
لما وصل الى الطور لاقتباس النار لاهله نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فتجلى الربوبية اولا ثم قيل فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وهما الطبيعة والنفس امر بتركهما ثم قيل وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فتجلى الالوهية ثم بعدهما تجلى الذات وامر بإرشاد فرعون فترك اهله هناك ولم يلتفت وجاء الى فرعون وكان دخوله بمصر في نصف الليل فدق باب فرعون بعصاه امتثالا لامر الله تعالى قيل انه شابت لحية فرعون في ذلك الوقت بمهابة دقه فقال أكنت وليدا مربى عندنا قال موسى نعم ولذلك دعوتك قبل الكل لسبق حقك على رعاية له فأرادوا قتله فألقى عصاه فصارت ثعبانا مبينا فبينا عزم على ابتلاعهم فاستأمنوا فأعطاهم الامان وكان يريد أن يؤمن ولكنه منعه هامان فبعد دعوة فرعون جاء الى اهله فوجدها قد وضعت الحمل فاحاطتها ذئاب من أطرافها لمحافظتها فلم يقدر ان بمر من هنا مار فانظر الى قدرة الله تعالى- روى- ان الامام الأعظم والهمام الأقدم رحمه الله لم يشتغل بالدعوة الى مذهبه الا بالاشارة النبوية في المنام بعد ما قصد الا نزواء فهذا اعدل دليل الى وصوله الى الحقيقة وكان يقوم كل الليل وسمع رحمه الله هاتفا في الكعبة ان يا أبا حنيفة أخلصت خدمتى وأحسنت معرفتى فقد غفرت لك ولمن تبعك الى قيام الساعة كذا في عين العلم للشيخ محمد البلخي رحمه الله وعن بعض العارفين قبلة البشر الكعبة وقبلة اهل السماء البيت المعمور وقبلة الكروبيين الكرسي وقبلة حملة العرش العرش ومطلوب الكل وجه الله سبحانه وتعالى وَقالُوا نزلت لما قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ومشركوا العرب الملائكة بنات الله فضمير قالوا راجع الى الفرق الثلاث المذكورة سابقا اما اليهود والنصارى فقد ذكروا صريحا واما المشركون فقد ذكروا بقوله تعالى كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ اى قال اليهود والنصارى وما شاركهم فيما قالوا من الذين لا يعلمون اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً الاتخاذ اما بمعنى الصنع والعمل فلا يتعدى الا الى واحد واما بمعنى التصيير والمفعول الاول محذوف اى صير بعض مخلوقاته ولدا وادعى انه ولده لا انه ولده حقيقة وكما يستحيل عليه تعالى ان يلد حقيقة كذا يستحيل عليه التبني واتخاذ الولد فنزه الله تعالى نفسه عما قالوا في حقه فقال سُبْحانَهُ تنزيهه والأصل سبحه سبحانا على انه مصدر بمعنى التسبيح وهو التنزيه اى منزه عن السبب المقتضى للولد وهو الاحتياج الى من يعينه في حياته ويقوم مقامه بعد مماته وعما يقتضيه الولد وهو التشبيه فان الولد لا يكون الا من جنس والده فكيف يكون للحق سبحانه ولد وهو لا يشبهه شىء: قال في المثنوى
لم يلد لم يولد است او از قدم | نى پدر دارد نه فرزند ونه عم |

عليه السلام في الحقيقة وما قيل من انه تعالى حكم بعصمة الأنبياء وعلم منهم انهم لا يعصون له ولا يخالفون امره ولا يرتكبون ما نهى عنه فكانت عصمتهم واجبة فلا وجه لتحذيرهم عن اتباع هوى الكفرة فوجب ان يكون التحذير متوجها الى الامة لا الى أنفسهم فالجواب عنه ان التكليف والتحذير انما يعتمد على كون المكلف به محتملا ومتصورا في ذاته من حيث تحقق ما يتوقف عليه وجوده من الآلات والقوى والامتناع الحاصل من حكمه تعالى بعصمتهم وعلمه بها امتناع بالغير وهو لا ينافى الإمكان الذاتي هو شرط التكليف والتحذير بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اى القرآن الموحى إليك وهو حال من ضمير جاءك ما لَكَ مِنَ اللَّهِ اى من جهته العزيزة وهو جواب لئن مِنْ وَلِيٍّ اى قريب ينفعك من الولي وهو القرب وَلا نَصِيرٍ يدفع عنك عقابه والفرق بين الولي والنصير العموم والخصوص من وجه لان الولي قد يضعف عن النصرة والنصير قد يكون أجنبيا عن المنصور كما يكون من أقرباء المنصور وهو مادة اجتماعهما وقوله من ولى مرفوع على الابتداء ولك خبره ومن صلة وقوله من الله منصوب المحل على انه حال لانه لما كان متقدما على قوله من ولى امتنع ان يكون صفة له ونظيره قوله لعزة موحشا طلل قديم ولما ذكر قبائح المتعنتين الطالبين للرياسة من اليهود والنصارى اتبع ذلك بمدح من ترك طريق التعنت وخب الرياسة منهم وطلب مرضاة الله وحسن ثواب الآخرة وآثره على الحظوظ العاجلة الفانية فقال تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد مؤمنى اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه من الذين اسلموا من اليهود وانما خصهم بذكر الإيتاء لانهم هم الذين عملوا به فخصوا به والكتاب التوراة يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ بمراعاة لفظه عن التحريف وبالتدبر في معانيه والعمل بما فيه وهو حال مقدرة من الضمير المنصوب في آتيناهم او من الكتاب لانهم لم يكونوا تالين له وقت الإتيان وقوله حق تلاوته نعت لمصدر محذوف دل عليه الفعل المذكور اى يتلونه تلاوة حق تلاوته واختار الكواشي كونه منصوبا على المصدرية على تقدير تلاوة حقا فان نعت المصدر إذا قدم عليه وأضيف اليه نصب نصب المصادر نحو ضربت أشد الضرب بنصب أشد على المصدرية أُولئِكَ الموصوفون بايتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه وهو مبتدأ ثان خبره قوله تعالى يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بكتابهم دون المحرفين فان بناء الفعل على المبتدأ وان كان اسما ظاهرا يفيد الحصر مثل الله يستهزئ بهم وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ اى بالكتاب سواء كان كفره بنفس التحريف او بغيره كالكفر بالكتاب الذي يصدقه فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الها لكون المغبونون حيث اشتروا الكفر بالايمان يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ومن جملتها التوراة وذكر النعمة انما يكون بشكرها وشكرها الايمان بجميع ما فيها ومن جملته نعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن ضرورة الايمان بها الايمان به ﷺ وَاذكروا أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى زمانكم وَاتَّقُوا ان لم تؤمنوا يَوْماً أي عذاب يوم وهو يوم القيامة لا تَجْزِي تقول جزى عنى هذا الأمر يجزى كما تقول قضى عنى يقضى وزنا ومعنى اى لا تقضى في ذلك اليوم نَفْسٌ من
صفحة رقم 219
النفوس عَنْ نَفْسٍ اخرى شَيْئاً من الحقوق التي لزمتها اى لا تقضى نفس ليس عليها شىء من الحقوق التي وجبت على نفس اخرى اى لا تؤخذ نفس بذنب اخرى ولا تدفع عنها شيأ واما إذا كان عليها شىء فانها تجزى وتقضى بغير اختيارها بمالها من حسناتها ما عليها من الحقوق كما جاء في حديث ابى هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ﷺ قال (من كانت له مظلمة لاخيه من عرض او غيره فليستحلل منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه) وَلا يُقْبَلُ مِنْها اى من النفس الاولى عَدْلٌ اى فداء وهو بفتح العين الفدية وهي ما يماثل الشيء قيمة وان لم يكن من جنسه والعدل بالكسر ما يساوى الشيء في الوزن والجرم من جنسه والمعنى لا يؤخذ منها فدية تنجو بها من النار ولا تجد ذلك لتفتدى به وسميت
الفدية عدلا لانها تعادل ما يقصد إنقاذه وتخليصه يقال فداه إذا اعطى فداءه فانقذ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ ان شفعت للنفس الثانية وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ اى يمنعون من عذاب الله تعالى واعلم ان المستوجب للعذاب يخلص منه في الدنيا بأحد اربعة امور اما بان ينصره ناصر قوى فيخلصه ويدفع العذاب عنه قهرا او بان يفديه اى بان يعطى أحد أشياء غير ما عليه من الحق وذلك الشيء هو الفدية وهو الفداء فانقذه به فالله تعالى بين هول يوم القيامة بان نفى ان يدفع العذاب أحد عن أحد بشئ من هذه الوجوه المحتملة في الدنيا قال السعدي قدس سره
قيامت كه نيكان با على رسند | ز قعر ثرى بر ثريا رسند |
ترا خود بماند سر از ننگ پيش | كه كردت بر آيد عملهاى خويش |
برادر ز كار بدان شرم دار | كه در روى نيكان شوى شرمسار |
در ان روز كز فعل پرسند وقول | أولوا العزم را تن بلرزد ز هول |
بجايى كه دهشت خورد انبيا | تو عذر گنه را چهـ دارى بيا |