
- ٨٣ - وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر كان يؤوسا
- ٨٤ - قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ نَقْصِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ الله تعالى في حالتي السراء والضراء، فإنه إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَالٍ وَعَافِيَةٍ وَفَتْحٍ وَرِزْقٍ وَنَصْرٍ، وَنَالَ مَا يُرِيدُ، أَعْرَضَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ، وَنَأَى بِجَانِبِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ:

بَعُد عنا، وهذا كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أعرضتم﴾، وَبِأَنَّهُ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ وَهُوَ الْمَصَائِبُ وَالْحَوَادِثُ والنوائب ﴿كَانَ يؤوسا﴾ أَيْ قَنَطَ أَنْ يَعُودَ، يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ ذلك خير، كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا منه إنه ليؤس كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ، لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَى نَاحِيَتِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى حِدَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَلَى نِيَّتِهِ، وقال ابن زيد: على دِينِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَهَذِهِ الْآيَةُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَوَعِيدٌ لَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ الآية. وَلِهَذَا قَالَ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً﴾ أَيْ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَسَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
صفحة رقم 397