آيات من القرآن الكريم

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

ظرفًا) (١). قال أبو علي: ولهذا عبارةٌ أجودُ مما ذكر وأوضح في المعنى؛ وهو أن يقول: وليتبروا في وقت علوهم؛ لأن هذه (ما) التي أصلها المصدر، ثم يتسع فيها وتستعمل ظرفًا من الزمان (٢).
٨ - قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ هذا مما أخبر الله تعالى أنه قضى به إلى بني إسرائيل في كتابهم، والمعنى: لعل ربكم أن يرحمكم ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا بني إسرائيل، قال المفسرون: فعاد الله بعائدته ورحمته عليهم حتى كثروا وانتشروا (٣).
قال الأخفش: في الآية محذوف، تقديره: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ إن فعلتم ذلك؛ يعني أحسنتم وتركتم المعاصي (٤)، ثم قال: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ قال الحسن: وإن عدتم بالمعصية عدنا بالعقوبة (٥).
قال قتادة وإبراهيم وغيرهم: فعاد (٦) القوم لشر ما يحضر بهم، فبعث الله عليهم من شاء لنقمته وعقوبته (٧)، ثم كان آخر ذلك أن بعث عليهم هذا الحي من العرب فهم في عذاب منهم أبدًا إلى يوم القيامة، يُعْطُون الجزية

(١) هكذا وردت العبارة -بين القوسين- في جميع النسخ، ويبدو أن (ما) تقدمت على (فجعل)، فتكون العبارة فجعل (ما) ظرفًا.
(٢) "الإغفال" ٢/ ١٥٣ بنصه تقريبًا، ولا فرق كبير بين المعنيين، مع وصفه لعبارته بأنها أجود وأوضح.
(٣) ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٦١، بمعناه، و"هود الهواري" ٢/ ٤١٠، بنحوه مختصرًا، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٥/ ١٢، و"القرطبي" ١٠/ ٢٢٣.
(٤) ليس في معانيه.
(٥) ورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٦، بنصه.
(٦) في (أ)، (د): (فعادو).
(٧) أخرجه الطبري ١٥/ ٤٣، بنصه تقريبًا عن قتادة، وبمعناه عن ابن عباس وقتادة، =

صفحة رقم 266

عن يد وهم صاغرون، وهو معنى قوله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ (١) الآية [الأعراف: ١٦٧].
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ قال ابن عباس والمفسرون كلهم: سجنًا ومحبسًا (٢)، وذكرنا الكلام في الحصر عند قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قال الأخفش في قوله: ﴿حَصِيرًا﴾، أي: مَحْبِسًا ومَحْصِرًا (٣)، وهو قول جميع أهل اللغة؛ قال الليث: يُفَسَّر على أنهم يُحْصَرُون فيها (٤)، وقال ابن قتيبة: هو فعيل بمعنى فاعل (٥).

= ورد في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٠٤ ب - بمعناه عن قتادة، و"الماوردي" ٣/ ٢٣١ - بمعناه عن قتادة، و"الطوسي" ٦/ ٤٥٢ - بمعناه عن ابن عباس وقتادة، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٨٠، عن قتادة، و"ابن الجوزي" ٥/ ١٢، عن قتادة، و"القرطبي" ١٠/ ٢٢٤، عن قتادة، و"أبي حيان" ٦/ ١١، و"ابن كثير" ٣/ ٣٠.
(١) أورد المؤلف في تفسير هذه الآية قول ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة؛ قالوا: هم العرب ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته، بعثهم الله على اليهود يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
(٢) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٢ ب بلفظه، وأخرجه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٤ بلفظه عن قتادة، وورد بلفظه في: غريب القرآن لليزيدي ص ٢١٢، و"الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٢، وأخرجه "الطبري" ١٥/ ٤٥ بلفظه عن ابن عباس -من طريق ابن أبي طلحة- وأبي عمران وقتادة وابن زيد، وبمعناه عن ابن عباس وقتادة ومجاهد، وورد كذلك في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٦ بلفظه عن قتادة، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٦١ بنصه، و"هود الهواري" ٢/ ٤١٠ بلفظه، و"الثعلبي" ٧/ ١٠٤ ب بلفظه، و"الطوسي" ٦/ ٤٥٢ بلفظه ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٨٠، و"ابن الجوزي" ٥/ ١٢، و"القرطبي" ١٠/ ٢٢٤، و"الخازن" ٣/ ١٥٨، و"ابن كثير" ٣/ ٣٠.
(٣) ليس في معانيه، وورد في "تهذيب اللغة" (حصر) ١/ ٨٣٩، بنصه.
(٤) ورد في "تهذيب اللغة" (حصر) ١/ ٨٣٩ بنصه.
(٥) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٢ بنصه.

صفحة رقم 267

وقال أبو إسحاق: حصيرًا معناه حَبْسًا؛ من حصرته، أي حَبَسْتُه فهو محصور، وهذا حَصِيرُهُ أي مَحْبِسُهُ (١)، والحصير الملك لأنه محجوب فكأنه محصور (٢)، والحصير الجَنْبُ؛ لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض (٣)، ومن هذا يقال للذي يُفْرَش: حصير؛ لحصر بعضه على بعض بالنسج (٤).
وإلى هذا ذهب الحسن في تفسير هذه الآية. فقال في قوله: ﴿لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ أي مهادًا وفراشًا (٥)؛ كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ [الأعراف: ٤١].

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٨ بتصرف يسير.
(٢) ورد بنصه تقريبًا في "تفسير الطبري" ١٥/ ٤٥، و"الثعلبي" ٧/ ١٠٤ ب، و"الطوسي" ٦/ ٤٥٢، انظر: "الصحاح" (حصر) ٢/ ٦٣١، و"مجمل اللغة" ١/ ٢٣٩، و"اللسان" (حصر) ٢/ ٨٩٦، و"عمدة الحفاظ" ١/ ٤٨٢.
(٣) ورد في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٩ بنصه، (الجَنْبُ): شِقُّ الإنسان وغيره. "اللسان" (جنب) ١/ ٢٧٥.
(٤) قاله القُشَيْرِي؛ كما في "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٢٤، انظر (حصر) في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٣٩، و"اللسان" ٢/ ٨٩٧، و"عمدة الحفاظ" ١/ ٤٨١، وقال: سمي الحصير حصيرًا لكونه يَحصرُ من يجلس عليه.
(٥) أخرجه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٤ بنصه، و"الطبري" ١٥/ ٤٥ - ٤٦ بنصه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٦ بنصه، وتصحفت فيه: مهادًا إلى معادًا، و"المفردات" ص ٢٣٨ بلفظه، و"تفسير الثعلبي" ٧/ ١٠٤ ب بنصه، و"الماوردي" ٣/ ٢٣١، بنصه، و"الطوسي" ٦/ ٤٥٢ بلفظه، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٨٠، و"ابن الجوزي" ٥/ ١٢، و"القرطبي" ١٠/ ٢٢٤، و"عمدة الحفاظ" ١/ ٤٨٢، و"تفسير ابن كثير" ٣/ ٣٠.
وقد رجح الطبري قول الحسن هذا، وقال: إن الحصير بمعنى البساط في كلام العرب أشهر منه بمعنى الحبس، كما أن فعيلًا في الحصر بمعنى وصفه بأنه الحاصر لا وجود له في كلام العرب، وقال الثعلبي: وهو وجه حسن.

صفحة رقم 268
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية