
قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى «١» وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ «٢».
وقرأ مجاهد: (أو نَنسها) بفتح النون مخففة أي نتركها.
وقرأ عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وعبيد بن عمير وعطاء وابن كثير وابو عمرو والنخعي:
أو ننساها بفتح النون الأول وفتح السين مهموزة فلا نؤخرها فلا نبدّلها ولا ننسخها، يقال: نسأ الله في أجله وأنسأ الله أجله، ومنه النسيئة في البيع.
وقال أبو عبيد: ننسأها مجازه نمضيها لذكر ما فيه، قال طرفة:
أمون كألواح الاران نسأتها | على لاحب كأنّه ظهر برجد «٣» |
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها «٤» أيّ بما هو أجدى وأنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجركم لا أنّ آية خير من آية لأن كلام الله عزّ وجلّ واحد ولكنّها في المنفعة المثوبة وكلّه خير.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «٥» قادر قال الزجاج: لفظه استفهام ومعناه توفيق وتقرير.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ يا معشر الكفّار عند نزول العذاب.
مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ قريب وصديق.
وَلا نَصِيرٍ ناصر يمنعكم من العذاب.
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ الآية.
قال ابن عبّاس: نزلت في عبد الله بن أميّة
(٢) سورة الكهف: ٢٤.
(٣) مجمع البيان: ١/ ٣٤٦.
(٤) في هامش المخطوطة: وكل ما نسخ إلّا اليسير فالناسخ أسهل في العمل.
(٥) في هامش المخطوطة: من النسخ والتبديل.

المخزومي ورهط من قريش قالوا: يا محمّد أجعل لنا الصّفا ذهبا ووسّع لنّا أرض مكّة، وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك.
فأنزل الله عزّ وجلّ أَمْ تُرِيدُونَ يعني أتريدون
والميم صلة لأنّ أم إذا كان بمعنى العطف لا تكون أبتداء ولا تأتي إلّا مردودة على استفهام قبلها، وقيل معناه: بل يريدون كقول الشّاعر:
بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى | وصورتها أم أنت في العين أملح «١» |
أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ محمّدا.
كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ سأله قومه فقالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً،
وقال مجاهد: لمّا قالت قريش هذا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نعم وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا عذّبتم» [٩٩] فأبوا ورجعوا
، والصّحيح أن شاء الله إنها نزلت في اليهود حين قالوا: يا محمّد ائتنا بكتاب من السّماء تحمله، كما أتى موسى بالتوراة، لأنّ هذه السّورة مدنية، وتصديق هذا القول قوله تعالى:
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ «٢» في سُئِلَ ثلاث قراءات:
بالهمز: وهي قراءة العامّة، و (سئل) بتليين الهمزة وهي قراءة أبي جعفر و (سيل) مثل (قيل) وهي قراءة الحسن.
وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأ وسط الطريق.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الآية
نزلت في نفر من اليهود منهم: فنحاص بن عازورا وزيد ابن قيس وذلك إنّهم قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تريا ما أصابكم ولو كنتم على الحقّ ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا. فقالوا لهم: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد.
قال: فإني قد عاهدت ألّا أكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم ما عشت. فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبر، وقال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا وبمحمّد نبيّا وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا.
ثمّ أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبراه بذلك فقال: «أصبتما الخير وأفلحتما» [١٠٠] «٣». فأنزل الله تعالى وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي تمنى وأراد كثير من اليهود.
(٢) سورة النساء: ١٥٣.
(٣) تفسير الكشاف: ١/ ١٧٦.