آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ

(أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) أي إن هؤلاء الأخسرين أعمالا هم الذين كفروا بالدلائل المنبثة فى الآفاق والأنفس التي تدعو إلى توحيده، وكفروا بالبعث والحساب وما يتبع ذلك من أمور الآخرة، ومن ثمّ حبطت أعمالهم، فلم يكن لها ثواب ينفع أصحابها، بل لهم منها عذاب وخزى طويل، ولا تثقل بها موازينهم، لأن الموازين إنما تثقل بالأعمال الصالحة وليس لهم منها شىء.
ثم بيّن مآلهم بسبب كفرهم وسائر معاصيهم إثر بيان أعمالهم المحبطة بذلك الكفر فقال:
(ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا) أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم رسل الله ومعجزاتهم التي أظهرها على أيديهم هزؤا وسخرية، فلم يكتفوا بالكفر بها، بل ارتكبوا هذه الحماقة التي هى أعظم أنواع الاحتقار.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
تفسير المفردات
الفردوس: البستان بالرومية. وقال السدى: إنه الكرم بالنبطية وأصله فرداسا، حولا: أي تحولا، والمداد: ما يمد به الشيء واختصّ بما تمد به الدواة من الحبر،

صفحة رقم 24

كلمات ربى: معلوماته غير المتناهية، والرجاء: طمع حصول ما فيه مسرة مستقبلة، ولقاء ربه: هو البعث وما يتبعه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما أعده للكفار من العذاب فى جهنم، جزاء كفرهم بربهم، واستهزائهم برسله وآياته- أردف ذلك بما يرغّب المؤمنين فى العمل الصالح من جنات تجرى من تحتها الأنهار جزاء وفاقا على إنابتهم إليه وإخباتهم له، ثم ختم السورة ببيان حال القرآن الذي ذكر فيه الدلائل والبينات على وحدانيته وإرساله الرسل والبعث والجزاء للدلالة على عظيم فضله، ومزيد إنعامه ثم أعقب ذلك ببيان أن العمل لا يتقبّل إلا إذا صاحبه أمران: أن يكون خالصا لوجهه تعالى، وأن يكون مبرأ من الشرك الخفىّ والجلىّ.
روى البخاري ومسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «من سمّع سمّع الله به، ومن يرائى يرائى الله به»
أي من عمل عملا مراءاة للناس، وليشتهر به شهّره الله يوم القيامة
وروى مسلم عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيرى تركته وشركه».
الإيضاح
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) أي إن الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به، وعملوا صالح الأعمال ابتغاء المثوبة من ربهم- لهم بساتين الفردوس فى أعلى الجنة وأوسطها منزلا.
أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

صفحة رقم 25

«إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن تبارك وتعالى، ومنه تفجر الأنهار».
(خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) أي لابثين فيها أبدا لا يبغون عنها تحولا إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى.
وخلاصة هذا- إنه لا مكان أعز منها عندهم، ولا أرفع شأنا حتى تنازعهم إليه أنفسهم، وتطمح إليه أبصارهم.
ثم نبّه إلى عظيم شأن القرآن بقوله:
(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) أي قل لهم أيها الرسول: لو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي تكتب به كلمات ربى وعلومه لنفد ماء البحر قبل أن تنفد تلك الكلمات، ولو مددنا ماء البحر بمثل ما فيه من الماء مددا وعونا، لأن مجموع المتناهيين متناه، وعلوم الله وحكمته لا نهاية لها، والمتناهي لا يفى البتة بغير المتناهي.
ونحو الآية قوله «ولو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله».
روى أن اليهود قالوا: يا محمد تزعم أننا قد أوتينا الحكمة، وفى كتابك «ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا» ثم تقول «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» يريدون بذلك الاعتراض بوجود التناقض فأنزل الله الآية ردا عليهم.
وقد أثبت العلم الحديث ما يتبين منه أن فى كل عالم من العوالم الأرضية والسماوية ما لا يحصى من النعم على عباده، وعليك أن تلقى سمعك إلى آخر الآراء التي اهتدى إليها العلماء فى العصر الحاضر.
قال الأستاذ جينس الإنكليزى المدرس لعلوم الرياضيات التطبيقية فى جامعة (بنسلفانيا) بأمريقا فى ٧ من مارث ١٩٢٨ وهى أحدث الآراء فى منشأ الكائنات وعدم التناهى فى الزمان والمكان. ما خلاصته:

صفحة رقم 26

(١) إن عمر الأرض نحو ألفى مليون سنة.
(٢) إن الإنسان لم يعش على الأرض إلا منذ ثلاثمائة ألف سنة فحسب.
(٣) إن الشمس ستظل بعد ألف ألف مليون سنة كما هى الآن تقريبا، وتدور الأرض حولها كما هى الآن.
(٤) الإنسان فى المستقبل يكون أحكم من الإنسان الحاضر بثلاثة ملايين مرة على الأقل، فسينظم معيشته وفق حال الكرة الأرضية إذ ذاك.
(٥) مما تقدم نعلم أن الإنسان حديث العهد بالولادة على الأرض، فهو طفل فى علومه ومعارفه، وكل همّ هذا الطفل كان موجها إلى غذائه ومسكنه، وهو يجهل العوالم الأخرى، ولكنه الآن عرف أن هناك عوالم أخرى لا نهاية لها، وأن معرفته بها تافهة جد التفاهة، وربما عاش بعد الآن ألفى مليون سنة على الأرض، وبعبارة أخرى إنه يعيش مدة تعادل عمر الأرض فى الماضي.
(٦) الأجرام التي حولنا لها نهاية، أما الفضاء الذي بعدها فلا نهاية له، فالشمس والكواكب والمجرّات لها نهاية، ولكن وراءها فضاء لا نهاية له.
(٧) الأجرام العلويّة التي نراها والتي لا نراها كرية الشكل كقطرة الماء وكرة الأرض والشمس.
(٨) الإشارات اللاسلكية التي تنبعث من جهاز لا سلكى كبير تدور حول الكرة الأرضية فى أقل من سبع ثانية، وتعود إلى النقطة التي بدأت منها، وهكذا نحن لو اخترقنا هذه العوالم رجعنا إلى مبدإ سفرنا.
(٩) إننا لو صنعنا منظارا قويا (تلسكوبا) لنرى الأجرام السماوية، لرأينا النجوم بهيئتها التي كانت عليها حينما أرسلت إلينا النور قبل ملايين السنين.
(١٠) إن الإنسان اليوم طفل فى العلوم، وربما علم فى المستقبل ما لا يتخيله الآن.
(١١) إن سرعة النور فى الثانية الواحدة ١٨٦ ألف ميل، ومثله فى ذلك الكهرباء اللاسلكية، لأنهما شىء واحد فى جوهرهما، ويرجح أن النور يسير

صفحة رقم 27

حول الفضاء الكروي مائة ألف مليون سنة، أي إن النور يدور فى هذا العالم المملوء بالأجرام العلوية الذي مجموعه كرة واحدة مدة مائة ألف مليون سنة مع العلم بأنه يدور حول الأرض فى سبع ثانية، فما أبعد النسبة بين سبع ثانية، وبين مائة ألف مليون سنة.
إلا أن الأرقام لا تقدر أن تحصى المسافة المحصورة بين أىّ نقطتين كانتا على محيط الفضاء الكروي.
(١٢) الشمس أكبر من الأرض حجما بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وما هى إلا حبة رمل على شاطىء هذا الفضاء الكروي، وهى واحدة من أسرة من أسر الكائنات التي فى الفضاء الكروي التي قدرها العلامة (سيرز) بثلاثين ألف مليون مجموعة، وشمسنا وتوابعها حبة رمل فى مجموعة واحدة من هذه الثلاثين ألف مليون مجموعة.
(١٣) إن هناك سدما لولبية فى خارج المجرة، وهى مجموعة من النجوم التي تمّ نشوءها أولا تزال فى طور التكوين، وفى بعضها من المادة ما يكفى لخلق ألف مليون شمس كشمسنا.
(١٤) يقول (هويل) إن مرقب (تلسكوب) مونت ويلسون بأمريقا يريك نحو مليونين من تلك السدم، وإذا تمكن الإنسان من صنع مرقب أكبر من هذا فإنه يرى بلا شك ملايين كثيرة أخرى منها، وفيها من المادة ما يكفى لخلق ملايين الشموس والأجرام الفلكية، ويقول: إذا أردت أن تعرف عدد النجوم التي تسبح فى الفضاء على وجه التقريب، فضع رقم ٢ وعلى يمينه ٢٤ صفرا، وهذا العدد يغطى الجزائر البريطانية إلى عمق مئات من الأمتار.

صفحة رقم 28

(١٥) أضعف النجوم المعروفة هى نجم (وولف) ونوره جزء من عشرين جزءا من نور الشمس، ونور النجم (دورادوس) يساوى ثلاثمائة ألف ضعف بالنسبة للنور المنبثق من الشمس.
وأصغر النجوم هو نجم (فان مانن) وحجمه كحجم الأرض، وأكبر النجوم الجوزاء، وهى أكبر من الشمس خمسا وعشرين مليون مرة، ونسبة نورها إلى نور الشمس كنسبة نور المصابيح الكهربائية إلى نور حشرة (الحباحب).
(١٦) إن الشمس تخرج أشعة تعادل قوتها خمسين حصانا من كل بوصة مربعة، وبعض النجوم التي هى أعظم من الشمس تشعّ نورا من البوصة المربعة يساوى قوة ثلاثين ألف حصان لكل بوصة مربعة.
(١٧) إن الشمس تفقد كل يوم من المادة بسبب خروج الأشعة منها ما يساوى ٢٥٠ مليون طن فى الدقيقة، ففى اليوم تفقد ٣٦٠ ألف مليون طن.
(١٨) يظن أن عمر الشمس الآن عشرة آلاف مليون سنة، ويمكن أن تعيش ملايين ملايين السنين دون أن تنطفىء.
(١٩) عمر الأجرام الفلكية يختلف من خمسة آلاف مليون سنة إلى عشرة آلاف مليون سنة اه.
هذه آراء علماء الفلك فى العصر الحاضر استنبطوها بالحساب تارة، وبوجه التقريب تارة أخرى، مما يرشد إلى تفسير قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى) الآية.
فهذه هى الكلمات الإلهية التي أدهشت الألباب، وضاعت الأعمار فى البحث عن علم شىء منها، ولا يزال الناس فى عماية من أمرها، ولم يصلوا إلا إلى معرفة القليل كما قال: «والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد) أي قل لهم أيها الرسول: إنما أنا بشر مثل ما أنتم كذلك، ولا ادّعى الإحاطة بكلمات الله جلت

صفحة رقم 29

قدرته، ولا علم لى إلا ما علمنى ربى، وأن الله أوحى إلىّ أن معبودكم الذي يجب أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا هو معبود واحد لا ثانى له ولا شريك.
(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) أي فمن كان يطمع فى ثواب الله على طاعته فليخلص له العبادة، وليفرد له الربوبية، ولا يشرك به سواه، لا إشراكا جليّا كما فعل الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، ولا إشراكا خفيّا كما فعل أهل الرياء ممن يطلب بعمله الدنيا، وهذا هو الشرك الأصغر كما صح فى الحديث، وروى مستفيضا فى الأخبار من أن كل عمل أريد به الدنيا لا يقبل
فقد أخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم يرويه عن ربه قال: «أنا خير الشركاء، فمن عمل عملا أشرك فيه غيرى فأنا برىء منه وهو الذي أشرك»
نسأل المولى القدير أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، لا يراد به رضا أحد من خلقه
إجمال ما تضمنته السورة من الأغراض والمقاصد
(١) وصف الكتاب الكريم بأنه قيم لا عوج فيه، جاء للتبشير والإنذار.
(٢) ما جاء على ظهر الأرض هو زينة لها، وقد خلقه الله ابتلاء للإنسان ليرى كيف ينتفع به.
(٣) ما جاء من قصص أهل الكهف ليس بالعظيم إذا قيس بما فى ملكوت السموات والأرض.
(٤) وصف الكهف وأهله، مدة لبثهم فيه، عدد أهله.
(٥) أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجلوس مع فقراء المؤمنين وعدم الفرار منهم إلى أغنيائهم إجابة لدعوتهم.
(٦) ذكر ما يلاقيه الكفار من الوبال والنكال يوم القيامة.
(٧) ضرب مثل يبين حال فقراء المؤمنين وأغنياء المشركين.

صفحة رقم 30

(٨) ضرب المثل لحال الدنيا.
(٩) عرض كتاب المرء عليه فى الآخرة وخوف المجرمين منه.
(١٠) عداوة إبليس لآدم وبنيه.
(١١) قصص موسى والخضر.
(١٢) قصص ذى القرنين وسد يأجوج ومأجوج، وكيف صنعه ذو القرنين (١٣) وصف أعمال المشركين وأنها ضلال وخيبة فى الآخرة.
(١٤) ما يلقاه المؤمنون من النعيم فى الآخرة.
(١٥) علوم الله تعالى لا نهاية لها.

صفحة رقم 31
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية