
أمر الخضر حتى أقام الجدار لأن لا ينهدم.
وقولى تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ منصوب على ضربين: أحدهما: على معنى أراد ذلك للرحمة، كما تقول: أنقذتك من الهلكة رحمة لك، والثاني: أن يكون منصوبًا على المصدر؛ لأن ما تقدم من الكلام معناه: رحمهما الله بذلك. وهذا معنى قول أبي إسحاق (١).
وقوله تعالى: (﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ قال ابن عباس: (يريد انكشف لي من الله علم فعملت به ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ﴾ قال: يريد هذا تفسير ﴿مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾) (٢). وتسطع بمعنى تستطيع، ويذكر الكلام فيه عند قوله: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ إن شاء الله.
٨٣ - قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ الآية. قد ذكرنا أن اليهود سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الروح، وقصة أصحاب الكهف، وعن رجل طواف بلغ شرق الأرض وغربها؟ فكان من جوابه في الروح وقصة أصحاب الكهف ما تقدم (٣).
واختلفوا في ذي القرنين فقال مجاهد: (كان نبيا) (٤). وهو قول عبد
(٢) "مجمع البيان" ٦/ ٧٥٤، وذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٦، "بحر العلوم" ٢/ ٣١٠، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٦، "لباب التأويل" ٤/ ٢٢٨، "زاد المسير" ٥/ ١٨٢، "الكشاف" ٢/ ٤٩٦.
(٣) سبق توثيقه عند قوله سبحانه في سورة الكهف (٩): ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٨، ذكروه بدون نسبة.

الله بن عمرو (١). وقال علي -رضي الله عنه-: (كان عبدًا صالحًا أحب الله فأحبه الله، وناصح الله فنصحه الله) (٢).
وروى عقبة بن عامر (٣) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول أمره أنه كان غلامًا من الروم أعطي ملكًا" (٤). فهو ملك على هذا القول.
وروى خالد بن معدان (٥): (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سمع رجلاً
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٥.
(٣) عقبة بن عامر بن عيسى بن عمرو بن عدي بن عمرو الجهني، أبو حماد، ويقال أبو عمرو، روى عن عمر بن الخطاب، وروى عنه: أبو أمامة، وابن عباس، وقيس بن أبي حازم وغيرهم، ولي أمرة مصر من قبل معاوية -رضي الله عنه- سنة ٥٨ هـ، وكان من القراء، عالمًا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، يجيد الشعر والكتابة، شهد أحد، وتوفي في آخر خلافة معاوية رضي عنهما.
انظر: "أسد الغابة" ٣/ ٥٥٠، "الإصابة" ٤/ ٢٥٠، و"الجرح والتعديل" ٦/ ٣١٣، "تهذيب التهذيب" ٧/ ٢١٦.
(٤) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" ١٦/ ٨ بسنده عن عقبة بن عام، وذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٨٨ وقال: وهو حديث واهي السند. وأورده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٢ قال: وفيه طول ونكاره ورفعه لا يصح وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره ساقه في كتابه دلائل النبوة وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني وهو ابن قيليس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، وأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه.
وأخرجه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٦ وعزاه لابن عبد الحكم في فتح مصر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر.
(٥) خالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي، أبو عبد الله، الشامي، الحمصي، روى عن ثوبان وابن عمر وغيرهما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه عدد من التابعين، توفي =

يقول: يا ذا القرنين. فقال: اللهم غفرا، أما رضيتم أن تتسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة) (١). والله أعلم أي: ذلك كان.
واختلفوا أيضًا في تسميته بذي القرنين فقال علي -رضي الله عنه-: (دعا قومه إلى الله فضربوا على قرنه (٢) الأيمن فمات، فأحياه الله، ثم دعا قومه إلى الله فضربوا على قرنه الأيسر فمات، فأحياه الله فسمي ذو القرنين) (٣).
قال أبو إسحاق: (ويجوز على مذهب أهل اللغة أن يكون سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قطري الأرض، مشرق الأرض ومغربها) (٤). وهذا قول الزهري قال: (إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرنها من مطلعها) (٥).
وقال محمد بن إسحاق عن وهب: (إنما سمي [ذا القرنين؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس) (٦). ويقال: (إنما سمي] (٧)؛ لأنه كانت له
انظر: "تاريخ الثقات" ص ١٤٢، "الكاشف" ١/ ٢٠٨، "تهذيب التهذيب" ٢/ ١١٨.
(١) "معالم التنزيل" ٣/ ١٩٨، "الكشاف" ٢/ ٤٠٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٤٦.
(٢) في (ص، س): (قرية)، وهو تصحيف.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٩٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "الدر المنثور" ٤/ ٤٣٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٨.
(٥) "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٨، "النكت والعيون" ٣/ ٣٣٧، "تهذيب اللغة" (قرن) ٣/ ٢٩٤٧.
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٩، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٥/ ١٨٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١١٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).