
﴿واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا﴾ أي واذكر لهم ما يُشبهها في زَهْرتها ونَضارتها وسرعةِ زوالها لئلا يطمئنوا بها وليعكفوا عليها ولا يَضرِبوا عن الآخرة صفحاً بالمرة أو بيِّنْ لهم صفتَها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثَل ﴿كَمَاء﴾ استئنافٌ لبيان المثَل أي هي كَمَاء ﴿أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء﴾ ويجوز كونه مفعولا ثانيا لا ضرب على أنه بمعنى صيّر ﴿فاختلط به﴾ اشتبك بسبيه ﴿نَبَاتُ الارض﴾
صفحة رقم 224
فالتفّ وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه أو نجَع الماءُ في النبات حتى رو ورفّ فمقتضى الظاهرِ حينئذ فاختلط بنبات الأرض وإيثارُ مَا عليهِ النظمُ الكريم عليه للمبالغة بالكثرة فإن كلا المختلِطَين موصوفٌ بصفة صاحبِه ﴿فَأَصْبَحَ﴾ ذلك النباتُ الملتفُّ إثرَ بهجتها ورفيفِها ﴿هَشِيمًا﴾ مهشوماً مكسوراً ﴿تَذْرُوهُ الرياح﴾ تفرقه وقرئ تُذْريه من أذراه وتذروه الريحُ وليس المشبَّهُ به نفسَ الماء بل هو الهيئةُ المنتزَعةُ من الجملة وهي حالُ النبات المُنبَتِ بالماء يكون أخضرَ وارفاً ثم هشيماً تطيِّره الرياحُ كأن لم يغن بالأمس ﴿وَكَانَ الله على كُلّ شىء﴾ من الأشياء التي من جملتها الإنشاءُ والإفناءُ ﴿مُّقْتَدِرًا﴾ قادراً على الكمال
صفحة رقم 225