
هريقي من دموعهما سجاما | ضباع وجاوبي نوحا قياما «١» |
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ أي أحاط الهلاك بثمر جنّتيه، وهي جميع صنوف الثمار. وقال مجاهد:
هي ذهب وفضة وذلك أن الله أرسل عليها نارا فأهلكها وغار ماؤها، فَأَصْبَحَ صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ: يصفق يده على الأخرى، وتقليب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهّفا عَلى ما أَنْفَقَ فِيها يعني: عليها كقوله: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ «٢» أي عليها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ساقطة على سقوفها، خالية من غرسها وبنائها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً «٣».
قال الله عزّ وجلّ: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ أي جماعة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ: يمنعونه من عذاب الله، وَما كانَ مُنْتَصِراً: ممتنعا منتقما.
هُنالِكَ يعني: في القيامة الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، قرأ الأعمش وحمزة والكسائي (الْوِلايَةُ) - بكسر الواو- يعني: السلطان والأمر. وقرأ الباقون بفتح الواو، من الموالاة كقوله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا «٤»، وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا «٥».
قال القتيبي: يريد: يتولون الله يومئذ، ويؤمنون به ويتبرّؤون مما كانوا يعبدون. وقوله:
الْحَقِّ رفعه أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية، وتصديقه قراءة أبيّ: (هنالك الولاية الحق لله). وقرأ الآخرون بالكسر على صفة الله كقوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ «٦»، وتصديقه قراءة عبد الله: (هنالك الولاية لله وهو الحق) فجعله من نعت الله. هُوَ خَيْرٌ ثَواباً لأوليائه وأهل طاعته وَخَيْرٌ عُقْباً لهم في الآخرة إذا صاروا إليه. والعقب: العاقبة، يقال:
هذا عاقبة أمره كذا، وعقباه وعقبه أي آخرة قوله.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٥ الى ٥٠]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)
(٢) سورة طه: ٧١. [.....]
(٣) في المخطوط علامة سقط بعدها، لكن لم تظهر في مصوّرة المخطوط.
(٤) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٥) سورة محمد: ١١.
(٦) سورة الأنعام: ٦٢.

وَاضْرِبْ يا محمد لَهُمْ: لهؤلاء المتكبرين المترفين الذين سألوا طرد الفقراء المؤمنين مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ، يعني: المطر. قالت الحكماء: شبّه الله تعالى الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع وحال، كذلك الدنيا لا تبقى لأحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة وكذلك الدنيا، ولأن الماء يفنى كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتلّ، فكذلك الدنيا لا يسلم من آفاتها وفتنتها أحد، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا مبقيا وإذا جاوز الحد المقدّر كان ضارّا مهلكا، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع، وفضولها يضرّ. فَاخْتَلَطَ بِهِ: بالماء نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ عن قريب هَشِيماً، قال ابن عباس: يابسا. قال الضحّاك: كسيرا. قال الأخفش: متفتّتا، وأصله الكسر. تَذْرُوهُ الرِّياحُ، قال ابن عباس: تديره. قال ابن كيسان: تجيء به وتذهب. قال الأخفش: ترفعه.
وقال أبو عبيدة: تفرّقه. القتيبي: تنسفه. وقرأ طلحة بن مصرف: الآية فقال: ذرته الريح تذروه ذروا، وتذريه ذريا وأذرته إذراء إذا أطارت به، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً، قادرا.
الْمالُ وَالْبَنُونَ التي يفخر بها عيينة وأصحابه من الأشراف والأغنياء زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا، وليست من زاد القبر ولا من عدد الآخرة، وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ التي يعملها سلمان وأصحابه من الموالي والفقراء خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا أي خير ما يأمله الإنسان.
واختلفوا في الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ ما هي قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحّاك: هي قول العبد: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر). يدل عليه ما
روى مسلم بن إبراهيم عن أبي هلال عن قتادة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ غصنا فحركه حتى سقط ورقه، وقال: «إن المسلم إذا قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، تحاتّت عنه الذنوب «١».
خذهن إليك أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فهنّ من كنوز الجنّة وصفايا الكلام، وهنّ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» [٧٤] «٢».
وقال عثمان (رضي الله عنه) وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح: هي (سبحان الله
(٢) تفسير القرطبي: ١٠/ ٤١٥.

والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولا حول، ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم). يدل عليه [ما]
روى القاسم بن عبد الله العمري، ومحمد بن عجلان عن عبد الجليل بن حميد عن خالد ابن عمران أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم خرج على قومه، فقال: «خذوا جنّتكم». قالوا: يا رسول الله، من عدوّ حضر؟ قال: «بل من النار». قالوا: وما جنتنا من النار؟ قال: «الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم فإنهن يأتين يوم القيامة مقدّمات مجنّبات ومعقّبات، وهنّ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» [٧٥] «١».
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «استكثروا من الباقيات الصالحات».
فقيل: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: «الملّة». قال: وما هي؟ قال: «التكبير، والتهليل، والتسبيح، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» [٧٦] «٢».
وقال عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم بن عبد الله: أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي فقال: قل له: القني عند زاوية القبر فإن لي إليك حاجة. قال: فالتقيا، فسلّم أحدهما على الآخر، ثمّ قال سالم: ما تعدّ الباقيات؟ فقال: لا إله إلّا الله، والحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. فقال له سالم: متى جعلت: ولا حول ولا قوّة إلّا بالله؟
قال: ما زلت أجعله فيها. قال فراجعه مرتين وثلاثا فلم ينزع، فقال سالم: أجّل. فأتيت أبا أيّوب الأنصاري فحدّث أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «عرج بي إلى السماء فأريت إبراهيم (عليه السلام) فقال: يا جبرئيل، من هذا معك؟ فقال: محمد. فرحّب بي وسهّل، ثمّ قال: مر أمّتك فليكثروا من غراس الجنّة، فإن تربتها طيبة، وإن أرضها واسعة. فقلت وما غراس الجنّة؟
قال: لا حول ولا قوة إلّا بالله» [٧٧] «٣».
وقال سعيد بن جبير وعمرو بن شرحبيل ومسروق وإبراهيم: هي الصلوات الخمسة، وهي الحسنات يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «٤».
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هي الأعمال الصالحة: لا إله إلّا الله، وأستغفر الله وصلى الله على محمد، والصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق والجهاد والصّلة وجميع الحسنات التي تبقى لأهلها في الجنّة ما دامت السماوات والأرض.
وروى عطية عن ابن عباس قال: هي الكلام الطيب. وقال عوف: سألت الحسن عن الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ، قال: النيّات والهمّات لأن بها تقبل الأعمال وترفع. قال قتادة: هي كل ما أريد به وجه الله. والله أعلم.
(٢) مسند أحمد: ٣/ ٧٥.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٤١٨.
(٤) سورة هود: ١١٤.

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ: نزيلها عن أماكنها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (تسيّر) - بالتاء وفتح الياء- (الجبالُ) رفعا على المجهول، وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً ظاهرة كرأي العين ليس عليها شجر ولا جبل ولا ثمر ولا شيء يسترها. وقال عطاء: ترى باطن الأرض ظاهرا قد برز الذين كانوا في بطنها فصاروا على ظهرها، وَحَشَرْناهُمْ: جمعناهم إلى الموقف للحساب، فَلَمْ نُغادِرْ:
نترك ونخلف مِنْهُمْ أَحَداً. وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا يعني: صفّا صفّا لأنهم صفّ واحد.
وقيل قياما، يقال لهم- يعني للكفار، لفظه عام ومعناه خاص-: قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
يعني: أحياء. وقيل: عراة. وقيل: عزّلا. وقيل: فرادى. لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
يعني: القيامة.
قوله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ يعني كتب أعمال الخلق، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ:
خائفين مِمَّا فِيهِ من الأعمال السيئة، وَيَقُولُونَ إذا رأوها: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً من ذنوبنا؟ قال ابن عباس: الصغيرة: التبسّم، والكبيرة: القهقهة. وقال سعيد بن جبير: الصغيرة اللمم والتخميش والقبل والمسيس، والكبيرة: الزنا، والمواقعة، إِلَّا أَحْصاها، قال ابن عباس: عملها. وقال السّدي: كتبها وأثبتها. وقال مقاتل بن حيان:
حفظها. وقيل: عدّها. وقال إبراهيم ابن الأشعث: كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية قال: ضجّوا والله من الصغار قبل الكبار.
وضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لصغائر الذنوب مثلا فقال:
«كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض فانطلق كل رجل منهم يحتطب، فجعل الرجل منهم يأتي بالعود ويجيء الآخر بعودين «١» حتى جمعوا سوادا وأجّجوا. وإن الذنب الصغير يجتمع على صاحبه حتى يهلكه» «٢» [٧٨].
وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً مكتوبا مثبتا في كتابهم وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً يعني: لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا. قال الضحّاك: لا يأخذ أحدا بجرم لم يعمله ولا يورّث ذنب أحد على غيره.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ يقول جلّ ذكره مذكّرا لهؤلاء المتكبرين ما أورث الكبر إبليس، ويعلّمهم أنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان لأبيهم: واذكر يا محمد إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ اختلفوا فيه فقال ابن عباس: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا مِنْ نارِ السَّمُومِ، وخلق الملائكة من نور غير هذا الحي. وكان اسمه بالسريانية عزازيل وبالعربية الحرث، وكان من خزان الجنّة، وكان رئيس ملائكة الدنيا، وكان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان من أشد الملائكة
(٢) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٢١.

حلما وأكثرهم علما، وكان يسوس ما بين السماء والأرض فرأى بذلك لنفسه شرفا وعظمة فذلك الذي دعاه إلى الكبر، فعصى فمسخه الله شيطانا رجيما ملعونا. فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم معصية، وخطيئة إبليس كبرا.
وقال ابن عباس في رواية أخرى: كان من الجن [و] إنما سمي بالجنان، لأنه كان خازنا عليها فنسب إليها، كما يقال للرجل: مكي وكوفي ومدني وبصري. [أخبرنا عبد الله بن حامد:
أخبرنا محمد ابن يعقوب السّري عن يحيى بن عثمان بن زفر قال] «١» : روى يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير. في قوله عزّ وجلّ: كانَ مِنَ الْجِنِّ- قال: كان من الجنانيين الذين يعملون في الجنّة. وقال الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجنّ كما أن آدم أصل الأنس. وقال شهر ابن حوشب: كان إبليس من الجنّ الذين ظفر بهم الملائكة فأسره بعض الملائكة، فذهب به إلى السماء. وقال قتادة: جنّ عن طاعة «٢» الله تعالى، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ يعني: خرج عن طاعة ربه. تقول العرب: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، ولذلك قيل لها: الفويسقة. وقيل: هي من الفسوق، وهي الاتّساع، تقول العرب: فسق فلان في النفقة إذا اتسع فيها، وما أصاب مالا إلّا فسقه، أي أهلكه وبذّره. والفاسق سمّي فاسقا لأنه اتّسع في محارم الله عزّ وجلّ، وهوّنها على نفسه.
أَفَتَتَّخِذُونَهُ، يعني يا بني آدم وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ: أعداء. وقال الحسن:
الإنس من آخرهم من ذريّة آدم، والجن من آخرهم من ذريّة إبليس. قال مجاهد: فمن ذريّة إبليس لافيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة، والهفّان ومرّة وبه يكنّى إبليس وزيلنون وهو صاحب الأسواق يضع رايته بكل سوق من السّماء والأرض، والدثر وهو صاحب المصائب يأمر بضرب الوجه وشقّ الجيوب والدعاء بالويل والحرب، والأعور وهو صاحب أبواب الزّنا، ومبسوط وهو صاحب الأخبار يأتي بها فيلقيها في أفواه النّاس فلا يجدون [لها] «٣» أصلا، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله عزّ وجلّ، بصّره من المقابح ما لم يرفع أو لم يحسن موضعه، فإذا أكل ولم يذكر اسم الله عليه أكل معه.
وقال الأعمش: ربما دخلت البيت، ولم أذكر اسم الله ولم أسلّم فرأيت مطهره فقلت:
ارفعوا، وخاصمتهم، ثمّ أذكر فأقول: داسم، داسم.
وروى مخلد عن الشعبي قال: إني لقاعد يوما إذ أقبل حمال ومعه دن حتى وضعه، ثمّ جاءني فقال: أنت الشعبي؟ قلت: نعم. فقال: أخبرني هل لإبليس زوجة؟ قلت: إن ذلك لعرس
(٢) في نسخة أصفهات: امر. [.....]
(٣) في المخطوط: له.