آيات من القرآن الكريم

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

(٩٤٢) أحدها: أنه كان ذهباً وفضة، رواه أبو الدّرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقال الحسن، وعكرمة، وقتادة: كان مالاً. والثاني: أنه كان لوحاً من ذهب، فيه مكتوب: عجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو يَنْصَب، عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجباً لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجباً لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يغفُل، عجباً لمن رأى الدنيا وتقلُّبَها بأهلها كيف يطمئن إِليها، أنا الله الذي لا إِله إِلا أنا، محمد عبدي ورسولي وفي الشِّق الآخر: أنا الله لا إِله إِلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقتُ الخير والشَّر، فطوبى لمن خلقتُه للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته لمن خلقتُه للشر وأجريتُه على يديه، رواه عطاء عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: فسُمِّي كنزاً من جهة الذَّهب، وجعل اسمه هو المغلَّب. والثالث: كنز علم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد: صُحُف فيها عِلْم وبه قال سعيد بن جبير، والسدي. قال ابن الأنباري: فيكون المعنى على هذا القول: كان تحته مثل الكنز، لأنه يُتعجَّل من نفعه أفضل مما يُنال من الأموال. قال الزجاج: والمعروف في اللغة: أن الكنز إِذا أُفرد، فمعناه: المال المدفون المدَّخَر، فاذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز ها هنا بالمال أشبه، وجائز أن يكون الكنز كان مالاً، مكتوب فيه علم، على ما روي، فهو مال وعِلْم عظيم.
قوله تعالى: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحاً. وقال جعفر بن محمّد: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء. وقال مقاتل: كان أبوهما ذا أمانة. قوله تعالى: فَأَرادَ رَبُّكَ قال ابن الأنباري: لمّا كان قوله: «فأردت» «فأردنا» كل واحد منهما يصلح أن يكون خبراً عن الله عزّ وجلّ، وعن الخضر، أتبعهما بما يحصر الإِرادة عليه، ويزيلها عن غيره، ويكشف البُغية من اللفظتين الأولَيين. وإِنما قال: «فأردتُ» «فأردنا» «فأراد ربُّك»، لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتِّفاقه مع تساوي المعاني، لأنه أعذب على الألسن، وأحسن موقعاً في الأسماع، فيقول الرجل: قال لي فلان كذا، وأنبأني بما كان، وخبَّرني بما نال. فأما «الأَشُدُّ» فقد سبق ذكره في مواضع «١». ولو أن الخضر لم يُقِم الحائط لنُقض وأُخِذ ذلك الكنز قبل بلوغهما. قوله تعالى:
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي: رحمهما الله بذلك. وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي قال قتادة: كان عبداً مأموراً. فأما قوله: تَسْطِعْ فإن «استطاع» و «اسطاع» بمعنى واحد.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٣ الى ٨٨]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)

ضعيف جدا. أخرجه الترمذي ٣١٥٢ والحاكم ٢/ ٣٦٩ والواحدي في «الوسيط» ٣/ ١٦٢ وابن عدي في «الكامل» ٧/ ٢٦٨ من حديث أبي الدرداء. وضعفه الحافظ في «تخريج الكشاف» ٢/ ٧٤٢ وفي إسناده يزيد بن يوسف الصنعاني، وهو متروك. قلت: وهذا الخبر وإن لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلّم، فمعناه صحيح وهو أن الكنز إنما هو مال أو ذهب أو فضة.
__________
(١) عند الآيات في الأنعام: ١٥٢ ويوسف: ٢٢ والإسراء: ٣٤.

صفحة رقم 104

قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ «١». واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال «٢» : أحدها: عبد الله، قاله عليّ رضي الله عنه، وروي عن ابن عباس أنه عبد الله بن الضحاك. والثاني: الاسكندر، قاله وهب. والثالث: عيِّاش، قاله محمد بن علي بن الحسين. والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة. وفي علَّة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال: أحدها: أنه دعا قومه إِلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زماناً، ثم بعثه الله، فدعاهم إِلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله عليّ رضي الله عنه. والثاني: أنه سمي بذي القرنين، لأنه سار إِلى مغرب الشمس وإِلى مطلعها، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس. والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إِلى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقصَّ ذلك على قومه، فسمِّي بذي القرنين. والخامس: لأنه مَلَك الروم وفارس. والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبِّه. والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله الحسن. قال ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين، وجميرتين، وقرنين قال: ومن قال: سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما: قرنان. والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف. والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس، وهو حيّ.
والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إِسحاق الثعلبي.
واختلفوا هل كان نبيّاً، أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه كان نبيّاً، قاله عبد الله بن عمرو، والضحاك بن مزاحم. والثاني: أنه كان عبداً صالحاً، ولم يكن نبيّاً، ولا مَلكاً، قاله عليّ رضي الله تعالى عنه. وقال وهب: كان ملكاً، ولم يوح إِليه.

(١) سورة الإسراء: ٨٥.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٢٨: ذكر الأزرقي وغيره أن الإسكندر الأول المذكور في القرآن هو الذي طاف بالبيت مع إبراهيم عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه. وكان معه الخضر عليه السلام. وقرّب إلى الله قربانا وقد ذكرنا طرفا صالحا من أخباره في كتاب «البداية والنهاية» بما فيه الكفاية ولله الحمد. وأما الإسكندر الثاني الذي كان من الروم بن فيليبس المقدوني اليوناني الذي تؤرخ به الروم وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة. والحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم لما سئل عن ذي القرنين:
«أنه شاب من الروم، وأنه بنى الإسكندرية » فيه طول ونكارة ورفعه لا يصح وأكثر ما فيه من أخبار بني إسرائيل اه.
قلت: هذا الحديث ضعيف جدا، وهو مرسل، ولو صح هذا مرفوعا لما اختلف الناس في سبب تسميته بذلك، والأشبه كونه من كلام بعض أئمة التفسير. وقد أخرجه الطبري ٢٣٢٧٥. وله ثلاث علل ضعف ابن لهيعة وشيخه عبد الرحمن بن غنم، وجهالة رواته، فهو شبه موضوع. وانظر «تفسير القرطبي» ٤١٩٢ و «تفسير الشوكاني» ١٥٢٤ بتخريجنا.

صفحة رقم 105

وفي زمان كونه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه من القرون الأُوَل من ولد يافث بن نوح، قاله عليّ رضي الله تعالى عنه. والثاني: أنه كان بعد ثمود، قاله الحسن. ويقال: كان عمره ألفاً وستمائة سنة. والثالث:
أنه كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، قاله وهب.
قوله تعالى: سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً أي: خبراً يتضمن ذِكْره. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي:
سهَّلْنا عليه السَّير فيها. قال علي رضي الله عنه: إِنه أطاع الله، فسخَّر له السحاب فحمله عليه، ومَدَّ له في الأسباب، وبسط له النُّور، فكان الليل والنهار عليه سواء، وقال مجاهد: ملك الأرض أربعة:
مؤمنان، وكافران سليمان بن داود، وذو القرنين والكافران: النّمرود، وبخت نصّر. قوله تعالى:
وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً قال ابن عباس: عِلْماً يتسبب به إِلى ما يريد. وقيل: هو العِلْم بالطُّرق والمسالك. قوله تعالى: فَأَتْبَعَ سَبَباً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «فاتَّبع سبباً» «ثم اتَّبع سبباً» «ثم اتَّبع سبباً» مشددات التاء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «فأتبع سبباً» «ثم أتبع سبباً» «ثم أتبع سبباً» مقطوعات. قال ابن الأنباري: من قرأ «فاتَّبع سبباً» فمعناه: قفا الأثر، ومن قرأ «فأتبع» فمعناه: لحق يقال: اتَّبَعَني فلان، أي تَبِعَني، كما يقال: الحقني، بمعنى: لَحِقَني. وقال أبو علي:
«أتبع» تقديره: أتبع سبباً سبباً، فأتبع ما هو عليه سبباً، والسبب: الطريق، والمعنى: تبع طريقاً يؤدِّيه إِلى مَغْرِب الشمس. وكان إِذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشاً فسار بهم إِلى غيرهم.
قوله تعالى: وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم:
«حمئة»، وهي قراءة ابن عباس. وقرأ أبن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «حامية»، وهي قراءة عمرو، وعلي، وابن مسعود، وابن الزّبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والأعمش، كلُّهم لم يهمز. قال الزجاج: فمن قرأ: «حمئة» أراد في عَيْنٍ ذاتِ حَمْأَة. يقال: حَمَأْتُ البئر: إِذا أخرجتَ حَمْأتَها وأَحْمَأْتُها: إِذا ألقيتَ فيها الحَمْأَة. وحمئت فهي حمئة: إِذا صارت فيها الحَمْأَة. ومن قرأ: «حامية» بغير همز أراد: حارّة. وقد تكون حارَّة ذاتَ حَمْأَة. وروى قتادة عن الحسن، قال: وجدها تَغْرُب في ماءٍ يغلي كغليان القدور وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً لباسهم جلود السِّباع، وليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس من الدوابّ إِذا غربت نحوها، وما لفظت العين من الحيتان إِذا وقعت فيها الشمس. وقال ابن السائب:
وجد عندها قوماً مؤمنين وكافرين، يعني عند العين. وربما توهَّم متوهِّم أن هذه الشمس على عِظَم قدْرها تغوص بذاتها في عين ماءٍ، وليس كذلك. فإنها أكبر من الدنيا مرارا، فكيف يسعها عين ماء، وقيل: إِن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مَرَّة، وقيل: بقدر الدنيا مائة وعشرين مَرَّة، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة وإِنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طَرَفه أن الشمس تغيب في الماء، وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عيناً حَمِئة ليس بعدها أحد.
قوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ فمن قال: إِنه نبيّ، قال: هذا القول وحي ومن قال: ليس بنبي، قال: هذا إِلهام. قوله تعالى: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ قال المفسرون: إِما أن تقتلَهم إن أبوا ما تدعوهم إليهم، وإِما أن تأسرهم، فتبصِّرهم الرشد. قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أي: أشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ بالقتل إِذا لم يرجع عن الشرك. وقال الحسن: كان يطبخهم في القدور، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ بعد العذاب فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً بالنار.

صفحة رقم 106
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية