آيات من القرآن الكريم

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

قوله: ﴿وَقَرِّي عَيْناً﴾ :«عَيْناً» نصبٌ على التمييز منقولٌ من الفاعل، إذ الأصلُ: لِتَقَرَّ عينُك. والعامَّة على فتحِ القاف مِنْ «قَرِّيْ» أمراً مِنْ قَرَّتْ عَيْنُه تَقَرُّ، بكسر العين في الماضي، وفتحِها في المضارع.
وقُرِئ بكسرِ القاف، وهي لغةُ نجدٍ يقولون: قَرَّتْ عينُه تَقِرُّ بفتح

صفحة رقم 589

العين في الماضي وكسرِها في المضارع، والمشهورُ أن مكسورَ العين في الماضي للعين، والمفتوحَها في المكان. يقال: قَرَرْتُ بالمكانِ أَقِرُّ به، وقد يُقال: قَرِرْتُ بالمكانِ بالكسر. وسيأتي ذلك في قولِه تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣].
وفي وَصْفِ العين بذلك تأويلان، أحدُهما: أنَّه مأخوذٌ مِنَ «القُرّ» وهو البَرْدُ: وذلك أنَّ العينَ إذا فَرِح صاحبُها كان دَمْعُها قارَّاً أي بارداً، وإذا حَزِن كان حَرَّاً ولذلك قالوا في الدعاء عليه: «أَسْخَنَ اللهُ عينَه»، وفي الدعاء له: «أقرَّ اللهُ عينَه. وما أَحْلى قولَ أبي تمام:

٣٢٣ - ٠- فأمَّا عيونُ العاشِقينَ فَأُسْخِنَتْ وأمَّا عيونُ الشامتينَ فَقَرَّتِ
والثاني: أنه مأخوذٌ من الاستقرار، والمعنى: أعطاه الله ما يُسَكِّنُ عينَه فلا تطمحُ إلى غيره.
قوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ﴾ دخلت»
إنْ «الشرطية على» ما «الزائدة للتوكيد، فَأُدْغِمت فيها، وكُتِبَتْ متصلةً. و» تَرَيْنَ «تقدَّم تصريفُه. والعامَّةُ على صريح الياء المكسورة وقرأ أبو عمروٍ في رواية» تَرَئِنَّ «بهمزة مكسورةٍ بدلَ

صفحة رقم 590

الياء، وكذلك رُوي عنه» لَتَرَؤُنَّ «بإبدالِ الواوِ همزةُ. قال الزمخشري:» هذا مِنْ لغةِ مَنْ يقول: لَبَأْتُ بالحَجِّ وحَلأْتُ السَّوِيْقَ «- يعني بالهمز - وذلك لتآخٍ بين الهمز وحروف اللين». وتجرَّأ ابن خالَوَيْة على أبي عمرو فقال: «هو لحنٌ عند أكثر النحويين».
وقرأ أبو جعفر قارئُ المدينةِ وشيبة وطلحة «تَرَيْنَ» بياءٍ ساكنة ونونٍ خفيفة. قال ابن جني: «وهي شاذَّةٌ». قلت: لأنه كان ينبغي أَنْ يُؤَثِّر الجازمُ، وتُحذفَ نونُ الرفع. كقول الأَفْوه:

٣٢٣ - ١- إمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ أَزْرَى به ماسُ زمانٍ ذيٍ انتكاثٍ مَؤُؤْسِ
ولم يؤثِّرْ هنا شُذوذاً. وهذا نظيرُ قولِ الآخر:
٣٢٣ - ٢- لولا فَوارسُ مِنْ نُعْمٍ وأُسْرَتِهِمْ يومَ الصُّلَيْفاءِ لم يُوفُوْنَ بالجارِ
فلم يُعْمِلْ «لم»، وأبقى نونَ الرفعِ.
و «من البشر» حالٌ من «أحداً» لأنه لو تأخَّر لكان وصفاً. وقال أبو البقاء: «أو مفعول» يعني أنه متلِّعق بنفسِ الفعل قبله.
قوله: فَقُولِيْ «بين هذا الجوابِ وشرطِه جملةٌ محذوفةٌ، تقديرُه: فإمَّا

صفحة رقم 591

تَرَيْنَّ من البشر أحداً فسألكِ الكلامَ فَقُولي. وبهذا المقدَّر نَخْلُصُ من إشكالٍ: وهو أنَّ قولَها ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً﴾ / كلامٌ، فيكون ذلك تناقضاً؛ لأنها قد كَلَّمَتْ إنْسِيَّاً بهذا الكلامِ. وجوابُه ما تَقَدَّم: وقيل: المرادُ بقوله» فقُولي «إلى آخره، أنه بالإِشارة. وليس بشيء. بل المعنى: فلن أكلِّمَ اليومَ إنْسِيَّاً بعد هذا الكلامِ.
وقرأ زيد بن علي»
صِياماً «بدل» صوم «، وهما مصدران.

صفحة رقم 592
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية