آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ

ت: ففي «البخاريِّ» من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم/ قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجَنَّةِ» «١» انتهى.
وقوله تعالى: لاَ يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا «الحِوَلُ» بمعنى المتحوَّل.
قال مجاهدٌ: متحوَّلاً «٢» :
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
وأما قوله سبحانه: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي... الآية: فروي أن سبب الآية أنّ اليهود قالت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كَيْفَ تَزْعُمُ أنَّكَ نَبِيُّ الأُمَمِ كُلَّها وأنَّكَ أُعُطِيتَ مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ مِنَ الْعِلْمِ، وأَنْتَ مُقَصِّرٌ، قَدْ سُئِلْتَ عَنْ الرُّوحِ، فَلَمْ تُجِبْ فيهِ؟، ونحو هذا من القول فأنزل اللَّه الآية مُعْلِمَةً باتساع معلوماتِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وأنها غير متناهية، وأن الوقوف دونها ليس ببدْعٍ، فالمعنى: لو كان البحْرُ مداداً تكتب به معلوماته تعالى، لنَفِدَ قبل أنْ يستوفيها، «وكلمات ربِّي» هي المعاني القائمة بالنَّفْس، وهي المعلوماتُ، ومعلوماتُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لا تتناهى والبحر متناهٍ ضرورةً، وذكر الغَزَّالِيُّ في آخر «المنهاج» أن المفسِّرين يقولون في قوله تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي، أن هذه هي الكلماتُ التي يقولُ اللَّه عزَّ وجلَّ لأهْلِ الجَنَّةِ في الجَنَّة باللُّطْفِ والإِكرام، مما لا تكيِّفه الأوهام، ولا يِحُيطُ به عِلْمُ مخْلوقِ، وحُقَّ أنْ يكون ذلك كذلك، وهو عطِاءُ العزيز العليم على مقتضى الفَضْل العظيم، والجود الكريمِ، أَلاَ لِمِثْلِ هذا فليعملِ العَامِلُونَ. انتهى.
وقوله: مَدَداً، أي زيادة. ت: وكذا فسَّره الهَرَوِيُّ ولفظه: وقوله تعالى:
وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً، أي زيادة انتهى.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)

(١) أخرجه البخاري (٦/ ١٤) كتاب «الجهاد» باب: درجات المجاهدين في سبيل الله، حديث (٢٧٩٠) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه الطبري (٣/ ٢٩٨) برقم: (٢٣٤١٨)، وذكره ابن عطية (٣/ ٥٤٦)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٥٨)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

صفحة رقم 546

وقوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي: أنا بشرٌ ينتهي علْمي إلى حيثُ يوحى إليّ، ومما يوحَى إِليَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وباقي الآية بيِّن في الشرك باللَّه تعالى، وقال ابن جُبَيْر في تفسيرها لا يرائي في عمله، وقد ورد حديثٌ أنها نزلَتْ في الرياء.
ت: وروى ابن المبارك في «رقائقه»، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن زَيْد بن أسْلَمُ، عن أبيه، أنه كَانَ يَصِفُ أمْرَ الرياء، فيقول: ما كَانَ مِنْ نَفْسِكَ فَرَضِيَتْهُ نَفْسُكَ لها، فإِنه مِنْ نَفْسِكَ فعاتْبها، وما كان مِنْ نَفْسِك، فكرهَتْه نَفْسُك لها، فإنه من الشيطان فتعوَّذْ باللَّه منه، وكان أبو حَازِمٍ يقول ذلك «١»، وأسند ابنُ المبارك عن عبْدِ الرحمن بنِ أبي أُمَيَّة، قال: كُلُّ ما كَرِهَه العَبْد فليس منْه «٢» انتهى، وخرَّج الترمذيُّ عن أبي سعيد بْنِ أبي فَضَالَة الأنصاريِّ، وكان من الصحابة، قال: سَمِعْتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كان أشرك في عمل عَمِلَهُ للَّهِ أحَداً، فَلْيَطْلُبْ ثَوابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّركَاءِ عَنِ الشِّرْكِ» «٣»، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ انتهى، وقد خرَّج مسلم معناه.
ت: ومما جَّربته، وصحَّ من خواصِّ هذه السورة، أنَّ من أراد أن يستيقظ أيَّ وقتٍ شاء من الليل، فليقرأ عند نومه قولَهُ سبحانه: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي/ مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ... إلى آخر السورة، فإنه يستيقظُ بإِذن اللَّه في الوقْت الذي نَوَاهُ، ولتكُنْ قراءته عند آخر ما يَغْلِبُ عليه النُّعَاس بحيث لا يتجدَّد له عقب القراءة خواطِرُ، هذا مما لا شَكَّ فيه، وهو من عجائب القرآن المقطوعِ بها، واللَّه الموفِّق بفضله.
تنبيهٌ: رُوِّينا في «صحيح مسلم»، عن جابر رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: «إِنَّ في اللَّيلِ لسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلَ اللَّهَ خَيْراً مِنْ أَمْر الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» «٤»، وذلِكَ كُلَّ لَيَلةٍ، فإِن أردتَّ أن تعرف هذه الساعة، فاقرأ عند نومك من قوله

(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص: (٢٨٧) برقم: (٨٣١).
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص: (٢٨٧) برقم: (٨٣٢).
(٣) أخرجه الترمذي (٥/ ٣١٤) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة الكهف، حديث (٣١٥٤)، وابن ماجه (٢/ ١٤٠٦) كتاب «الزهد» باب: الرياء والسمعة، حديث (٤٢٠٣)، وأحمد (٣/ ٤٦٦)، وابن حبان (٢٤٩٩- موارد)، والدولابي في «الكنى» (١/ ٣٥)، والطبراني في «الكبير» (٢٢/ ٣٠٧) برقم: (٧٧٨).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه ابن حبان.
(٤) أخرجه مسلم (٣/ ٨٤- الأبي) كتاب «صلاة المسافرين» باب: في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء، حديث (١٦٦- ١٧٦/ ٧٥٧) من حديث جابر، وأخرجه أحمد (٣/ ٣١٣).

صفحة رقم 547

تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ إلى آخر السورة، فإِنك تستيقظ في تلك الساعة- إن شاء اللَّه تعالى- بفضله، ويتكرَّر تَيَقُّظَكَ، ومهما استيقظْتَ، فادْعُ لي ولك، وهذا مما ألهمنيه اللَّهُ سبحانه، فاستفِدْه، وما كتبته إلاّ بَعْدَ استخارة، وإِياك أن تدعُوَ هنا على مُسْلِمٍ، ولو كان ظالماً، فإن خالفتَني، فاللَّه حَسِيبُكَ وبَيْن يديه أكونُ خصيمَكَ، وأنا أرغَبُ إِليك أنْ تشركني في دعائِكَ، إِذ أفدتُّكَ هذه الفائدةَ العظيمةَ وكُنْتُ شيخَكَ فيها، وللقرآن العظيم أسرارٌ يُطْلِعُ اللَّه عليها من يشاء مِنْ أوليائه، جَعَلَنَا اللَّه منْهم بفَضْله، وصلَّى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
تم بحمد الله وحسن توفيقه الجزء الثالث من تفسير الثعالبي ويليه الجزء الرابع وأوله:
سورة مريم ولله الحمد والمنه

صفحة رقم 548

محتوى الجزء الثالث من تفسير الثعالبي
الأعراف ٥ الأنفال ١١٢ التوبة ١٦١ يونس ٢٣٣ هود ٢٧١ يوسف ٣١٠ الرعد ٣٥٨ إبراهيم ٣٧٤ الحجر ٣٩٣ النحل ٤١٠ الإسراء ٤٤٩ الكهف ٥٠٥

صفحة رقم 549
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية