آيات من القرآن الكريم

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

وَجُمْلَةُ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ مِنَ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ:
وَإِذا أَنْعَمْنا أَنَّهُ إِذَا زَالَتْ عَنْهُ النِّعْمَةُ صَلُحَ حَالُهُ فَبَيَّنَ أَنَّ حَالَهُ مُلَازِمٌ لِنُكْرَانِ الْجَمِيلِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَإِذَا زَالَتِ النِّعْمَةُ عَنْهُ لَمْ يُقْلِعْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَيَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَلَكِنَّهُ يَيْأَسُ مِنَ الْخَيْرِ وَيَبْقَى حَنِقًا ضَيِّقَ الصَّدْرِ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَدَارَكُ أَمْرَهُ.
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [٥١] وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ كَمَا سَيَأْتِي هُنَالِكَ.
وَدَلَّ قَوْله: كانَ يَؤُساً عَلَى قُوَّةِ يَأْسِهِ إِذْ صِيغَ لَهُ مِثَالُ الْمُبَالَغَةِ. وَأُقْحِمَ مَعَهُ فِعْلُ (كَانَ) الدَّالُّ عَلَى رُسُوخِ الْفِعْلِ، تَعْجِيبًا مِنْ حَالِهِ فِي وَقْتِ مَسِّ الضُّرِّ إِيَّاهُ لِأَنَّ حَالَةَ الضُّرِّ أَدْعَى إِلَى الْفِكْرَةِ فِي وَسَائِلِ دَفْعِهِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْإِعْرَاضِ فِي وَقْتِ النِّعْمَةِ فَإِنَّهَا حَالَةٌ لَا يُسْتَغْرَبُ فِيهَا الِازْدِهَاءُ لِمَا هُوَ فِيهِ من النِّعْمَة.
[٨٤]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٨٤]
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)
هَذَا تَذْيِيلٌ، وَهُوَ تَنْهِيَةٌ لِلْغَرَضِ الَّذِي ابْتُدِئَ مِنْ قَوْلِهِ: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [الْإِسْرَاء: ٦٦] الرَّاجِعِ إِلَى التَّذْكِيرِ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فِي خِلَالِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ الْوَحِيدُ، وَإِلَى التَّحْذِيرِ مِنْ عَوَاقِبِ كُفْرَانِ النِّعَمِ. وَإِذْ قَدْ ذُكِرَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَرِيقَانِ فِي قَوْله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٧١]، وَقَوْلِهِ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الْإِسْرَاء: ٨٢].
وَلِمَا فِي كَلِمَةِ (كُلٍّ) مِنَ الْعُمُومِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلًا.

صفحة رقم 193
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية