ونعم ما قيل حفظت شيأ وغابت عنك أشياء- حكى- ان نصير الدين الطوسي دخل على ولى من اولياء الله تعالى لاجل الزيارة فقيل له هذا عالم الدنيا نصير الدين الطوسي قال الولي ما كماله قيل ليس له عديل في علم النجوم قال الولي الحمار الأبيض اعلم منه فانحرف الطوسي وقام من مجلسه فاتفق انه نزل تلك الليلة على باب بيت طاحونة فقال الطحان ادخل البيت فانه سيكون الليلة مطر عظيم حتى لو لم يغلق الباب لاخذه السيل فسأل الطحان عن وجهه فقال لى حمار ابيض إذا حرك ذنبه الى جانب السماء ثلاثا لم تمطر السماء وإذا حركه الى جانب الأرض يقع المطر فلما سمعه اعترف بعجزه وصدق الولي وزال غيظه- وحكى- ان وليا قال لابن سينا أفنيت عمرك في العلوم العقلية فالى أي مرتبة وصلت قال وجدت ساعة من ساعات الأيام بكون الحديد فيها كالخمير فقال الولي أخبرني عن تلك الساعة فلما جاءت الساعة أخبره وأخذ بيده حديدا فنفذ فيه إصبعه فبعد مضى الساعة قال الولي هل تقدر على تنفيذ إصبعك ايضا قال لا فانه من خصائص تلك الساعة ولا يمكن فاخذه الولي ونفذ إصبعه فيه وقال ينبغى للعاقل ان لا يصرف عمره الى الزائل الفاني فكما ان ابن سينا ادعى استقلال العقل في طريق الوصول فالقى في جهنم كذلك اليهود خذلهم الله انفوا من اتباع محمد ﷺ والعمل بما جاء به من عند الله وادعوا الاستقلال فخابوا وخسروا وبقوا في ظلمة الجهل والكفر: قال في المثنوى
اى كه اندر چشمه شور است جات | توجه دانى شط وجيحون وفرات «١» |
واى آن زنده كه با مرده نشست | مرده كشت وزنده كى از وى بجست «٢» |
(٢) در اواسط دفتر يكم در بيان حديث من أراد ان يجلس مع الله فليجلس مع اهل التصوف
تعالى عليه وسلم برأ الله سليمان عليه السلام من ذلك وانزل في عذر سليمان واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ بالسحر وعلمه يعنى لم يكن ساحرا لان الساحر كافر والتعرض لكونه كفرا للمبالغة في اظهار نزاهته عليه السلام وكذبه باهتيه بذلك وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا باستعمال السحر وتعليمه وتدوينه يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ اى كفروا والحال انهم يعلمونه إغواء واضلالا روى ان السحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة افهامهم وَما اى ويعلمون الناس الذي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ اى ما الهما وعلما وهو علم السحر انزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه او تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه وهذا كما إذا اتى عرافا فسأله عن شىء ليمتحن حاله ويختبر باطن امره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز قال الامام فخر الدين كان الحكمة في انزالهما ان السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق وكان بسبب ذلك يشتبه الوحى النازل على الأنبياء فانزلهما الله الى الأرض ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة بِبابِلَ الباء بمعنى في وهي متعلقة بانزل او بمحذوف وقع حالا من الملكين وهي بابل العراق او بابل ارض الكوفة ومنع الصرف للمجمة والعلمية واحسن ما قيل في تسميتها ببابل ان نوحا عليه السلام لما هبط الى أسفل الجودي بنى قرية وسماها ثمانين فاصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحداها اللسان العربي وكان لا يفهم بعضهم من بعض كذا في تفسير القرطبي هارُوتَ وَمارُوتَ عطف بيان للملكين علمان لهما ومنع صرفها للعجمة والعلمية وما روى في قصتهما من انهما شربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فمما لا تعويل عليه لان مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لادلة العقل والنقل ولعله من مقولة الأمثال والرموز التي قصد بها ارشاد اللبيب الأريب وبالترغيب وذلك لان المراد بالملكين العقل النظري والعقل العملي والمرأة المسماة بالزهرة هي النفس الناطقة الطاهرة في اصل نشأتها وتعرضهما لها تعليمهما لها ما تستعد به في النشأة الآخرة وحملها إياهما على المعاصي تحريضها إياهما بحكم الطبيعة المزاجية الى السفليات المدنسة لجوهرهما وصعودها الى السماء بما تعلمت منهما هو عروجها الى الملأ الأعلى ومخالطتها مع القدسيين بسبب انتصافها ونصحها كذا ذكره وجوه القوم من المفسرين يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة قد تصفحت كتب ارباب الخبر والبيان واصحاب الشهود والعيان فوجدت عامتها مشحونة بذكر ما جرى من قصتهما وكيف يجوز الاتفاق من الجم الغفير على ما مداره رواية اليهود خصوصا في مثل هذا الأمر الهائل فاقول وصف الملائكة بانهم لا يعصون ولا يستكبرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ويفعلون ما يؤمرون دليل تصور العصيان منهم ولولا ذلك لما مدحوا به إذ لا يمدح أحد على الممتنع لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف على عكس حال البشر كما في التيسير فهذا يقتضى جواز الوقوع مع ان فيما روى في سبب نزولهما
صفحة رقم 191
ما يزيل الاشكال قطعا وهو انهم لما عيروا بنى آدم بقلة الأعمال وكثرة الذنوب في زمن إدريس عليه السلام قال الله تعالى لو انزلتكم الى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم مثل ما فعلوا فقالوا سبحانك ربنا ما كان ينبغى لنا ان نعصيك قال الله تعالى فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما الى الأرض فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم فاهبطا بالتركيب البشرى ففعلا ما فعلا وهذا ليس ببعيد إذ ليس مجرد هبوط الملك مما يقتضى العصيان وذلك ظاهر والا لظهر من جبريل وغيره ألا ترى ان إبليس له الشهوة والذرية مع انه كان من الملائكة على أحد القولين لانها مما حدثت بعد ان محى من ديوانهم فيجوز ان تحدث الشهوة في هاروت وماروت بعد ان اهبطا الأرض لاستلزام التركيب البشرى ذلك وقد قال في آكام المرجان ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس في الصورة والاشكال فان قلب الله الملك الى صورة الإنسان ظاهرا وباطنا خرج عن كونه ملكا وكذلك لو
قلب الشيطان الى بنية الإنسان خرج بذلك عن كونه شيطانا- روى- انه لما استشفع لهما إدريس عليه السلام خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لكونه أيسر من عذاب الآخرة فهما في بئر بابل معلقان فيه بشعورهما الى يوم القيامة قال مجاهد ملئ الجب نارا فجعلا فيه وقيل معلقان بارجلهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء الا اربع أصابع فهما يعذبان بالعطش قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره رائحة الشمع الذي يعمل من الشحم كريهة تتألم منها الملائكة حتى يقال ان هاروت وماروت يعذبان برائحته واما الشمع العسلي فرائحته طيبة كذا في واقعات الهدائى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (اتقوا الدنيا فوالذى نفسى بيده انها لا سحر من هاروت وماروت) قال العلماء انما كانت الدنيا اسحر منهما لانها تدعوك الى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها والمنع حتى تفرق بينك وبين طاعة الله وتفرق بينك وبين رؤية الحق ورعايته وسحر الدنيا محبتها وتلذذك بشهواتها وتمنيك بامانيها الكاذبة حتى تأخذ بقلبك ولهذا قال رسول الله ﷺ (حبك الشيء يعمى ويصم) أراد النبي عليه الصلاة والسلام ان من الحب ما يعمى عن طريق الحق والرشد ويصمك عن استماع الحق وان الرجل إذ اغلب الحب على قلبه ولم يكن له رادع من عقل او دين أصمه حبه عن العذل وأعماه عن الرشد او يعمى العين عن النظر الى مساويه ويصم الاذن عن استماع العذل فيه او يعمى ويصم عن الآخرة وفائدته النهى عن حب ما لا ينبغى الإغراق في حبه: قال خسرو الدهلوي بهر اين مردار چندت كاه زارى كاه زور چون غليواجى كه شش مه ماده وشش مه نر است ثم في هذه القصة اشارة الى انه لا يجوز الاعتماد الأعلى فضل الله ورحمته فان العصمة من آثار حفظ الله تعالى كمال: قال في المثنوى
همچوهاروت و چوماروت شهير | از بطر خوردند زهر آلوده تير |
اعتمادي بودشان بر قدس خويش | چيست بر شير اعتماد كاو ميش |
كر چهـ او با شاخ صد چاره كند | شاخ شاخش شير نر پاره كند |
كر شود پر شاخ همچون خار پشت | شير خواهد كاو را ناچار كشت |
وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام وكل ذلك مدرك بالحس والمشاهدة وإنكاره معاندة وان أردت التفصيل وحقيقة الحال فاستمع لما نتلو عليك من المقال وهو ان السحر اظهار امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيه التعلم والتعليم وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة والكرامة واختلف العلماء في حقيقة السحر بمعنى ثبوته في الخارج فذهب الجمهور الى ثبوته فيه وقالت المعتزلة لا ثبوت له ولا وجود له في الخارج بل هو تمويه وتخييل ومجرد اراءة مالا حقيقة له يرى الحبال حيات بمنزلة الشعوذة التي سببها خفة حركات اليد او إخفاء وجه الحيلة وتمسكوا بقوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ولنا وجهان الاول يدل على
الجواز والثاني يدل على الوقوع اما الاول فهو إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله فانه الخالق وانما الساحر فاعل وكاسب واما الثاني فهو قوله تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وفيه اشعار بانه ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وبان المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده واما الشعوذة وما يجرى مجراها من اظهار الأمور العجيبة بواسطة ترتيب آلات الهندسة وخفة اليد والاستعانة بخواص الادوية والأحجار فاطلاق السحر عليها مجاز او لما فيها من الدقة لانه في الأصل عبارة عن كل ما لطف مأخذه وخفى سببه ولذا يقال سحر حلال واكثر من يتعاطى السحر من الانس النساء وخاصة فى حال حيضهم والأرواح الخبيثة ترى غالبا للطبائع المغلوبة والنفوس الرذيلة وان لم يكن لهم رياضة كالنساء والصبيان والمخنثين والإنسان إذا فسد نفسه او مزاجه يشتهى ما يضره ويتلذذ به بل يعشق ذلك عشقا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله والشيطان خبيث فاذا تقرب صاحب العزائم والاقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض أغراضهم كمن يعطى رجلا مالا ليقتل من يريد قتله او يعينه على فاحشة او ينال منه فاحشة ولذلك يكتب السحرة والمعزمون في كثير من الأمور كلام الله تعالى بالنجاسة والدماء ويتقربون بالقرابين من حيوان ناطق وغير ناطق والبخور وترك الصلاة والصوم واباحات الدماء ونكاح ذوات المحارم وإلقاء المصحف فى القاذورات وغير ذلك مما ليس لله فيه رضى فاذا قالوا كفرا او كتبوه او فعلوه اعانتهم الشياطين لاغراضهم او بعضها اما بتغوير ماء واما بان يحمل في الهواء الى بعض الامكنة واما ان يأتيه بمال من اموال الناس كما يسرقه الشياطين من اموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه ويأتى به واما غير ذلك من قتل أعدائهم او امراضهم او جلب من يهوونه وكثيرا ما يتصور الشيطان بصورة الساحر ويقف بعرفات ليظن من يحسن به الظن انه وقف بعرفات وقد زين لهم الشيطان ان هذا كرامات الصالحين وهو من تلبيس الشيطان فان الله تعالى لا يعبد الا بما هو واجب او مستحب وما فعلوه ليس بواجب ولا مستحب شرعا بل هو منهى حرام ونعوذ بالله من اعتقاد ما هو حرام عبادة ولاهل الضلال الذين لهم عبادة على غير الوجه الشرعي مكاشفات أحيانا وتأثيرات يأوون كثيرا الى مواضع الشياطين التي نهى عن الصلاة فيها كالحمام والمزبلة واعطان الإبل وغير ذلك مما هو من مواضع النجاسات لان الشياطين تنزل عليهم فيها وتخاطبهم ببعض
الأمور كما يخاطبون الكفار وكما كانت تدخل في الأصنام وتكلم عابدى الأصنام قال العلماء ان كان في السحر ما يخل شرطا من شرائط الايمان من قول وفعل كان كفرا والا لم يكن كفرا وعامة ما بايدى الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفهم بالعربية فيها ما هو شرك وتعظيم للجن ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفهم بالعربية معناها لانها مظنة الشرك وان لم يعرف الراقي انها شرك وفي الصحيح عن النبي عليه السلام انه رخص في الرقى ما لم تكن شركا وقال (من استطاع ان ينفع أخاه فليفعل) ولذا نقول انه يجوز ان يكتب للمصاب وغيره من المرضى شىء من كتاب الله وذكره بالمداد المباح ويغسل ويسقى او يعلق عليه وفي اسماء الله تعالى وذكره خاصية قمع الشياطين وإذلالهم ولأنفاس اهل الحق تأثيرات عجيبة لانهم تركوا الشهوات ولزموا العبادات على الوجه الشرعي وظهر لهم حكم قوله تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ولذا يطيعهم الجن والشياطين ويستعبدونهم كما استعبدها سليمان عليه السلام بتسخير الله تعالى وأقداره- حكى- حضرة الهدائى قدس سره في واقعاته عن شيخه حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى انه أرسل ورقة الى سلطان الجن لاجل مصروع فامتثل امره وعظمه وضرب عنق الصارع فخلص المصروع: قال في المثنوى
هر پيمبر فرد آمد در جهان | فرد بود وصد جهانش در نهان |
عالم كبرى بقدرت سحره كرد | كرد خود را در كهين نقشى نورد |
ابلهانش فرد ديدند وضعيف | كى ضعيفست آنكه باشد شد حريف |
أَلَمْ تَعْلَمْ الخطاب للنبى عليه السلام ومعنى الاستفهام تقرير اى انك تعلم أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على النسخ والإتيان بمثل المنسوخ وبما هو خير أَلَمْ تَعْلَمْ وخصه عليه السلام بالخطاب مع ان غيره داخل في الخطاب ايضا حقيقة بناء على ان المقصود من الخطاب تقرير علم المخاطب بما ذكر ولا أحد من البشر اعلم بذلك منه عليه السلام إذ قد وقف من اسرار ملكوت السموات والأرض على ما لا يطلع عليه غيره وعلم غيره بالنسبة الى علمه عليه السلام ملحق بالعدم لان علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد عليه السلام بهذه المنزلة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو كالدليل على قوله أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والملك تمام القدرة واستحكامها وتخصيص السموات والأرض بالذكر وان كان الله تعالى له ملك الدنيا والآخرة جميعا لكونهما أعظم المصنوعة وأعجبها شأنا وَما لَكُمْ ايها المؤمنون مِنْ دُونِ اللَّهِ اى سوى الله وهو في حيز النصب على الحالية من الولي لانه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا مِنْ زائدة للاستغراق وَلِيٍّ قريب وصديق وقيل وال وهو القيم بالأمور وَلا نَصِيرٍ اى معين ومانع والفرق بين الولي والنصير ان الولي قد يضعف عن النصرة والنصير قد يكون أجنبيا عن المنصور والمقصود التسكين لقلوب المؤمنين بان الله وليهم وناصرهم دون غيره فلا يجوز الاعتماد الا عليه ولا يصح الالتجاء الا اليه والمعنى ان قضية العلم بما ذكر من الأمور الثلاثة وهو العلم ب أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والعلم ب أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والعلم بان ليس لهم مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ هو الجزم والإيقان بانه تعالى لا يفعل بهم في امر من امور دينهم او دنياهم الا ما هو خير لهم والعمل بموجبه شىء من الثقة والتوكل عليه وتفويض الأمر اليه من غير إصغاء الى أقاويل الكفرة وتشكيكاتهم التي هي من جملتها ما قالوا في امر النسخ أَمْ تُرِيدُونَ أم معادلة للهمزة في ألم تعلم اى ألم تعلموا انه مالك الأمور وقادر على الأشياء كلها يأمر وينهى كما أراد أم تعلمون وتقترحون بالسؤال كما اقترحت اليهود على موسى عليه السلام والمراد توصية المسلمين بالثقة به وترك الاقتراح عليه وهو المفاجأة بالسؤال من غير روية وفكر أَنْ تَسْئَلُوا وأنتم مؤمنون رَسُولَكُمْ وهو في تلك الرتبة من علو الشأن وتقترحوا عليه ما تشتهون غير واثقين باموركم بفضل الله تعالى حسبما يوجبه قضية علمكم بشؤونه تعالى قيل لعلهم كانوا يطلبون منه عليه السلام بيان تفاصيل الحكم الداعية الى النسخ كَما سُئِلَ مُوسى مصدر تشبيهى اى نعت لمصدر مؤكد محذوف وما مصدرية اى سؤالا مشبها بسؤال موسى عليه السلام حيث قيل له اجعل لنا الها وأرنا الله جهرة وغير ذلك مِنْ قَبْلُ اى من قبل محمد ﷺ متعلق بسئل جيئ به للتأكيد وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ اى يختره ويأخذه لنفسه بِالْإِيمانِ بمقابلته بدلا منه وحاصله ومن يترك الثقة بالآيات البينة المنزلة بحسب المصالح التي من جملتها الآيات الناسخة التي هي خير محض وحق بحت واقترح غيرها فَقَدْ ضَلَّ اى عدل وحار من حيث لا يدرى سَواءَ السَّبِيلِ عن الطريق المستقيم الموصل
صفحة رقم 202