آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

ألسنة السوء والكذب، وتتجه للنطق بالحق والواقع، وهو الإقرار بوحدانية الله تعالى.
تقوية الروح المعنوية للنبي صلّى الله عليه وسلّم
إن المخلصين في دعوتهم يتحرقون ألما على تباعد الناس عن رسالتهم، التي هي محض إسعاد ونجاة للمؤمنين بها، وفي طليعة المخلصين نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي كان يحرص أشد الحرص على هداية قومه قريش ومن جاورهم، لأنه يسعد بسعادتهم، ويتألم لآلامهم، فإذا ظهر منهم الإعراض عن دعوة القرآن والإسلام، خيّم الحزن والأسى والألم على قلبه، وتلك مشاركة وجدانية عاطفية عالية المستوى، ولكن الله تعالى الرؤوف بعبده ونبيه كان يسرّي خواطره ويؤانسه ويبين عذره، ويحمله على الرضا بما قضى الله وقدّر، وبما حدث من كفر وعناد، وذلك كما في هذه الآيات:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦ الى ٨]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
«١» «٢» »
«٤» «٥» [الكهف: ١٨/ ٦- ٨].
هذه آية تسرية وإيناس للنبي صلّى الله عليه وسلّم من إعراض قومه عن دعوته، وابتعادهم عن قداسة الإيمان وعظمته بالقرآن المجيد الذي هو دعوة إنقاذ وتحرر، وإصلاح وتقدّم، وعزة ومجد وسؤدد.
والمعنى: فلعلّك أيها النبي قاتل نفسك ومهلكها بسبب عدم إيمان قومك بهذا القرآن، أسفا وحسرة عليهم، وهذا تقرير بمعنى الإنكار على النبي، أي لا يكن ذلك

(١) أي مهلكها وجدا وحزنا على أمر ما، فالباخع: المهلك نفسه.
(٢) حزنا عليهم.
(٣) لنختبرهم.
(٤) أفضل عملا بطاعتنا.
(٥) ترابا أجرد لانبات فيه.

صفحة رقم 1404

منك بسبب إدبار قريش وتباعدهم عن الإيمان بالله والقرآن، وإعراضهم عن الشرع، فكأنهم من فرض إدبارهم قد بعدوا، فهو عليه الصلاة والسلام في آثار توليهم وإعراضهم عن دعوته في ألم شديد وأسىّ وحزن عميق. والأسف في هذا الموضع:
الحزن، وذلك كما ورد في آيات كثيرة مشابهة، مثل: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: ١٦/ ١٢٧]. ومثل: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) [الشعراء: ٢٦/ ٣]. ومن ذلك: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ. [فاطر: ٣٥/ ٨].
ثم أخبر الله تعالى عن حقيقة الدنيا، وأنها دار فناء وزوال واختبار، لا دار بقاء وقرار، فقال سبحانه: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها.. الآية، وهي توغل وبسط في الإيناس والتسرية، أي لا تهتم للدنيا وأهلها، فأمرها وأمر قومك وأمثالهم أقل، لفنائه وذهابه، فإنا إنما جعلنا ما على الأرض زينة ومفاتن زائلة، كما أن أهلها زائلون، لنعاملهم معاملة المختبرين الممتحنين، ليعرف المحسن عمله من الفاسد، فنجازي المحسن بالثواب، والمسيء بالعقاب، ومحسن العمل: الزاهد في الدنيا، وتارك الاغترار بها، وجاعلها وسيلة وجسرا للآخرة، وذلك كما
جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون».
وأراد بقوله: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها أن كل ما على الأرض زينة، وليس شيء إلا وفيه زينة، من جهة خلقه وصنعته وإحكامه. ومعنى: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي لنختبرهم، وفي هذا وعيد ما.
قال سفيان الثوري: أحسنهم عملا: أزهدهم فيها. والواقع أن حسن العمل:
يشمل الأخذ بحق، والإنفاق في حق مع الإيمان، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والإكثار من المندوب إليه.

صفحة رقم 1405

وسبب هذا التوجيه للنبي بالإعراض عن الكفار ما قاله سبحانه: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أي وإنا لنصيّر الأرض وما عليها بعد الزينة، إلى الخراب والدمار، والصعيد: وجه الأرض، والأرض الجرز: التي لا شيء فيها من عمارة وزينة، وهي البلقع، أو الأرض البيضاء التي لا نبات فيها ولا ينتفع بها، بعد أن كانت خضراء معشبة.
والمقصود من الآية إيناس النبي صلّى الله عليه وسلّم والقول له: لا تحزن، فإنا سنهلكهم ونبيدهم، وإذا كان هذا هو المصير المحتوم لعالم الدنيا وما فيها من عمائر فخمة، وألوان زاهية، ومباهج فاتنة، فلا تحزن أيها النبي، فإنا سنهلكهم وندمر وجودهم وديارهم. وهذا أقسى تهديد لمن يعقل المصير، ويستعد لتلقي العقاب الذي لا منجاة منه إلا بالإيمان بالله ورسوله وقرآنه وشرعه.
أسباب قصة أهل الكهف
تتعدد مظاهر قدرة الله تعالى في الكون والحياة والإنسان، فمنها المعتاد المألوف المحسوس من خلق الأشياء وولادة الإنسان، وإماتته، ومنها النوم المتكرر الذي هو الموتة الصغرى، ومنها حالات غير مألوفة، مثل السبات الذي يستمر عشرات أو مئات السنوات، كحالة أصحاب الكهف، لإظهار قدرة الله وسلطانه التام على الإنسان وغيره. وكانت سورة الكهف كلها تذكيرا باليوم الآخر والمعاد والحساب وبقدرة الله على البعث. وهذه هي قصة أصحاب الكهف، مطلعها في بيان أسباب القصة، قال الله تعالى:

صفحة رقم 1406
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية