
وقال ابن الكلبي باسناده: الفردوس: البستان بلغة الروم، وقال الفراء: وهو عربي أيضاً، والعرب تسمي البستان الذي فيه الكرم فردوساً. وقال السدي: الفردوس أصله بالنبطية «فرداسَا». وقال عبد الله بن الحارث: الفردوس: الأعناب. وقد شرحنا معنى قوله: «نُزُلاً» «١» آنفاً.
قوله تعالى: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا قال الزجاج: لا يريدون عنها تحوُّلاً، يقال: قد حال من مكانه حِوَلاً، كما قالوا في المصادر: صَغُر صِغرَاً، وعَظُم عِظَماً، وعادَني حُبُّها عِوَداً قال: وقد قيل أيضاً:
إِن الحِوَل: الحِيلة، فيكون المعنى: لا يحتالون مَنْزِلاً غيرها.
فإن قيل: قد عُلم أن الجنة كثيرة الخير، فما وجه مدحها بأنهم لا يبغون عنها حِوَلاً؟
فالجواب: أن الإِنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه، فيحب أن ينتقل إِلى دار أخرى، وقد يملّ، والجنّة على خلاف ذلك.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
قوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «٢» قالت اليهود: كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس «٣». ومعنى الآية: لو كان ماء البحر مددا يُكتَب به. قال مجاهد: والمعنى: لو كان البحر مداداً للقلم، والقلم يكتب. وقال ابن الأنباري: سمي المداد مداداً لإِمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء. وقرأ الحسن، والأعمش: «مدداً لكلمات ربِّي» بغير ألف. قوله تعالى:
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «تنفد» بالتاء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: «ينفد» بالياء. قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المُسنَد إِليه الفعلُ مؤنث، والتذكير حسن، لأن التأنيث ليس بحقيقي، وإِنما لم تنفد كلمات الله، لأن كلامه صفة من صفات ذاته، ولا يتطرق على صفاته النفاد، وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ أي: بمثل البحر مَدَداً أي: زيادة والمدد: كل شيء زاد في شيء. فإن قيل: لم قال في أول الآية: «مددا» وفي آخرها: «مدداً» وكلاهما بمعنى واحد، واشتقاقهما غير مختلف؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: لما كان الثاني آخر آية، وأواخر الآيات ها هنا أتت على الفعل، والفعل، كقوله تعالى: «نُزُلاً» «هُزُواً» «حِوَلاً» كان قوله: «مَدَداً» أشبه بهؤلاء الألفاظ من المداد، واتفاقُ المقاطع عند أواخر الآي، وانقضاء الآيات، وتمام السجع والنثر، أخف على الألسن، وأحلى موقعاً في الأسماع، فاختلفت اللفظتان لهذه العلة. وقد قرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة، وابن محيصن: «ولو جئنا بمثله مددا» فحملوها على الأولى، ولم ينظروا إِلى المقاطع. وقراءة الأوّلين أبين حجّة، وأوضح منهاجا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال ابن عباس: علَّم الله تعالى رسوله التّواضع لئلّا يزهى
(٢) سورة الإسراء: ٨٥.
(٣) تقدم.

على خلقه، فأمره أن يُقِرَّ على نفسه بأنه آدمي كغيره، إِلا أنه أُكرم بالوحي. قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ سبب نزولها أن جندب بن زهير العامريّ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم:
(٩٤٨) إِني أعمل العمل لله تعالى فاذا اطُّلع عليه سرّني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إِن الله طَيِّب لا يقبل إِلا الطيِّب، ولا يقبل ما روئي فيه» فنزلت فيه هذه الآية، قاله ابن عباس.
(٩٤٩) وقال طاوس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: إِني أُحب الجهاد في سبيل الله وأُحب أن يُرى مكاني، فنزلت هذه الآية.
(٩٥٠) وقال مجاهد: جاء رجل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: إِني أتصدق، وأصل الرحم، ولا أصنع ذلك إِلا لله تعالى، فيُذكَر ذلك مِنِّي وأُحمَد عليه فيسرُّني ذلك وأُعجَب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية.
وفي قوله: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا قولان: أحدهما: يخاف، قاله ابن قتيبة. والثاني: يأمل، وهو اختيار الزّجّاج. قال ابن الأنباري: المعنى: فمن كان يرجو لقاء ثواب ربِّه. قال المفسرون. وذلك يوم البعث والجزاء. فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً لا يرائي به وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال سعيد بن جبير: لا يرائي.
قال معاوية بن أبي سفيان: هذه آخر آية نزلت من القرآن.
ضعيف. أخرجه الطبري ٢٣٤٢٧ وعبد الرزاق في «تفسيره» ١٧٢٨ عن طاوس مرسلا.
هذا مرسل. ثم إن السورة مكية والخبر مدني، فهو واه، ولا يصح في سبب نزول هذه الآية شيء.