آيات من القرآن الكريم

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ

بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَفَرَةِ وَيَنْتَقِمُ لَهُمْ وَيَشْفِي صُدُورَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى نَصَرَ بِمَا فَعَلَ بِالْكَافِرِ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ وَصَدَّقَ قوله في قوله: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أَيْ لِأَوْلِيَائِهِ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ هُنَالِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ أَيْ فِي تِلْكَ الدَّارِ الْآخِرَةِ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً أَيْ فِي الْآخِرَةِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ: وَخَيْرٌ عُقْباً أَيْ هُوَ خَيْرٌ عَاقِبَةً لِمَنْ رَجَاهُ وَعَمِلَ لِوَجْهِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ قُرِئَ عُقْبًى بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِهَا وعقبى على فعلى وكلها بمعنى العاقبة «١».
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ: اضْرِبْ مَثَلًا آخَرَ يَدُلُّ عَلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا وَقِلَّةِ بَقَائِهَا وَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَاضْرِبْ لَهُمْ أَيْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ افْتَخَرُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ: مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ ذَكَرَ الْمَثَلَ فَقَالَ: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ وَحِينَئِذٍ يَرْبُو ذَلِكَ النَّبَاتُ وَيَهْتَزُّ وَيَحْسُنُ مَنْظَرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الْحَجِّ: ٥] ثُمَّ إِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ مُدَّةً جَفَّ ذَلِكَ النَّبَاتُ وَصَارَ هَشِيمًا، وَهُوَ النَّبْتُ الْمُتَكَسِّرُ الْمُتَفَتِّتُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
هَشَّمْتُ أَنْفَهُ وَهَشَّمْتُ الثَّرِيدَ. وَأَنْشَدَ:

عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِأَهْلِهِ وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
وَإِذَا صَارَ النَّبَاتُ كَذَلِكَ طَيَّرَتْهُ الرِّيَاحُ وَذَهَبَتْ بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ إِلَى سَائِرِ الْجَوَانِبِ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً بِتَكْوِينِهِ أَوَّلًا وَتَنْمِيَتِهِ وَسَطًا وَإِبْطَالِهِ آخِرًا وَأَحْوَالُ الدُّنْيَا أَيْضًا كَذَلِكَ تَظْهَرُ أَوَّلًا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّضَارَةِ ثُمَّ تَتَزَايَدُ قَلِيلًا قَلِيلًا ثُمَّ تَأْخُذُ فِي الِانْحِطَاطِ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْفَنَاءِ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّيْءِ لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَبْتَهِجَ بِهِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ فَاخْتَلَطَ بَعْضُ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ بِسَائِرِ الْأَنْوَاعِ بِسَبَبِ هَذَا الْمَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ يَقْوَى النَّبَاتُ وَيَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِالْبَعْضِ وَيَشْتَبِكُ بَعْضُهُ بِالْبَعْضِ وَيَصِيرُ فِي الْمَنْظَرِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالزِّينَةِ. وَالثَّانِي: فَاخْتَلَطَ ذَلِكَ الْمَاءُ بِالنَّبَاتِ وَاخْتَلَطَ ذَلِكَ النَّبَاتُ بِالْمَاءِ حَتَّى رَوِيَ وَرَفَّ رَفِيفًا. وَكَانَ حَقُّ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَاخْتَلَطَ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ وَوَجْهُ صِحَّتِهِ أَنَّ كُلَّ مُخْتَلِطَيْنِ مَوْصُوفٌ كُلُّ واحد منها بصفة صاحبه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الدُّنْيَا سَرِيعَةُ الِانْقِرَاضِ وَالِانْقِضَاءِ مُشْرِفَةٌ عَلَى الزَّوَالِ وَالْبَوَارِ وَالْفَنَاءِ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْمَقْصُودُ إِدْخَالُ هَذَا الْجُزْءِ تَحْتَ ذَلِكَ الْكُلِّ وَسَنَعْقِدُ منه قياس الإنتاج وهو أن المال والبنون زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا فَهُوَ سَرِيعُ الِانْقِضَاءِ وَالِانْقِرَاضِ يُنْتِجُ إِنْتَاجًا بَدِيهِيًّا أَنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ سَرِيعَةُ الِانْقِضَاءِ وَالِانْقِرَاضِ. وَمِنَ الْمُقْتَضَى الْبَدِيهِيِّ أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْبُحُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَفْتَخِرَ بِهِ أو
(١) عقبى رسمت في المصحف هكذا عُقْباً بالألف وهي ترسم إملاء (عقبى) بالياء إذا سكنت القاف في قراءة عاصم وحمزة على زنة فعلى، وأما إذا ضمت القاف فتكون جمع عقبي وترسم بالألف حينئذ في قراءة الباقين.

صفحة رقم 467
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية