آيات من القرآن الكريم

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

شرح الكلمات:
إن أحسنتم: أي طاعة الله وطاعة رسوله بالإخلاص فيها وبأدائها على الوجه المشروع لها.
أحسنتم لأنفسكم: أي أن الأجر والمثوبة والجزاء الحسن يعود عليكم لا على غيركم.
وإن أسأتم: أي في الطاعة فإلى أنفسكم سوء عاقبة الإساءة.
وعد الآخرة: أي المرة الآخرة المقابلة للأولى وقد تقدمت.
ليسوءوا وجوهكم: أي يقبحوها بالكرب واسوداد الحزن وهم الذل.
وليدخلوا المسجد: أي بيت المقدس.
وليتبروا ما علو تتبيرا: أي وليدمروا ما غلبوا عليه من ديار بني إسرائيل تدميراً.
وإن عدتم عدنا: أي وإن رجعتم إلى الفساد والمعاصي عدنا بالتسليط عليكم.
حصيراً: أي محبساً وسجناً وفراشاً يجلسون عليها فهي من فوقهم ومن تحتهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل فبعد أن أخبرهم تعالى بما حكم به عليهم في كتابهم أنهم يفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كبيراً. وأنه إذا جاء ميقات أولى المرتين بعث عليهم عباداً أشداء أقوياء وهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوهم، أنه تعالى رد لهم الكرة عليهم فانتصروا عليهم وقتل داود جالوت وتكونت لهم دولة عظيمة كانت أكثر الدول رجالاً واوسعها سلطاناً وذلك لرجوعهم إلى الله تعالى بتطبيق كتابه والتزام شرائعه وهناك قال تعالى لهم: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم﴾ أي إن أحسنتم بإتباع الحق والتزام الطاعة لله ورسوله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والأخذ بسنن الله تعالى في الإصلاح البشري وإن أسأتم تعطيل الشريعة والانغماس في الملاذ والشهوات فإن نتائج ذلك عائدة على أنفسكم حسب سنة الله تعالى: ﴿من يعمل سوءاً يجزيه ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً﴾ وقوله تعالى: ﴿فإذا جاء وعد الأخرة﴾ أي وقتها المعين لها، وهي المرة الآخرة بعد الأولى بعث أيضاً عليهم عباداً له وهم بختنصّر وجنوده بعثهم عليهم ليسودوا وجوههم بما يصيبونهم به من الهم والحزن والمهانة والذل ﴿وليدخلوا المسجد﴾ أي بيت المقدس كما دخلوه أول مرة ﴿وليتبروا﴾ أي يدمروا ما علوا أي ما غلبوا عليه من ديارهم ﴿تتبيرا﴾ أي تدميراً كاملاً وتحطيماً تاماً وحصل لهم هذا لما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وكثيراً من العلماء وبعد أن ظهر فيهم الفسق وفي نسائهم التبرج والفجور واتخاذ الكعب العالي. كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

صفحة رقم 177

وقوله تعالى: ﴿عسى ربكم أن١ نرحمكم﴾ فهذا خير عظيم لهم لو طلبوه بصدق لفازوا به ولكنهم أعرضوا عنه وعاشوا على التمرد على الشرع والعصيان لله ورسله. وقوله وإن عدتم عدنا أي وإن عدتم إلى الفسق والفجور عدنا بتسليط من نشاء من عبادنا فأنجزهم الله تعالى ما وعدهم فسلط عليهم رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين فأجلى بني قينقاع وبني النضير من المدينة وقتل بني قريضة كما سلط عليهم ملوك أروبا فطاردوهم وساموهم الخسف وأذاقوهم سؤ العذاب في قرون طويلة وقوله تعالى: ﴿وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً٢﴾ أي إن كان عذاب الدنيا بالتسلط على الظالمين وسلبهم حريتهم وإذاقتهم عذاب القتل والأسر والتشريد فإن عذاب الآخرة هو الحبس والسجن في جهنم تكون حصيراً للكافرين لا يخرجون منها للكافرين أي الذين يكفرون شرائع الله ونعمه عليهم بتعطيل الأحكام وتضييع الفرائض وإهمال السنن والانغماس في الملاذ والشهوات.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- صدق وعد الله تعالى.
٢- تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مثل هذه الأنباء لا يقصها إلا نبي يوحى إليه.
٣- تقرير قاعدة ﴿من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها﴾.
٤- وجوب الرجاء في الله وهو انتظار الفرج والخير منه وإن طال الزمن.
٥- قد يجمع الله تعالى للكافرين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وكذا الفاسقون من المؤمنين.
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠) وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (١١)

١ تقدم أن الله تعالى أنجز لهم وعده في قوله ﴿عسى ربكم أن يرحمكم﴾ وأنه رحمهم فصلحوا واستقاموا، وأعادوا بناء دولتهم وسعدوا فيها زمناً ثم عادوا إلى الفسق والفجور فعاد تعالى عليهم فسلط الرومان فتقلوهم وشردوهم وذلك سنة ١٣٥ بعد الميلاد، ومن يومئذ انتهى ملك اليهود، واستمرت أورشليم تحت يد الرومان إلى الفتح الإسلامي حيث فتحت على يد عمر رضي الله عنه سنة ١٦ صالحاً مع أهلها وهي تسمى يومئذ (إلياء).
٢ الحصير المكان الذي يحصر فيه فلا يستطاع الخروج منه ففعيل (حصير) إمَّا أن يكون بمعنى فاعل أي: حاصر أو بمعنى مفعول أي: محصور فيه، وفسّر في التفسير بالسجن وهو كذلك إذ السجن يحصر مَنْ فيه فلا يقدر على الخروج منه.

صفحة رقم 178
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية