آيات من القرآن الكريم

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَت الْيَهُود للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُحَمَّد إِنَّمَا تذكر إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى والنبيين أَنَّك سَمِعت ذكرهم منّا فَأخْبرنَا عَن نَبِي لم يذكرهُ الله فِي التَّوْرَاة إِلَّا فِي مَكَان وَاحِد
قَالَ: وَمن هُوَ قَالُوا: ذُو القرنين
قَالَ: مَا بَلغنِي عَنهُ شَيْء
فَخَرجُوا فرحين وَقد غلبوا فِي أنفسهم فَلم يبلغُوا بَاب الْبَيْت حَتَّى نزل جِبْرِيل بهؤلاء الْآيَات ﴿ويسألونك عَن ذِي القرنين قل سأتلو عَلَيْكُم مِنْهُ ذكرا﴾
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: دخل بعض أهل الْكتاب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم كَيفَ تَقول فِي رجل كَانَ يسيح فِي الأَرْض قَالَ: لَا علم لي بِهِ
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ سمعُوا نقيضاً فب السّقف وَوجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غمَّة الْوَحْي ثمَّ سري عَنهُ فَتلا ﴿ويسألونك عَن ذِي القرنين﴾ الْآيَة
فَلَمَّا ذكر السد قَالُوا: أَتَاك خَبره يَا أَبَا الْقَاسِم حَسبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَدْرِي أتبع كَانَ لعيناً أم لَا وَمَا أَدْرِي أذو القرنين كَانَ نَبيا أم لَا وَمَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا أم لَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: سُئِلَ عَليّ عَن ذِي القرنين: أَنَبِي هُوَ فَقَالَ: سَمِعت نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هُوَ عبد نَاصح الله فنصحه
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الطُّفَيْل أَن ابْن الْكواء سَأَلَ عليّ بن أبي طَالب عَن ذِي القرنين: أَنَبِيًّا كَانَ أم ملكا قَالَ: لم يكن نَبيا وَلَا ملكا وَلَكِن

صفحة رقم 435

كَانَ عبدا صَالحا أحب الله فَأَحبهُ ونصح لله فنصحه
بَعثه الله إِلَى قومه فضربوه على قرنه فَمَاتَ ثمَّ أَحْيَاهُ الله لجهادهم
ثمَّ بَعثه إِلَى قومه فضربوه على قرنه الآخر فَمَاتَ فأحياه الله لجهادهم
فَلذَلِك سمي ذَا القرنين وَإِن فِيكُم مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ذُو القرنين نَبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: هُوَ ملك مسح الأَرْض بِالْإِحْسَانِ
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن خَالِد بن معدان الكلَاعِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: ملك مسح الأَرْض من تحتهَا بالأسباب
وَأخرج ابْن عبد الحكم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر أَنه سمع رجلا يُنَادي بمنى: يَا ذَا القرنين فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: هَا أَنْتُم قد سميتم بأسماء الْأَنْبِيَاء فَمَا بالكم وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير أَن ذَا القرنين ملك من الْمَلَائِكَة أهبطه الله إِلَى الأَرْض وآتاه من كل شَيْء سَببا
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن جُبَير بن نفير أَن أحباراً من الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَدثنَا عَن ذِي القرنين إِن كنت نَبيا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ ملك مسح الأَرْض بالأسباب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ نَذِير وَاحِد بلغ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ذُو القرنين بلغ السدين وَكَانَ نذيراً وَلم أسمع بِحَق أَنه كَانَ نَبيا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الورقاء قَالَ: قلت لعَلي بن أبي طَالب: ذُو القرنين مَا كَانَ قرناه قَالَ: لَعَلَّك تحسب أَن قرنيه ذهب أَو فضَّة كَانَ نَبيا فَبَعثه الله إِلَى أنَاس فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى فَقَامَ رجل فَضرب قرنه الْأَيْسَر فَمَاتَ ثمَّ بَعثه الله فأحياه ثمَّ بَعثه إِلَى نَاس فَقَامَ رجل فَضرب قرنه الْأَيْمن فَمَاتَ فَسَماهُ الله ذَا القرنين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: إِنَّمَا سمي ذُو القرنين ذَا القرنين لشجتين شجهما على قرنيه فِي الله وَكَانَ أسود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه أَن ذَا القرنين أول من لبس الْعِمَامَة

صفحة رقم 436

وَذَاكَ أَنه كَانَ فِي رَأسه قرنان كالظلفين متحركان فَلبس الْعِمَامَة من أجل ذَلِك وَأَنه دخل الْحمام وَدخل كَاتبه مَعَه فَوضع ذُو القرنين الْعِمَامَة فَقَالَ لكَاتبه: هَذَا أَمر لم يطلع عَلَيْهِ خلق غَيْرك فَإِن سَمِعت بِهِ من أحد قتلتك
فَخرج الْكَاتِب من الْحمام فَأَخذه كَهَيئَةِ الْمَوْت فَأتى الصَّحرَاء فَوضع فَمه بِالْأَرْضِ ثمَّ نَادَى: أَلا إِن للْملك قرنين
فأنبت الله من كَلمته قصبتين فَمر بهما رَاع فأعجب بهما فقطعهما واتخذهما مِزْمَارًا فَكَانَ إِذا زمر خرج من القصبتين: أَلا إِن للْملك قرنين
فانتشر ذَلِك فِي الْمَدِينَة فَأرْسل ذُو القرنين إِلَى الْكَاتِب فَقَالَ: لتصدقني أَو لأقْتُلَنّكَ
فَقص عَلَيْهِ الْكَاتِب الْقِصَّة فَقَالَ ذُو القرنين: هَذَا أَمر أرد الله أَن يبديه
فَوضع الْعِمَامَة عَن رَأسه
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: كنت أخدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت ذَات يَوْم فَإِذا أَنا بِرِجَال من أهل الْكتاب بِالْبَابِ مَعَهم مصاحف فَقَالُوا: من يسْتَأْذن لنا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: مَا لي وَلَهُم سَأَلُونِي عَمَّا لَا أَدْرِي إِنَّمَا أَنا عبد لَا أعلم إِلَّا مَا أعلمني رَبِّي عز وَجل
ثمَّ قَالَ: ابغني وضُوءًا فَأَتَيْته بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف فَقَالَ - وَأَنا أرى السرُور والبشر فِي وَجهه - أَدخل الْقَوْم عليَّ وَمن كَانَ من أَصْحَابِي فَأدْخلهُ أَيْضا عليّ فَأَذنت لَهُم فَدَخَلُوا فَقَالَ: إِن شِئْتُم أَخْبَرتكُم بِمَا جئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنهُ من قبل أَن تكلمُوا وَإِن شِئْتُم فتكلموا قبل أَن أَقُول
قَالُوا: بل فَأخْبرنَا
قَالَ: جئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَن ذِي القرنين إِن أول أمره أَنه كَانَ غُلَاما من الرّوم أعطي ملكا فَسَار حَتَّى أَتَى سَاحل أَرض مصر فابتنى مَدِينَة يُقَال لَهَا اسكندرية فَلَمَّا فرغ من شَأْنهَا بعث الله عز وَجل إِلَيْهِ ملكا فعرج بِهِ فاستعلى بَين السَّمَاء ثمَّ قَالَ لَهُ: انْظُر مَا تَحْتك
فَقَالَ: أرى مدينتي وَأرى مَدَائِن مَعهَا ثمَّ عرج بِهِ فَقَالَ: انْظُر
فَقَالَ: قد اخْتلطت مَعَ الْمَدَائِن فَلَا أعرفهَا ثمَّ زَاد فَقَالَ انْظُر: قَالَ: أرى مدينتي وَحدهَا وَلَا أرى غَيرهَا
قَالَ لَهُ الْملك: إِنَّهَا تِلْكَ الأَرْض كلهَا وَالَّذِي ترى يُحِيط بهَا هُوَ الْبَحْر وَإِنَّمَا أَرَادَ ربّك أَن يُرِيك الأَرْض وَقد جعل لَك سُلْطَانا فِيهَا فسر فِيهَا فَعلم الْجَاهِل وَثَبت الْعَالم فَسَار حَتَّى بلغ مغرب الشَّمْس ثمَّ سَار حَتَّى بلغ مطلع الشَّمْس ثمَّ أَتَى السدين وهما جبلان لينان يزلق عَنْهُمَا كل شَيْء فَبنى السد ثمَّ اجتاز يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَوجدَ قوما وُجُوههم وُجُوه الْكلاب يُقَاتلُون يَأْجُوج

صفحة رقم 437

وَمَأْجُوج ثمَّ قطعهم فَوجدَ أمة قصاراً يُقَاتلُون الْقَوْم الَّذين وُجُوههم وُجُوه الْكلاب وَوجد أمة من الغرانيق يُقَاتلُون الْقَوْم الْقصار ثمَّ مضى فَوجدَ أمة من الْحَيَّات تلتقم الْحَيَّة مِنْهَا الصَّخْرَة الْعَظِيمَة ثمَّ مضى إِلَى الْبَحْر الدائر بِالْأَرْضِ فَقَالُوا: نشْهد أَن أمره هَكَذَا كَمَا ذكرت وَإِنَّا نجده هَكَذَا فِي كتَابنَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُلَيْمَان بن الْأَشَج صَاحب كَعْب الْأَحْبَار أَن ذَا القرنين كَانَ رجلا طَوافا صَالحا فَلَمَّا وقف على جبل آدم الَّذِي هَبَط عَلَيْهِ وَنظر إِلَى أَثَره هاله فَقَالَ لَهُ الْخضر: - وَكَانَ صَاحب لوائه الْأَكْبَر - مَالك أَيهَا الْملك قَالَ: هَذَا أثر الْآدَمِيّين
أرى مَوضِع الْكَفَّيْنِ والقدمين وَهَذِه القرحة وَأرى هَذِه الْأَشْجَار حوله قَائِمَة يابسة يسيل مِنْهَا مَاء أَحْمَر إِن لَهَا لشأناً
فَقَالَ لَهُ الْخضر: - وَكَانَ قد أعطي الْعلم والفهم - أَيهَا الْملك أَلا ترى الورقة الْمُعَلقَة من النَّخْلَة الْكَبِيرَة قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهِيَ تخبرك بشأن هَذَا الْموضع
- وَكَانَ الْخضر يقْرَأ كل كتاب - فَقَالَ: أَيهَا الْملك أرى كتابا فِيهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من آدم أبي الْبشر أوصيكم ذريتي وبناتي أَن تحذروا عدوي وَعَدُوكُمْ إِبْلِيس الَّذِي كَانَ يلين كَلَامه وفجور أمْنِيته أنزلني من الفردوس إِلَى تربة الدُّنْيَا وألقيت على موضعي هَذَا لَا يلْتَفت إليّ مِائَتي سنة بخطيئة وَاحِدَة حَتَّى درست فِي الأَرْض وَهَذَا أثري وَهَذِه الْأَشْجَار من دموع عَيْني فعلي فِي هَذِه التربة أنزلت التَّوْبَة فتوبوا من قبل أَن تندموا وباردوا من قبل أَن يُبَادر بكم وَقدمُوا من قبل أَن يقدم بكم
فَنزل ذُو القرنين فَمسح مَوضِع جُلُوس آدم فَإِذا هُوَ ثَمَانُون وَمِائَة ميل ثمَّ أحصى الْأَشْجَار فَإِذا هِيَ تِسْعمائَة شَجَرَة كلهَا من دموع آدم نَبتَت فَلَمَّا قتل قابيل هابيل تحولت يابسة وَهِي تبْكي دَمًا أَحْمَر فَقَالَ ذُو القرنين للخضر: ارْجع بِنَا فَلَا طلبت الدُّنْيَا بعْدهَا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن السّديّ قَالَ: كَانَ أنف الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة أَذْرع
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أنف الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة أَذْرع
وَأخرج ابْن عبد الحكم وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب عَن عبيد بن يعلى قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قرنان صغيران تواريهما الْعِمَامَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن

صفحة رقم 438

وهب بن مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: لم يُوح إِلَيْهِ وَكَانَ ملكا
قيل: فَلم سمي ذَا القرنين فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ أهل الْكتاب فَقَالَ بَعضهم: ملك الرّوم وَفَارِس وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه كَانَ فِي رَأسه شبه القرنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكر بن مُضر أَن هِشَام بن عبد الْملك سَأَلَهُ عَن ذِي القرنين: أَكَانَ نَبيا فَقَالَ: لَا وَلكنه إِنَّمَا أعطي مَا أعطي بِأَرْبَع خِصَال كَانَ فِيهِ: كَانَ إِذا قدر عَفا وَإِذا وعد وفى وَإِذا حدث صدق وَلَا يجمع الْيَوْم لغد
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن يُونُس بن عبيد قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ غديرتان من رَأسه من شعر يطَأ فيهمَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ قرن مَا بَين مطلع الشَّمْس وَمَغْرِبهَا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ بلغ قرن الشَّمْس من مغْرِبهَا وَقرن الشَّمْس من مطْلعهَا
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ: الْإِسْكَنْدَر هُوَ ذُو القرنين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَمَّن يَسُوق أَحَادِيث الْأَعَاجِم من أهل الْكتاب مِمَّن قد أسلم فِيمَا توارثوا من علمه أَن ذَا القرنين كَانَ رجلا صَالحا من أهل مصر اسْمه مرزيا بن مرزية اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبيد بن عُمَيْر أَن ذَا القرنين حج مَاشِيا فَسمع بِهِ إِبْرَاهِيم فَتَلقاهُ
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن قَتَادَة قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عقيصتان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَن ذَا القرنين كَانَ من سوّاس الرّوم يسوس أَمرهم فخيّر بَين ذلال السَّحَاب وصعابها فَاخْتَارَ ذلالها فَكَانَ يركب عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ - وَكَانَ لَهُ علم الْأَحَادِيث الأولى - أَنه كَانَ يَقُول: كَانَ ذُو القرنين رجلا من الرّوم ابْن عَجُوز من عجائزهم لَيْسَ لَهَا ولد غَيره وَكَانَ اسْمه الْإِسْكَنْدَر وَإِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَن صفحتي رَأسه كَانَتَا من نُحَاس فَلَمَّا

صفحة رقم 439

بلغ وَكَانَ عبدا صَالحا قَالَ الله لَهُ: يَا ذَا القرنين إِنِّي باعثك إِلَى أُمَم الأَرْض مِنْهُم أمتان بَينهمَا طول الأَرْض كلهَا وَمِنْهُم أمتان بَينهمَا عرض الأَرْض كلهَا فِي وسط الأَرْض مِنْهُم الْإِنْس وَالْجِنّ ويأجوج وَمَأْجُوج فَأَما اللَّتَان بَينهمَا طول الأَرْض فأمة عِنْد مغرب الشَّمْس يُقَال لَهَا ناسك وَأما الْأُخْرَى
فَعِنْدَ مطْلعهَا يُقَال لَهَا منسك وَأما اللَّتَان بَينهمَا عرض الأَرْض فأمة فِي قطر الأَرْض الْأَيْمن يُقَال لَهَا هاويل وَأما الْأُخْرَى الَّتِي فِي قطر الأَرْض الْأَيْسَر فأمة يُقَال لَهَا تَأْوِيل
فَلَمَّا قَالَ الله لَهُ ذَلِك قَالَ لَهُ ذُو القرنين: يَا إلهي أَنْت قد ندبتني لأمر عَظِيم لَا يقدر قدره إِلَّا أَنْت فَأَخْبرنِي عَن هَذِه الْأُمَم الَّتِي تبعثني إِلَيْهَا بِأَيّ قُوَّة أكابرهم وَبِأَيِّ جمع أكاثرهم وَبِأَيِّ حِيلَة أكايدهم وَبِأَيِّ لِسَان أناطقهم وَكَيف لي بِأَن أحاربهم وَبِأَيِّ سمع أعي قَوْلهم وَبِأَيِّ بصر أنفذهم وَبِأَيِّ حجَّة أخاصمهم وَبِأَيِّ قلب أَعقل عَنْهُم وَبِأَيِّ حِكْمَة أدبر أَمرهم وَبِأَيِّ قسط أعدل بَينهم وَبِأَيِّ حلم أصابرهم وَبِأَيِّ معرفَة أفصل بَينهم وَبِأَيِّ علم أتقن أَمرهم وَبِأَيِّ يَد أسطو عَلَيْهِم وَبِأَيِّ رجل أطؤهم وَبِأَيِّ طَاقَة أخصمهم وَبِأَيِّ جند أقاتلهم وَبِأَيِّ رفق أستألفهم
وَإنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي يَا إلهي شَيْء مِمَّا ذكرت يقرن لَهُم وَلَا يقوى عَلَيْهِم وَلَا يطيقهم وَأَنت الرب الرَّحِيم الَّذِي لَا يُكَلف نفسا وَلَا يحملهَا إِلَّا طاقتها وَلَا يعنتها وَلَا يفدحها بل يرأفها ويرحمها
فَقَالَ لَهُ الله عز وَجل: إِنِّي سأطوقك مَا حَملتك أشرح لَك صدرك فيتسع لكل شَيْء وأشرح لَك فهمك فتفقه كل شَيْء وأبسط لَك لسَانك فَتَنْطِق بِكُل شَيْء وأفتح لَك سَمعك فتعي كل شَيْء وأمد لَك بَصرك فتنفذ كل شَيْء وَأدبر لَك أَمرك فتتقن كل شَيْء وأحصر لَك فَلَا يفوتك شَيْء وأحفظ عَلَيْك فَلَا يغرب عَنْك شَيْء وَأَشد ظهرك فَلَا يهدك شَيْء وَأَشد لَك ركبك فَلَا يَغْلِبك شَيْء وَأَشد لَك قَلْبك فَلَا يروعك شَيْء وَأَشد لَك عقلك فَلَا يهولك شَيْء وأبسط لَك يَديك فيسطوان فَوق كل شَيْء وألبسك الهيبة فَلَا يروعك شَيْء
وأسخر لَك النُّور والظلمة فأجعلهما جنداً من جنودك يهديك النُّور من أمامك وتحوطك الظلمَة من ورائك
فَلَمَّا قيل لَهُ ذَلِك انْطلق يؤم الْأمة الَّتِي عِنْد مغرب الشَّمْس فَلَمَّا بَلغهُمْ وجد جمعا وعدداً لَا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى وَقُوَّة وبأساً لَا يطيقه إِلَّا الله وألسنة مُخْتَلفَة وأموراً مشتبهة وَأَهْوَاء مشتتة وَقُلُوبًا مُتَفَرِّقَة فَلَمَّا رأى ذَلِك كابرهم بالظلمة وَضرب

صفحة رقم 440

حَولهمْ ثَلَاثَة عَسَاكِر مِنْهَا وأحاطت بهم من كل جَانب وحاشدهم حَتَّى جمعهم فِي مَكَان وَاحِد ثمَّ دخل عَلَيْهِم بِالنورِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وعبادته
فَمنهمْ من آمن وَمِنْهُم من صدّ عَنهُ فَعمد إِلَى الَّذين توَلّوا عَنهُ فَأدْخل عَلَيْهِم الظلمَة فَدخلت فِي أَفْوَاههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم وَدخلت فِي بُيُوتهم ودورهم وَغَشِيَتْهُمْ من فَوْقهم وَمن تَحْتهم وَمن كل جَانب مِنْهُم فماجوا فِيهَا وتحيروا فَلَمَّا أشفقوا أَن يهْلكُوا فِيهَا عجوا إِلَيْهِ بِصَوْت وَاحِد فكشف عَنْهُم وَأَخذهم عنْوَة فَدَخَلُوا فِي دَعوته فجند من أهل الْمغرب أمماً عَظِيمَة فجعلهم جنداً وَاحِدًا ثمَّ انْطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خَلفهم وتحرسهم من حَولهمْ والنور من أَمَامه يَقُودهُ ويدله وَهُوَ يسير فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُمْنَى وَهُوَ يُرِيد الْأمة الَّتِي فِي قطر الأَرْض الْأَيْمن الَّتِي يُقَال لَهَا هاويل
وسخر الله يَده وَقَلبه ورأيه وَنَظره وائتماره فَلَا يُخطئ إِذا ائتمر وَإِذا عمل عملا أتقنه فَانْطَلق يَقُود تِلْكَ الْأُمَم وَهِي تتبعه
فَإِذا انْتهى إِلَى بَحر أَو مخاضة بنى سفناً من أَلْوَاح صغَار أَمْثَال البغال فنظمها فِي سَاعَة وَاحِدَة ثمَّ حمل فِيهَا جَمِيع من مَعَه من تِلْكَ الْأُمَم وَتلك الْجنُود فَإِذا قطع الْأَنْهَار والبحار فتقها ثمَّ دفع إِلَى كل إِنْسَان لوحاً فَلَا يكربه حمله فَلم يزل ذَلِك دأبه حَتَّى انْتهى إِلَى هاويل فَعمل فيهم كعمله فِي ناسك فَلَمَّا فرغ مِنْهُم مضى على وَجهه فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُمْنَى حَتَّى انْتهى إِلَى منسك عِنْد مطلع الشَّمْس فَعمل فِيهَا وجند مِنْهَا جُنُودا كَفِعْلِهِ فِي الأمتين اللَّتَيْنِ قبلهمَا ثمَّ كرّ مُقبلا فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُسْرَى وَهُوَ يُرِيد تاويل - وَهِي الْأمة اللتي بحيال هاويل وهما متقابلتان بَينهمَا عرض الأَرْض كلهَا - فَلَمَّا بلغَهَا عمل فِيهَا وجند مِنْهَا كَفِعْلِهِ فِيمَا قبلهَا فَلَمَّا فرغ مِنْهَا عطف مِنْهَا إِلَى الْأُمَم الَّتِي فِي وسط الأَرْض من الْجِنّ وَسَائِر الْإِنْس ويأجوج وَمَأْجُوج
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق مِمَّا يَلِي مُنْقَطع أَرض التّرْك نَحْو الْمشرق قَالَ لَهُ أمة من الْإِنْس صَالِحَة: يَا ذَا القرنين إِن بَين هذَيْن الجبلين خلقا من خلق الله
كثيرا فيهم مشابهة من الْإِنْس وهم أشباه الْبَهَائِم وهم يَأْكُلُون العشب ويفترسون الدَّوَابّ والوحش كَمَا يفترسها السبَاع ويأكلون خشَاش الأَرْض كلهَا من الْحَيَّات والعقارب وكل ذِي روح مِمَّا خلق الله فِي الأَرْض وَلَيْسَ لله خلق يَنْمُو نماءهم فِي الْعَام الْوَاحِد وَلَا يزْدَاد كزيادتهم وَلَا يكثر ككثرتهم فَإِن كَانَت لَهُم كَثْرَة على مَا يرى من نمائهم وزيادتهم فَلَا شكّ أَنهم سيملأون الأَرْض ويجلون أَهلهَا ويظهرون عَلَيْهَا فيفسدون فِيهَا وَلَيْسَت تمر بِنَا سنة مُنْذُ جاورناهم ورأيناهم إِلَّا وَنحن

صفحة رقم 441

نتوقعهم وَنَنْظُر أَن يطلع علينا أوائلهم من هذَيْن الجبلين
فَهَل نجْعَل لَك خرجا على أَن تجْعَل بَيْننَا وَبينهمْ سداً قَالَ: مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير فَأَعِينُونِي بقوّة أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً اغدو إِلَى الصخور وَالْحَدِيد والنحاس حَتَّى أرتاد بِلَادهمْ وَأعلم علمهمْ وأقيس مَا بَين جبليهم
ثمَّ انْطلق يؤمهم حَتَّى دفع إِلَيْهِم وتوسط بِلَادهمْ فَإِذا هم على مِقْدَار وَاحِد
أنثاهم وَذكرهمْ مبلغ طول الْوَاحِد مِنْهُم مثل نصف الرجل المربوع منا لَهُم مخاليب فِي مَوَاضِع الْأَظْفَار من أَيْدِينَا وَلَهُم أَنْيَاب وأضراس كأضراس السبَاع وأنيابها وأحناك كأحناك الْإِبِل قُوَّة يسمع لَهُ حَرَكَة إِذا أكل كحركة الجرة من الْإِبِل أَو كقضم الْفَحْل المسن أَو الْفرس الْقوي وهم صلب عَلَيْهِم من الشّعْر فِي أَجْسَادهم مَا يواريهم وَمَا يَتَّقُونَ بِهِ من الْحر وَالْبرد إِذا أَصَابَهُم وَلكُل وَاحِد مِنْهُم أذنان عظيمتان إِحْدَاهمَا وبرة ظهرهَا وبطنها وَالْأُخْرَى زغبة ظهرهَا وبطنها
تسعانه إِذا لبسهما يلبس إِحْدَاهمَا ويفترش الْأُخْرَى ويصيف فِي إِحْدَاهمَا ويشتو فِي الْأُخْرَى وَلَيْسَ مِنْهُم ذكر وَلَا أُنْثَى إِلَّا وَقد عرف أَجله الَّذِي يَمُوت فِيهِ ومنقطع عمره وَذَلِكَ أَنه لَا يَمُوت ميت من ذكورهم حَتَّى يخرج من صلبه ألف ولد وَلَا تَمُوت الْأُنْثَى حَتَّى يخرج من رَحمهَا ألف ولد فَإِذا كَانَ ذَلِك أَيقَن بِالْمَوْتِ وتهيأ لَهُ
وهم يرْزقُونَ التنين فِي زمَان الرّبيع ويستمطرونه إِذا تحينوه كَمَا يستمطر الْغَيْث لحينه فيقذفون مِنْهُ كل سنة بِوَاحِد فيأكلونه عَامهمْ كُله إِلَى مثلهَا من قَابل فيعينهم على كثرتهم وَمَا هم فِيهِ فَإِذا أمطروا أخصبوا وعاشوا وسهئوا ورؤي أَثَره عَلَيْهِم فَدرت عَلَيْهِم الْإِنَاث وشبقت مِنْهُم الذُّكُور وَإِذا أخطأهم هزلوا وأحدثوا وجفلت مِنْهُم الذُّكُور وأحالت الْإِنَاث وَتبين أثر ذَلِك عَلَيْهِم وهم يتداعون تداعي الْحمام ويعوون عوي الذئاب ويتسافدون حَيْثُمَا الْتَقَوْا تسافد الْبَهَائِم
ثمَّ لما عاين ذَلِك مِنْهُم ذُو القرنين انْصَرف إِلَى مَا بَين الصدفين فقاس مَا بَينهمَا - وَهِي فِي مُنْقَطع أَرض التّرْك مِمَّا يَلِي الشَّمْس - فَوجدَ بعد مَا بَينهمَا مائَة فَرسَخ فَلَمَّا أنشأ فِي عمله حفر لَهُ أساساً حَتَّى بلغ المَاء ثمَّ جعل عرضه خمسين فرسخاً وَجعل حشوه الصخور وطينه النّحاس يذاب ثمَّ يصب عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عرق من جبل تَحت الأَرْض ثمَّ علا وشرفه بزبر الْحَدِيد والنحاس الْمُذَاب وَجعل خلاله عرقاً من نُحَاس أصفر فَصَارَ كَأَنَّهُ محبر من صفرَة النّحاس وحمرته وَسَوَاد

صفحة رقم 442

الْحَدِيد فَلَمَّا فرغ مِنْهُ وَأحكم انْطلق عَامِدًا إِلَى جمَاعَة الْإِنْس وَالْجِنّ فَبَيْنَمَا هُوَ يسير إِذْ رفع إِلَى أمة صَالِحَة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ فَوجدَ أمة مقسطة يقتسمون بِالسَّوِيَّةِ ويحكمون بِالْعَدْلِ ويتأسون ويتراحمون
حَالهم وَاحِدَة وكلمتهم وَاحِدَة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مُسْتَقِيمَة وَقُلُوبهمْ مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بِأَبْوَاب بُيُوتهم وَلَيْسَ على بُيُوتهم أَبْوَاب وَلَيْسَ عَلَيْهِم أُمَرَاء وَلَيْسَ بَينهم قُضَاة وَلَيْسَ فيهم أَغْنِيَاء وَلَا مُلُوك وَلَا أَشْرَاف وَلَا يتفاوتون وَلَا يتفاضلون وَلَا يتنازعون وَلَا يستّبون وَلَا يقتتلون وَلَا يقحطون وَلَا يحردون وَلَا تصيبهم الْآفَات الَّتِي تصيب النَّاس وهم أطول النَّاس أعماراً وَلَيْسَ فيهم مِسْكين وَلَا فَقير وَلَا فظ وَلَا غليظ
فَلَمَّا رأى ذَلِك ذُو القرنين من أَمرهم أعجب مِنْهُم وَقَالَ لَهُم: أخبروني أَيهَا الْقَوْم خبركم فَإِنِّي قد أحصيت الأَرْض كلهَا
برهَا وبحرها وشرقها وغربها ونورها وظلمتها
فَلم أجد فِيهَا أحدا مثلكُمْ
فَأَخْبرُونِي خبركم
قَالُوا: نعم سلنا عَمَّا تُرِيدُ
قَالَ: أخبروني مَا بَال قبوركم على أَبْوَاب بُيُوتكُمْ قَالَ: عمدا فعلنَا ذَلِك لِئَلَّا ننسى الْمَوْت وَلَا يخرج ذكره من قُلُوبنَا
قَالَ: فَمَا بَال بُيُوتكُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَبْوَاب قَالُوا: لَيْسَ فِينَا متّهم وَلَيْسَ فِينَا إِلَّا أَمِين مؤتمن
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ عَلَيْكُم أُمَرَاء قَالُوا: لَيْسَ فِينَا مظالم
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ بَيْنكُم حكام قَالُوا: لَا نَخْتَصِم
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم أَغْنِيَاء قَالَ: لَا نتكاثر
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم أَشْرَاف قَالُوا: لَا نتنافس
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تتفاوتون وَلَا تتفاضلون قَالُوا: من قبل أَنا متواصلون متراحمون
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تتنازعون وَلَا تختلفون قَالُوا: من قبل ألفة قُلُوبنَا وَصَلَاح ذَات بَيْننَا
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تقتتلون وَلَا تستّبون قَالُوا: من قبل أَنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسْنا أَنْفُسنَا بالحلم
قَالَ: فَمَا بَال كلمتكم وَاحِدَة وطريقتكم مُسْتَقِيمَة قَالُوا: من قبل أَنا لَا نتكاذب وَلَا نتخادع فَلَا يغتاب بَعْضنَا بَعْضًا
قَالَ: فَأَخْبرُونِي من أيي [] تشابهت قُلُوبكُمْ واعتدلت سيرتكم قَالُوا: صحت صدورنا فَنزع الله بذلك الغل والحسد من قُلُوبنَا
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم مِسْكين وَلَا فَقير قَالُوا: من قبل أَنا نقسم بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم فظ وَلَا غليظ قَالُوا: من قبل الذل والتواضع
قَالَ: فَمَا بالكم جُعِلْتُم أطول النَّاس أعماراً قَالُوا: من قبل أَنا نتعاطى الْحق ونحكم بِالْعَدْلِ
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تقحطون قَالُوا: لَا نغفل عَن الاسْتِغْفَار

صفحة رقم 443

قَالَ: فَمَا بالكم لَا تحردون قَالُوا: من قبل أَنا وطّنا أَنْفُسنَا للبلاء مُنْذُ كُنَّا وأحببناه وحرصنا عَلَيْهِ فعرينا مِنْهُ
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تصيبكم الْآفَات كَمَا تصيب النَّاس قَالُوا: لَا نتوكل على غير الله وَلَا نعمل بأنواء النُّجُوم
قَالَ: حَدثُونِي
أهكذا وجدْتُم آبائكم يَفْعَلُونَ قَالُوا: نعم وجدنَا آبَائِنَا يرحمون مساكينهم ويواسون فقراءهم ويعفون عَمَّن ظلمهم ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم ويحلمون على من جهل عَلَيْهِم وَيَسْتَغْفِرُونَ لم سبهم وَيصلونَ أرحامهم ويردون أماناتهم ويحفظون وقتهم لصلاتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون فِي مواعيدهم وَلَا يرغبون عَن أكفائهم وَلَا يستنكفون عَن أقاربهم فَأصْلح الله بذلك أَمرهم وحفظهم بِهِ مَا كَانُوا أَحيَاء وَكَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَن يخلفهم فِي تَركتهم
فَقَالَ لَهُم ذُو القرنين: لَو كنتُ مُقيما لأقمت فِيكُم وَلَكِنِّي لم أُؤمر بِالْإِقَامَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ لذِي القرنين صديق من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُ زرافيل وَكَانَ لَا يزَال يتعاهده بِالسَّلَامِ فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: يَا زرافيل هَل تعلم شَيْئا يزِيد فِي طول الْعُمر لنزداد شكرا وَعبادَة قَالَ: مَا لي بذلك علم وَلَكِن سأسأل لَك عَن ذَلِك فِي السَّمَاء
فعرج زرافيل إِلَى السَّمَاء فَلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ هَبَط فَقَالَ: إِنِّي سَأَلت عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ فَأخْبرت أَن لله عينا فِي ظلمَة هِيَ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
قَالَ: فَجمع ذُو القرنين عُلَمَاء الأَرْض إِلَيْهِ فَقَالَ: هَل تعلمُونَ أَن لله عينا فِي ظلمَة فَقَالُوا: مَا نعلم ذَلِك
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل شَاب فَقَالَ: وَمَا حَاجَتك إِلَيْهَا أَيهَا الْملك قَالَ: لي بهَا حَاجَة
قَالَ: فَإِنِّي أعلم مَكَانهَا
قَالَ: وَمن أَيْن علمت مَكَانهَا قَالَ: قَرَأت وَصِيَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَوجدت فِيهَا: إِن لله عينا خلف مطلع الشَّمْس فِي ظلمَة مَاؤُهَا أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
فَسَار ذُو القرنين من مَوْضِعه الَّذِي كَانَ فِيهِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة حَتَّى انْتهى إِلَى مطلع الشَّمْس عَسْكَر وَجمع الْعلمَاء فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أسلك هَذِه الظلمَة بكم فَقَالُوا: إِنَّا نعيذك بِاللَّه أَن تسلك مسلكاً لم يسلكه أحدا من بني آدم قطّ قبلك
قَالَ: لَا بُد أَن أسلكها
قَالُوا: إِنَّا نعيذك أَن تسلك بِنَا هَذِه الظلمَة فَإنَّا لَا

صفحة رقم 444

نَأْمَن أَن ينفتق علينا بهَا أَمر يكون فِيهِ فَسَاد الأَرْض
قَالَ: لَا بُد أَن أسلكها
قَالُوا: فشأنك
فَسَأَلَهُمْ أَي الدَّوَابّ أبْصر قَالُوا: الْخَيل
قَالَ: فَأَي الْخَيل أبْصر قَالُوا: الْإِنَاث
قَالَ: فَأَي الْإِنَاث أبْصر قَالُوا: الْأَبْكَار
فانتقى سِتَّة آلَاف فرس أُنْثَى بكر ثمَّ انتخب من عسكره ستى آلَاف رجل فَدفع إِلَى كل رجل مِنْهُم فرسا وَولى الْخضر مِنْهَا على ألفي فَارس ثمَّ جعله على مقدمته ثمَّ قَالَ: سرْ أَمَامِي
فَقَالَ لَهُ الْخضر: أَيهَا الْملك إِنِّي لست آمن هَذِه الْأمة الضلال فَيَتَفَرَّق النَّاس مني فَدفع إِلَيْهِ خرزة حَمْرَاء فَقَالَ: إِذا تفرق النَّاس فارم هَذِه الخرزة فَإِنَّهَا ستضيء لَك وتصوت حَتَّى تجمع إِلَيْك أهل الضلال واستخلف على النَّاس خَليفَة وَأمره أَن يُقيم فِي عسكره اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَإِن هُوَ رَجَعَ إِلَى ذَلِك وَإِلَّا أَمر النَّاس أَن يتفرقوا فِي بلدانهم
ثمَّ أَمر الْخضر فَسَار أَمَامه فَكَانَ الْخضر إِذا أَتَاهُ ذُو القرنين رَحل من منزله وَنزل ذُو القرنين فِي منزل الْخضر الَّذِي كَانَ فِيهِ فَبينا الْخضر يسير فِي تِلْكَ الظلمَة إِذْ تفرق النَّاس عَنهُ فَطرح الخرزة من يَده فَإِذا هِيَ على شَفير الْعين وَالْعين فِي وادٍ فأضاء لَهُ مَا حول الْبِئْر فَنزل الْخضر وَنزع ثِيَابه وَدخل الْعين فَشرب مِنْهَا واغتسل ثمَّ خرج فَجمع عَلَيْهِ ثِيَابه ثمَّ أَخذ الخرزة وَركب وَخَالفهُ ذُو القرنين فِي غير الطَّرِيق الَّذِي أَخذ فِيهِ الخضرز فَسَارُوا فِي تِلْكَ الظلمَة فِي مِقْدَار سِتّ لَيَال وأيامهن وَلم تكن ظلمَة كظلمة اللَّيْل إِنَّمَا كَانَت ظلمَة كَهَيئَةِ ضباب حَتَّى خَرجُوا إِلَى أَرض ذَات نور لَيْسَ فِيهَا شمس وَلَا قمر وَلَا نجم فَعَسْكَرَ ثمَّ نزل النَّاس ثمَّ ركب ذُو القرنين وَحده فَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى قصر طوله فَرسَخ فِي فَرسَخ فَدخل الْقصر فَإِذا هُوَ بعمود على حافتي الْقصر وَإِذا طَائِر مَذْمُوم
بِأَنْفِهِ سلسلة معلقَة فِي ذَلِك الْعود شبه الخطاف أَو قريب من الخطاف فَقَالَ لَهُ الطير: من أَنْت قَالَ أَنا ذُو القرنين
قَالَ لَهُ الطير: يَا ذَا القرنين أما كَفاك مَا وَرَاءَك حَتَّى تناولت الظلمَة أنبئني يَا ذَا القرنين
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثر بُنيان من الجص والآجر فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ الطير حَتَّى سد ثلث مَا بَين الحائطين ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثرت المعازف فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ حَتَّى سد ثُلثي مَا بَين الحائطين ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثرت شَهَادَة الزُّور فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ حَتَّى سد مَا بَين الحائطين واجث ذُو القرنين مِنْهُ فرقا قَالَ لَهُ الطير: يَا ذَا القرنين لَا تخف
أنبئني
قَالَ: سل

صفحة رقم 445

قَالَ: هَل ترك النَّاس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: لَا
قَالَ: هَل ترك النَّاس الْغسْل من الْجَنَابَة قَالَ: لَا
قَالَ: فانضم ثُلُثَاهُ
قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل ترك النَّاس الْمَكْتُوبَة قَالَ: لَا
فانضم الطير حَتَّى عَاد كَمَا كَانَ ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين انْطلق إِلَى تِلْكَ الدرجَة فاصعدها فَإنَّك ستلقى من تسأله ويخبرك
فَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى دَرَجَة مدرجة فَصَعدَ عَلَيْهَا فَإِذا هُوَ بسطح مَمْدُود لَا يرى طرفاه وَإِذا رجل شَاب قَائِم شاخص ببصره إِلَى السَّمَاء وَاضع يَده على فَمه قد قدم رجلا وَأخر أُخْرَى فَسلم عَلَيْهِ ذُو القرنين فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: أَنا ذُو القرنين
قَالَ: يَا ذَا القرنين أما كَفاك مَا وَرَاءَك حَتَّى قطعت الظلمَة ووصلت إِلَيّ قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا صَاحب الصُّور قد قدمت رجلا وأخرت أُخْرَى وَوضعت الصُّور على فمي وَأَنا شاخص ببصري إِلَى السَّمَاء أنْتَظر أَمر رَبِّي ثمَّ تنَاول حجرا فَدفعهُ فَقَالَ: انْصَرف فَإِن هَذَا الْحجر سيخبرك بِتَأْوِيل مَا أردْت
فتصرف [فَانْصَرف] ذُو القرنين حَتَّى أَتَى عسكره فَنزل وَجمع إِلَه الْعلمَاء فَحَدثهُمْ بِحَدِيث الْقصر وَحَدِيث العمود وَالطير وَمَا قَالَ لَهُ وَمَا رد عَلَيْهِ حَدِيث صَاحب الصُّور وَأَنه قد دفع إِلَيْهِ هَذَا الْحجر وَقَالَ: إِنَّه سيخبرني بِتَأْوِيل مَا جِئْت بِهِ فَأَخْبرُونِي عَن هَذَا الْحجر مَا هُوَ وَأي شَيْء أَرَادَ بِهَذَا قَالَ: فدعوا بميزان وَوضع حجر صَاحب الصُّور فِي إِحْدَى الكفتين وَوضع حجر مثله فِي الكفة الْأُخْرَى فرجح بِهِ ثمَّ وضع مَعَه حجر آخر رجح بِهِ ثمَّ وضع مائَة حجر فرجح بهَا حَتَّى وضع ألف حجر فرجح بهَا فَقَالَ ذُو القرنين: هَل عِنْد أحد مِنْكُم فِي هَذَا الْحجر من علم قَالَ - وَالْخضر قَاعد بِحَالهِ لَا يتَكَلَّم - فَقَالَ لَهُ: يَا خضر هَل عنْدك فِي هَذَا الْحجر من علم قَالَ: نعم
قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ الْخضر: أَيهَا الْملك إِن الله ابتلى الْعَالم بالعالم وابتلى النَّاس بَعضهم بِبَعْض وَإِن الله ابتلاك بِي وابتلاني بك
فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: مَا أَرَاك إِلَّا قد ظَفرت بِالْأَمر الَّذِي جِئْت أطلبه
قَالَ لَهُ الْخضر: قد كَانَ ذَلِك
قَالَ: فائتني
فَأخذ الْمِيزَان وَوضع حجر صَاحب الصُّور فِي إِحْدَى الكفتين وَوضع فِي الكفة الْأُخْرَى حجرا وَأخذ قَبْضَة من تُرَاب فوضعها مَعَ الْحجر ثمَّ رفع الْمِيزَان فرجح الْحجر الَّذِي مَعَه التُّرَاب على حجر صَاحب الصُّور فَقَالَت الْعلمَاء: سُبْحَانَ الله رَبنَا
وَضعنَا مَعَ ألف حجر فَمَال لَهَا وَوضع الْخضر مَعَه حجرا وَاحِدًا وقبضة من تُرَاب فَمَال لَهُ
فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين:

صفحة رقم 446

أَخْبرنِي بِتَأْوِيل هَذَا
قَالَ: أخْبرك
إِنَّك مكنت من مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا فَلم يكفك ذَلِك حَتَّى تناولت الظلمَة حَتَّى وصلت إِلَى صَاحب الصُّور وَإنَّهُ لَا يمْلَأ عَيْنك إِلَّا التُّرَاب
قَالَ: صدقت
ورحل ذُو القرنين فَرجع فِي الظلمَة رَاجعا فَجعلُوا يسمعُونَ خشخشة تَحت سنابك خيلهم فَقَالُوا: أَيهَا الْملك مَا هَذِه الخشخشة الَّتِي نسْمع تَحت سنابك خَيْلنَا قَالَ: من أَخذ مِنْهُ نَدم وَمن تَركه نَدم فَأخذت مِنْهُ طَائِفَة وَتركت طَائِفَة فَلَمَّا برزوا بِهِ إِلَى الضَّوْء نظرُوا فَإِذا هُوَ بالزبرجد فندم الْآخِذ أَن لَا يكون ازْدَادَ وَنَدم التارك أَن لَا يكون أَخذ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رحم الله أخي ذَا القرنين دخل الظلمَة وَخرج مِنْهَا زاهداً
أما إِنَّه لَو خرج مِنْهَا رَاغِبًا لما ترك مِنْهَا حجرا إِلَّا أخرجه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَقَامَ بدومة الجندل فعبد الله فِيهَا حَتَّى مَاتَ
وَلَفظ أبي الشَّيْخ: قَالَ أَبُو جَعْفَر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله أخي ذَا القرنين لَو ظفر بالزبرجد فِي مبداه مَا ترك مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يُخرجهُ إِلَى النَّاس لِأَنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي الدُّنْيَا وَلكنه ظفر بِهِ وَهُوَ زاهد فِي الدُّنْيَا لَا حَاجَة لَهُ فِيهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: كَانَ عبدا أحب الله فَأَحبهُ وناصح الله فناصحه فَبَعثه إِلَى قوم يَدعُوهُم إِلَى الله فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام فضربوه على قرنه الْأَيْمن فَمَاتَ فأمسكه الله مَا شَاءَ ثمَّ بَعثه
فَأرْسلهُ إِلَى أمة أُخْرَى يَدعُوهُم إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام فضربوه على قرنه الْأَيْسَر فَمَاتَ فأمسكه الله مَا شَاءَ ثمَّ بَعثه فَسخرَ لَهُ السَّحَاب وخيّره فِيهِ فَاخْتَارَ صعبه على ذلوله - وصعبه الَّذِي لَا يمطر - وَبسط لَهُ النُّور ومدّ لَهُ الْأَسْبَاب وَجعل اللَّيْل وَالنَّهَار عَلَيْهِ سَوَاء فبذلك بلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن ذَا القرنين لما بلغ الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ قَاف ناداه ملك من الْجَبَل: أَيهَا الخاطئ ابْن الخاطئ جِئْت حَيْثُ لم يجِئ أحد من قبلك وَلَا يَجِيء أحد بعْدك
فَأَجَابَهُ ذُو القرنين: وَأَيْنَ أَنا قَالَ لَهُ الْملك: أَنْت فِي الأَرْض السَّابِعَة
فَقَالَ ذُو القرنين: مَا ينجيني فَقَالَ: ينجيك الْيَقِين
فَقَالَ ذُو القرنين: اللَّهُمَّ ارزقني يَقِينا
فأنجاه الله
قَالَ لَهُ الْملك: إِنَّه ستأتي إِلَى قوم فتبني لَهُم سداً فَإِذا أَنْت بنيته وفرغت مِنْهُ فَلَا تحدث نَفسك أَنَّك

صفحة رقم 447

بنيته بحول مِنْك أَو قُوَّة فيسلط الله على بنيانك أَضْعَف خلقه فيهدمه
ثمَّ قَالَ لَهُ ذُو القرنين: مَا هَذَا الْجَبَل قَالَ: هَذَا الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ قَاف وَهُوَ أَخْضَر وَالسَّمَاء بَيْضَاء وَإِنَّمَا خضرتها من هَذَا الْجَبَل وَهَذَا الْجَبَل أم الْجبَال وَالْجِبَال كلهَا من عروقه فَإِذا أَرَادَ الله أَن يزلزل قَرْيَة حرك مِنْهُ عرقاً
ثمَّ إِن الْملك نَاوَلَهُ عنقوداً من عِنَب وَقَالَ لَهُ: حَبَّة ترويك وحبة تشبعك وَكلما أخذت مِنْهُ حَبَّة عَادَتْ مَكَانهَا حَبَّة
ثمَّ خرج من عِنْده فجَاء الْبُنيان الَّذِي أَرَادَ الله فَقَالُوا اه: ﴿يَا ذَا القرنين إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض﴾ إِلَى قَوْله: ﴿أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً﴾
قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: هم منسك وناسك وَتَأْويل وراحيل
وَقَالَ أَبُو سعيد رَضِي الله عَنهُ: هم خَمْسَة وَعِشْرُونَ قَبيلَة من وَرَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك الأَرْض أَرْبَعَة: سُلَيْمَان وَذُو القرنين وَرجل من أهل حلوان وَرجل آخر
فَقيل لَهُ: الْخضر قَالَ: لَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن ذَا القرنين ملك الأَرْض كلهَا إِلَّا بلقيس صَاحِبَة مأرب فَإِذا ذَا القرنين كلن يلبس ثِيَاب الْمَسَاكِين ثمَّ يدْخل الْمَدَائِن فَينْظر من عورتها قبل أَن يقتل أَهلهَا فَأخْبرت بذلك بلقيس فَبعثت رَسُولا ينظر إِلَيْهِ فيصوّر لَهَا صورته فِي ملكه حِين يقْعد وَصورته فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين
ثمَّ جعلت كل يَوْم تطعم الْمَسَاكِين وتجمعهم فَجَاءَهَا رسولها فِي صورته فَجعلت إِحْدَى صورتيه تَلِيهَا وَالْأُخْرَى على بَاب الأسطوانة فَكَانَت تطعم الْمَسَاكِين كل يَوْم فَإِذا فرغوا عرضتهم وَاحِدًا وَاحِدًا فَيخْرجُونَ حَتَّى جَاءَ ذُو القرنين فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين فَدخل مدينتها ثمَّ جلس مَعَ الْمَسَاكِين إِلَى طعامها فقربت إِلَيْهِم الطَّعَام فَلَمَّا فرغوا أخرجتهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَهِي تنظر إِلَى صورته فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين حَتَّى مر ذُو القرنين فَنَظَرت إِلَى صورته فَقَالَت: أجلسوا هَذَا وأخرجوا من بَقِي من الْمَسَاكِين فَقَالَ لَهَا: لم أجلستني وَإِنَّمَا أَنا مِسْكين
قَالَت: لَا
أَنْت ذُو القرنين هَذِه صُورَتك فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين وَالله لَا تُفَارِقنِي حَتَّى تكْتب لي أَمَانًا بملكي أَو أضْرب عُنُقك
فَلَمَّا رأى ذَلِك كتب لَهَا أَمَانًا فَلم ينج أحد مِنْهُ غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك ذُو القرنين اثْنَتَيْ عشرَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشيخفي العظمة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر

صفحة رقم 448

رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ذُو القرنين فِي بعض مسيره فَمر بِقوم قُبُورهم على أَبْوَاب بُيُوتهم وَإِذا ثِيَابهمْ لون وَاحِد وَإِذا هم رجال كلهم لَيْسَ فيهم امْرَأَة فتوسم رجلا مِنْهُم فَقَالَ لَهُ: لقد رَأَيْت شَيْئا مَا رَأَيْت فِي شَيْء من مسري
قَالَ: وَمَا هُوَ فوصف لَهُ مَا رأى مِنْهُم
قَالُوا: أما هَذِه الْقُبُور على أبوابنا فَإنَّا جعلناها موعظة لقلوبنا تخطر على قلب أَحَدنَا فَيخرج فَيرى الْقُبُور وَيرجع إِلَى نَفسه فَيَقُول: إِلَى هَذَا الْمصير وإليها صَار من كَانَ قبلي
وَأما هَذِه الثِّيَاب فَإِنَّهُ لَا يكَاد الرجل منا يلبس ثيابًا أحسن من صَاحبه إِلَّا رأى لَهُ بذلك فضلا على جليسه
وَأما قَوْلك: رجال كلكُمْ لَيْسَ مَعكُمْ نسَاء فلعمري لقد خلقنَا من ذكر وَأُنْثَى وَلَكِن هَذَا الْقلب لَا يشغل بِشَيْء إِلَّا شغل بِهِ فَجعلنَا نسائنا وَذُرِّيَّتنَا فِي قَرْيَة قريبَة وَإِذا أَرَادَ الرجل من أَهله مَا يُرِيد الرجل أَتَاهَا فَكَانَ مَعهَا اللَّيْلَة والليلتين ثمَّ يرجع إِلَى مَا هَهُنَا لأَنا خلونا هَهُنَا لِلْعِبَادَةِ
فَقَالَ: مَا كنت لأعظكم بِشَيْء أفضل مِمَّا وعظتم بِهِ أَنفسكُم سلني مَا شِئْت
قَالَ: من أَنْت قَالَ أَنا ذُو القرنين
قَالَ: مَا أَسأَلك وَأَنت لَا تملك لي شَيْئا قَالَ: وَكَيف وَقد آتَانِي الله من كل شَيْء سَببا قَالَ: أتقدر على أَن تَأتِينِي بِمَا لم يقدر لي وَلَا تصرف عني مَا قدر لي وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما بلغ ذُو القرنين مطلع الشَّمْس قَالَ لَهُ ملكهَا: يَا ذَا القرنين صف لي النَّاس
قَالَ: إِن محادثتك من لَا يعقل بِمَنْزِلَة من يضع الموائد لأهل الْقُبُور ومحادثتك من يعقل بِمَنْزِلَة من يبلّ الصَّخْرَة حَتَّى تبتل أَو يطْبخ الْحَدِيد يلْتَمس أدمه وَنقل الْحِجَارَة من رُؤُوس الْجبَال أيسر من محادثتك من لَا يعقل
الْآيَة ٨٤ - ٨٥

صفحة رقم 449
الدر المنثور في التأويل بالمأثور
عرض الكتاب
المؤلف
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي
الناشر
دار الفكر - بيروت
سنة النشر
1432 - 2011
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية