاء البناء عليها. وتقبّل الله العمل: قبله ورضي به.
مُسْلِمَيْنِ منقادين لك أُمَّةً جماعة مِنْ ذُرِّيَّتِنا أي اجعل من أولادنا، ومن للتبعيض، وأتى به لتقدم قوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، مَناسِكَنا شرائع عبادتنا أو حجنا، واحدها منسك- بفتح السين، من النسك: وهو غاية الخضوع والعبادة، وشاع استعماله في عبادة الحج خاصة، كما شاع استعمال المناسك في معالم الحج وأعماله لما فيها من الكلفة والبعد عن العادة. وَتُبْ عَلَيْنا سألاه التوبة، مع عصمتهما تواضعا وتعليما لذريتهما. وتاب العبد إلى ربه: إذا رجع إليه، لأن اقتراف الذنب إعراض عن الله وعن موجبات رضوانه، وتاب الله على العبد: رحمه وعطف عليه.
وَابْعَثْ فِيهِمْ أي أهل البيت رَسُولًا مِنْهُمْ من أنفسهم، وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلّى الله عليه وسلم الْكِتابَ القرآن وَالْحِكْمَةَ أسرار الأحكام الدينية ومعرفة مقاصد الشريعة وَيُزَكِّيهِمْ يطهر نفوسهم من دنس الشرك وأنواع المعاصي الْعَزِيزُ الغالب الْحَكِيمُ أي الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
المناسبة:
بعد أن ذكّر الله تعالى العرب بما أنعم عليهم من فضائل البيت الحرام، أردف ذلك بتذكيرهم بأن الذي بنى البيت هو أبوهم إبراهيم مع ابنه إسماعيل، ليجذبهم بذلك إلى الاقتداء بسلفهم الصالح الذي ينتمون إليه، وقد كانت قريش تنتسب إلى إبراهيم وإسماعيل، وتدعي أنها على ملة إبراهيم، وسائر العرب في ذلك تبع لقريش.

صفحة رقم 312

التفسير والبيان:
واذكر يا محمد لقومك وقت أن بنى إبراهيم وابنه إسماعيل قواعد البيت وأساسه، والفضيلة في كون البنّاءين نبيين، وفي تخصيصه للعبادة وسط بلاد وثنية، لا في أفضلية أحجاره ولا موقعه ولا بأنه نزل من السماء. وجعل التوجه إليه توجها إلى الله الذي لا يحده مكان ولا تحصره جهة، وعدّ استلام الحجر الأسود تعبديا كاستقبال الكعبة في الصلاة، فلا مزية له في ذاته، بل هو كسائر الأحجار بدليل قول عمر بن الخطاب عند استلامه: «أما والله، إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبّلك ما قبّلتك، ثم دنا فقبّله» «١».
وفي أثناء إقامة البناء يدعو إبراهيم وإسماعيل قائلين: ربنا إنك أنت السميع لدعائنا، العليم بنياتنا في جميع أعمالنا، ربنا واجعلنا منقادين لك، ومخلصين في الاعتقاد فلا نتوجه إلا إليك، ولا نستعين بأحد إلا بك، وفي العمل بألا نقصد بعملنا إلا مرضاتك. ربنا واجعل من ذريتنا جماعة مخلصة لك، منقادة لأوامرك، ليستمر الإسلام دائما في الأجيال. ربنا بصّرنا وعرفنا أمور عبادتنا ومواضع نسكنا، أي أعمال الحج، كمواقيت الإحرام، وموضع الوقوف بعرفة، وموضع الطواف والسعي، واقبل توبتنا، إنك أنت التواب الرحيم، أي كثير التوبة على عبادك بقبولها منهم، الرحيم بالتائبين لإنجائهم من العذاب.
وهذا منهما إرشاد لذريتهم، وطلب للتثبت والدوام على الطاعة، لا أنهما كان لهما ذنب، لأن الأنبياء معصومون، وليبينوا للناس بعد معرفة المناسك وبناء البيت أن ذلك الموقف وتلك المواضع، مكان التطهر من الذنوب وطلب التوبة.

(١) رواه البخاري ومسلم.

صفحة رقم 313

ربنا وأرسل في الأمة المسلمة رسولا منهم، ليكون أشفق عليهم، ويكونوا أعزّ الناس به، وأقرب لإجابة دعوته، وقد عرفوه معرفة تامة، ولمسوا منه الصدق والأمانة والعفة والاستقامة، ونحو ذلك، يقرأ عليهم آيات دينك المشتملة على إثبات وحدانية الله، وعلى الإقناع بالبعث والجزاء، ويعلمهم القرآن وأسرار الشريعة ومقاصدها، وما تكمل به نفوسهم من العلوم والمعارف، ويطهرهم من دنس الشرك والوثنية وأنواع المعاصي، ويعملهم صالح الأخلاق، إنك أنت القوي الذي لا يغلب، الحكيم في كل صنع، فلا تفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، قال مالك: والحكمة: المعرفة بالدين، والفقه بالتأويل، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
في هذه الأدعية تعليم لنا أن نطلب في ختام أعمالنا قبولها، وأن ندعو بصلاح أنفسنا وذريتنا ليستمر الإسلام في كل زمان، ويظهر الانقياد والخضوع لخالق السماء والأرض، والله تعالى جعل المناسك ومواقف الحج أمكنة للتخلص من الذنوب وطلب الرحمة من الله، والله كريم رحيم. وقد أجاب الله دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل، فأرسل خاتم النبيين محمدا صلّى الله عليه وسلم رسولا من العرب،
قال صلّى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي»
، وأكرم الله أمة العرب، فجعلها بالإسلام خير الأمم، وكان لها السيادة والمجد والسلطة في المشارق والمغارب، حينا من الزمان، وكان منها ومن المسلمين غير العرب رجال هم مفخرة التاريخ في العدل والسياسة والقضاء والعلم والفكر والأدب والحضارة.
أما بناء الكعبة: فكان بالطين والحجارة، وظل كذلك إلى أن هدمتها قريش وأعادوا بناءها، ورفعوها عن الأرض عشرين ذراعا، وتم وضع الحجر من قبل النبي صلّى الله عليه وسلم وهو شاب قبل البعثة، لأنهم حكّموا أول من يطلع عليهم، فطلع عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحكّموه، ووضع الحجر في ثوب، ثم أمر سيد كل

صفحة رقم 314

قبيلة، فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو، فرفعوا إليه الحجر الأسود، فكان هو يضعه صلّى الله عليه وسلم. ولم يدخلوا حجر الكعبة في البناء أي حجر إسماعيل من جهة الشمال، لعجز النفقة لديهم، ثم رأى النبي تجديد البناء، لكنه كما
روت عائشة رضي الله عنها قال: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت، ولجعلت لها خلفا»
، يعني بابا.
وفي البخاري: «لجعلت لها خلفين»
يعني بابين.
ثم لما غزا أهل الشام في عهد الأمويين عبد الله بن الزبير، ووهت الكعبة من حريقهم، أعاد بناءها ابن الزبير، وبناها على ما أخبرته عائشة، وزاد فيه خمسة أذرع من الحجر، وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا، فزاد في طوله عشرة أذرع، وجعل لها بابين، أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه، كما روى مسلم في صحيحة.
ثم لما قتل ابن الزبير أعاد الحجاج بناء الكعبة، ورد ما زاد فيه من الحجر إلى بنائه، وسدّ الباب الذي فتحه، وأعاده إلى بنائه، بأمر الخليفة عبد الملك.
وروي أن الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة، وأن يردّه على بناء ابن الزبير، لما جاء عن النّبي صلّى الله عليه وسلم، وامتثله ابن الزبير، فقال له مالك: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألا تجعل بهذا البيت ملعبة للملوك، لا يشاء أحد منهم، إلا نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس.
وأما كسوة الكعبة، فقال العلماء: لا ينبغي أن يؤخذ من كسوة الكعبة شيء، فإنه مهدي إليها، ولا ينقص منها شيء.

صفحة رقم 315
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية