آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ

الدارُ خُوَاءً ممدوداً: / أقْوَتْ وكذلك إِذا سقطَتْ، ومنه قوله تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل: ٥٢] أي: خاليةً، ويقال: ساقطة كما قال: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [الحج: ٤٥] أي ساقطة على سقوفها. انتهى وهو تفسيرٌ بارعٌ، وبه أقولُ، وقد تقدَّم إِيضاحُ هذا المعنى في «سورة البقرة».
وقوله: يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً قال بعض المفسِّرين: هي حكايةٌ عن مقالة هذا الكافِرِ في الآخرة، ويحتملُ أن يكون قالها في الدنيا على جهة التوبة بعد حلولِ المُصيبة، ويكون فيها زَجْرٌ لكَفَرة قريشٍ وغيرهم، «والفئة» : الجماعة التي يُلْجأُ إِلى نَصْرها.
وقوله سبحانه: هُنالِكَ يحتمل أنْ تكون ظرفاً لقوله: مُنْتَصِراً ويحتمل أن يكون الْوَلايَةُ مبتدأ، وهُنالِكَ: خبره، وقرأ حمزة «١» والكسائيُّ: «الوِلاَيَةُ- بكسر الواو-، وهي بمعنى الرِّيَاسَة ونحوه، وقرأ الباقون: «الوَلاَيَة» - بفتح الواو- وهي بمعنى المُوَالاَة والصِّلة ونحوه، وقرأ أبو عمرو «٢» والكَسائيُّ: «الْحَقُّ» بالرفع على النعت ل «الولايةُ» وقرأ الباقون بالخفضِ على النعت لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، وقرأ الجمهور: «عُقُباً» - بضم العين والقاف- وقرأ حمزة وعاصم- بسكون «٣» القاف- والعقب- والعقب: بمعنى العاقبة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا يريد حياة الإنسان، كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ

(١) ينظر: «السبعة» (٣٩٢)، و «الحجة» (٥/ ١٤٩)، و «إعراب القراءات» (١/ ٣٩٦)، و «معاني القراءات» (٢/ ١١١)، و «حجة القراءات» (٤١٨)، و «العنوان» (١٢٣)، و «إتحاف» (٢/ ٢١٦). [.....]
(٢) ينظر: «السبعة» (٣٩٢)، و «الحجة» (٥/ ١٤٩)، و «إعراب القراءات» (١/ ٢٩٦)، و «معاني القراءات» (٢/ ١١١)، و «العنوان» (١٢٣)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٠)، و «شرح شعلة» (٤٧٣)، و «حجة القراءات» (٤١٩) و «إتحاف» (٢/ ٢١٦).
(٣) ينظر: «السبعة» (٣٩٢)، و «الحجة» (٥/ ١٥٠)، و «إعراب القراءات» (١/ ٣٩٧)، و «معاني القراءات» (٢/ ١١٢)، و «شرح شعلة» (٤٧٣)، و «العنوان» (١٢٣)، و «إتحاف» (٢/ ٢١٦)، و «حجة القراءات» (٤١٩).

صفحة رقم 527

، أي: فاختلط النبات بعضه ببعض بسبب النماءِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً أصبح عبارة عن صيرورته إِلى ذلك، و «الهَشِيم» المتفتِّت من يابس العُشْب، وتَذْرُوهُ بمعنى تفرِّقه، فمعنى هذا المَثَل تشبيهُ حالِ المَرْء في حياته ومالِهِ وعزَّته وبَطَره، بالنَّبات الذي له خُضْرة ونَضْرة عن الماءِ النازل، ثم يعودُ بعد ذلك هشيماً، ويصير إِلى عُدْم، فمن كان له عَمَلٌ صالح يبقى في الآخرةِ، فهو الفَائِزُ.
وقوله سبحانه: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا لفظه الخبر، لكنْ معه قرينة الصِّفة للمال والبنين لأنه في المَثَلِ قَبْلُ حَقَّر أمْرَ الدنيا وبيَّنه فكأنه يقول: المال والبنون زينةُ هذه الحياة الدنيا المحقّرة، فلا تتبعوها نفوسكم، والجمهور أنّ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ. هي الكلماتُ المذكورُ فضْلُها في الأحاديث: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ»، وقد جاء ذلك مصرّحا به من لفظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالحَاتُ».
وقوله سبحانه: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا أي: صاحبها ينتظرُ الثَّواب، وينبسطُ أمله، فهو خَيْرٌ من حال ذي المَالِ والبنينَ، دون عَمَلٍ صالحٍ، وعن أبي سعيد الخدريِّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ» قيلَ: وَمَا هُنَّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: «التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ والتَّسْبِيحُ وَالحَمْدُ للَّهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّة/ إِلاَّ باللَّه» «١» رواه النسائيُّ وابنُ حِبَّان في «صحيحه» انتهى من «السلاح».
وفي «صحيح مسلم» عن سمرة بن جندب، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أحَبُّ الكَلاَمِ إِلى اللَّهِ تَعَالى أَرْبَعٌ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبُرُ، لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ» «٢» وفي «صحيح مُسْلِم»، عن أبي مالِكٍ الأشعريِّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «الطُّهوُرُ شَطْرُ الإِيمَانِ والحَمْدُ للَّهِ تَمْلأُ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأن أو تَمُلأُ مَا بَيْنَ السموات والأَرْضِ... » «٣» الحديث انتهى.
قال ابن العربيِّ في «أحكامه» : وروى مالكٌ عن سعيد بن المسيَّب، أنَّ الباقيات الصالحات قولُ العبْدِ: اللَّهُ أكْبَرُ، وسبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، ولا إِله إِلا اللَّه، ولا حَوْلَ

(١) أخرجه أبو يعلى (٢/ ٥٢٤) برقم: (١٣٨٤)، وابن حبان (٢٣٣٢- موارد)، والحاكم (١/ ٥١٢)، والطبري (١٥/ ٢٥٥)، وأحمد (٣/ ٧٥).
وقال الحاكم: هذا أصح إسناد للمصريين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان.
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٦٨٥) كتاب «الآداب» باب: كراهية التسمية بالأسماء القبيحة، ونحوه حديث (١٢/ ٢١٣٧)، وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى مسلم.
(٣) تقدم تخريجه.

صفحة رقم 528
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية