آيات من القرآن الكريم

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

ما أسمعهم وأبصرهم (١)، وللتعجب لفظان أحدهما: ما أكرم زيدا، وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ [البقرة: ١٧٥]، والثاني: أكرم يزيد وأسمع بهم وأبصر.
قال أبو علي: (وهذا مثال الأمر أقيم مقام الخبر، والمعنى: اسمعوا وأبصروا أي: صاروا ذوي سماع وإبصار، فوقع مثال الأمر هاهنا موقع الخبر، كما وقع مثال الخبر موقع الأمر في الدعاء في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يد فلان، وسلام عليك، وخير بين يديك ونحوه مما يراد به الدعاء، وهو على لفظ الخبر، ومثل هذا مما جاء في التنزيل قوله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] فهذا لفظه كلفظ أمثلة الأمر ومعناه الخبر، ألا ترى أنه لا وجه للأمر هاهنا وأن المعنى: يمده الرحمن مداد، ويدلك على أن المراد في هذا الخبر أن السمع والبصر وغيرهما من الأحداث لا يخاطب ولا يؤمر ولا ينهي، فليس للأمر هاهنا معنى ولا متوجه) (٢).
وموضع الباء مع ما بعدها من المنجر في قولك أكرم يزيد رفع، كما أن الباء في: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ﴾ (٣) كذلك، وذلك أن المتعجب منه وقع موقع الفاعل، وفاعل هذا الفعل المتعجب منه، فلذلك قلنا إن الجار مع المجرور في موضع رفع.
٣٩ - قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ أي: خوف يا محمد كفار مكة يوم الندامة يتحسر المسيء هلا أحسن العمل، والمحسن هلا إزداد من

(١) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣١٦، " إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٤.
(٢) ذكره مختصرًا في "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٠٥.
(٣) وردت في مواطن كثيرة ومنها ما ورد في سورة النساء الآية رقم: (٦).

صفحة رقم 250

الإحسان. وقال أكثر أهل التأويل: (يعني الحسرة حين يذبح الموت بين الفريقين، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، فلو مات أحد فرحا لمات أهل الجنة، ولو مات أحد حزنا لمات أهل النار) (١).
قال مقاتل: (لولا ما قضى الله من تخليد أهل النار فيها لماتوا حسرة حين رأوا ذلك) (٢). وهذا يروى مرفوعاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣).
قوله تعالى: ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ هو أي: فرغ من الحساب، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. والمعنى: إذ يقضى الأمر؛ لأنه لم

(١) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٧٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٧٤، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٣٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٣٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٠٩.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٣٧٤، "الكشف والبيان" ٣/ ٧ أ.
(٣) أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أهل النار النار وأدخل أهل الجنة الجنة يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي منادي: يا أهل الجنة تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون وكل قد رأوه فيقولون: نعم هذا الموت، ثم ينادي: يا أهل النار تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، وكلهم قد رأوه فيقولون: نعم هذا الموت، فيؤخذ فيذبح، ثم ينادي: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فذلك قوله: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ قال: أهل الدنيا في غفلة".
أخرجه البخاري في "كتاب التفسير" سورة مريم ٦/ ١١٧، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ٤/ ٢١٨٨، والترمذي في جامعه كتاب: التفسير سورة مريم ١٢/ ١٤، والدرامي كتاب: الرقائق، باب: ذبح الموت ٢/ ٣٢٩، وأحمد في "مسنده" ٣/ ٩، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ٣٠، والطبري في "جامع البيان" ١٦/ ٨٧، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٨٩ وزاد في نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

صفحة رقم 251
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية