آيات من القرآن الكريم

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

ذرة شرا يره) وقوله (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون)
إلى غير ذلك من الآيات، واللام في قوله (وإن أسأتم فلها) بمعنى على أي فعليها، بدليل قوله (ومن أساء فعليها) ومن إتيان اللام بمعنى على قوله تعالى: (ويخرون للأذقان) الآية أي عليها.
أخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن سعيد بن جبير قال بعث الله عليهم في المرة الأولى سنحاريب قال: فرد الله لهم الكرة عليهم كما قال: ثم عصوا ربهم وعادوا لما نهوا عنه، فبعث عليهم في المرة الآخرة بختنصر، فقتل المقاتلة، وسبي الذرية، وأخذ ماوجد من الأموال، ودخلوا بيت المقدس، كما قال الله عز وجل (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) دخلوه فتبروه وخربوه وألقوا فيه ما استطاعوا من العذرة والحيض والجيف والقذر، فقال الله (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا) فرحمهم فرد إليهم ملكهم وخلص من كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل، وقال لهم: إن عدتم عدنا.
قال الشيخ الشنقيطي: جواب إذا في هذه الآية الكريمة محذوف، وهو تتعلق به اللام في قوله: ليسوءوا وتقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم بدليل قوله في الأولى (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا) الآية وخير ما يفسر به القرآن القرآن. ا. هـ.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال: بعث الله ملك فارس ببابل جيشاً وأمر عليهم بختنصر، فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الآخره ووعدها.
قوله تعالى (وإن عدتم عدنا)
قال الشيخ الشنقيطي: لما بين جل وعلا أن بني إسرائيل قضى إليهم في الكتاب أنهم يفسدون في الأرض مرتين، وأنه إذا جاء وعد الأولى منهما: بعث عليهم عباداً له أولى بأس شديد فاحتلوا بلادهم وعذبوهم، وأنه إذا جاء وعد المرة الآخرة: بعث عليهم قوما ليسوءوا وجهوهم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، وبين أيضاً: أنهم إن عادوا للإفساد المرة الثالثة فإنه

صفحة رقم 221

جل وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم، وذلك في قوله: وإن عدتم عدنا ولم يبين هنا: هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أولا؟ ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتم صفاته ونقض عهودة، ومظاهرة عدوه عليه، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة، فعاد الله جل وعلا للانتقام منهم تصديقا لقوله: وإن عدتم عدنا فسلط عليهم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، فجرى علي بني قريضة والنضير، وبني قينقاع وخيبر ماجرى من القتل والسبي والإجلاء، وضرب الجزية على من بقى منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
فمن الآيات الدالة على أنهم عادوا للإفساد، قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما شروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) وقوله: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) الآية، وقوله: (ولاتزال تطلع على خائنة منهم..) الآية، ونحو ذلك من الآيات.
ومن الآيات الدالة على أنه تعالى عاد للانتقام منهم قوله تعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب). وقوله تعالى (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها..) الآية، ونحو ذلك من الآيات.

صفحة رقم 222

قوله تعالى (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال (عسى ربكم أن يرحمكم)، فعاد الله عليهم بعائدته ورحمته (وإن عدتم عدنا) قال: عاد القوم بشر ما يحضرهم، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته ثم كان ختام ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحى من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل في آية أخرى:

(وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ) الآية، فبعث الله عليهم هذا الحى من العرب.
قوله تعالى (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)
أخرج الطبري بسنده الجيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (حصيرا) سجنا.
وكذا أخرجه بسنده الحسن عن قتادة، وأخرجه بإسناده الصحيح المتقدم عن قتاده بلفظ: محبسا حصورا، وأخرجه آدم بن أبي إياس، والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال: يحصرون فيها.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة قال: محبسا حصروا فيها.
أخرج عن معمر عن الحسن: حصيرا: فراشا مهادا.
وهو إسناد صحيح أيضاً، وأخرجه الطبري ثم قال: وذلك أن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا، فوجهَ الحسنُ معنى الكلام إلى أن الله تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا كما قال (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) وهو وجه حسن وتأويل صحيح. وأما الآخرون فوجهوه إلى أنه فعيل من الحصر الذي هو الحبس، وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة. ا. هـ.
قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الوجه يدل له قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا).

صفحة رقم 223
الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
عرض الكتاب
المؤلف
حكمت بشير ياسين
الناشر
دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية
سنة النشر
1420 - 1999
الطبعة
الأولى ، 1420 ه - 1999 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية