آيات من القرآن الكريم

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

فأكرم بقحطان من والد وحمير أكرم بقوم نفيرا
وقالوا: لا في العير ولا في النفير، يريدون جمع قريش الخارج من مكة لا بإذن، فلما قال الله لهم إني سأفعل بكم هكذا عقب ذلك بوصيتهم في قوله إِنْ أَحْسَنْتُمْ والمعنى أنكم بعملكم تؤخذون لا يكون ذلك ظلما ولا تسرعا إليكم، ووَعْدُ الْآخِرَةِ معناه من المرتين المذكورتين، وقوله لِيَسُوؤُا اللام لام أمر، وقيل المعنى بعثناهم لِيَسُوؤُا فهي لام كي كلها، والضمير للعباد «أولي البأس الشديد»، وقرأ الجمهور: «ليسوءوا» بالياء جمع همزة وبين واوين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر «ليسوء» بالياء وهمزة مفتوحة على الإفراد، وقرأ الكسائي، وهي مروية عن علي بن أبي طالب «لنسوء» بنون العظمة، وقرأ أبي بن كعب «لنسوءن» بنون خفيفة، وهي لام الأمر، وقرأ علي بن أبي طالب «لنسوءن»، وهي لام القسم والفاعل الله عز وجل، وفي مصحف أبي بن كعب «ليسيء» بياء مضمومة بغير واو، وفي مصحف أنس «ليسوء وجهكم» على الإفراد، وخص ذكر «الوجوه» لأنها المواضيع الدالة على ما بالإنسان من خير أو شر، والْمَسْجِدَ مسجد بيت المقدس، و «تبر» معناه أفسد بقسم وركوب رأس، وقوله ما عَلَوْا أي ما غلبوا عليه من الأقطار وملكوه من البلاد، وقيل ما ظرفية والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد، و «تبر» معناه رد الشيء فتاتا كتبر الذهب والحديد، ونحوه وهو مفتتة.
قوله عز وجل:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨ الى ١١]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
يقول الله عز وجل لبقية بني إسرائيل عَسى رَبُّكُمْ إن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أَنْ يَرْحَمَكُمْ وعَسى ترّج في حقهم وهذه العدة ليست برجوع دولة وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم، وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد فلم يفعلوا وعادوا إلى الكفر والمعصية، فعاد عقاب الله فضرب عليهم الذل وقتلهم وأذلهم بيد كل أمة، وهنا قال ابن عباس سلط عليهم ثلاثة ملوك، و «الحصير» فعيل من الحصر فهو بمعنى السجن أي يحصرهم، وبنحو هذا فسر مجاهد، وقتادة وغيرهما، ويقال «الحصير» أيضا من الحصر للملك ومنه قول لبيد: [الكامل]
ومقامة غلب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيام
ويقال لجنى الإنسان الحصيران لأنهما يحصرانه ومنه قول الطرماح: [الطويل]
قليلا تتلى حاجة ثم غولبت على كل معروش الحصيرين بادن
وقال الحسن البصري في الآية: أراد به ما يفترش ويبسط كالحصير المعروف عن الناس.
قال القاضي أبو محمد: وذلك الحصير أيضا هو مأخوذ من الحصر، وقوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ

صفحة رقم 440

الآية، يَهْدِي في هذه الآية بمعنى يرشد، ويتوجه فيها أن تكون بمعنى يدعو، و «التي» يريد بها الحالة والطريقة، وقالت فرقة، لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد: والأول أعم وكلمة الإخلاص وغيرها من الأقوال داخلة في الحال «التي هي أقوم» من كل حال تجعل بإزائها، والاقتصار على أَقْوَمُ ولم يذكر من كذا إيجاز، والمعنى مفهوم، أي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ من كل ما غايرها فهي النهاية في القوام، وقيد المؤمنين بعمل الصالحات إذ هو كمال الإيمان وإن لم يكن في نفسه، والمؤمن المفرط في العمل له بإيمانه حظ في عمل الصالحات: و «الأجر الكبير» الجنة، وكذلك حيث وقع في كتاب الله فضل كبير وأجر كبير فهو الجنة، وقوله إِنَّ الأولى في موضع نصب ب يُبَشِّرُ، وإِنَّ الثانية عطف على الأولى، وهي داخلة في جملة بشارة المؤمنين، بشرهم القرآن بالجنة، وأن الكفار لهم عذاب أليم، وذلك أن علم المؤمنين بهذا مسرة لهم، وفي هذه البشارة وعيد للكفار بالمعنى، هذا الذي تقتضيه ألفاظ الآية، وقرأ الجمهور، «ويبشّر» بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين، وقرأ ابن مسعود ويحيى بن وثاب وطلحة «ويبشر» بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين، وأَعْتَدْنا معناه أحضرنا وأعددنا ومنه العتاد، و «الأليم» الموجع، وقوله وَيَدْعُ الْإِنْسانُ الآية، سقطت الواو من يَدْعُ في خط المصحف لأنهم كتبوا المسموع، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد: هذه الآية نزلت ذامة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم وأبنائهم في وقت الغضب والضجر، فأخبر الله أنهم يدعون بالشر في ذلك الوقت كما تدعون بالخير في وقت التثبت، فلو أجاب الله دعاءهم أهلكهم، لكنه يصفح ولا يجيب دعاء الضجر المستعجل، ثم عذر بعض العذر في أن الإنسان له عجلة فطرية، والْإِنْسانُ هنا قيل يريد به الجنس بحسب ما في الخلق من ذلك قاله مجاهد وغيره، وقال سلمان الفارسي وابن عباس:
إشارته إلى آدم في أنه لما نفخ الروح في رأسه عطس وأبصر فلما مشى الروح في بدنه قبل ساقيه أعجبته نفسه فذهب ليمشي مستعجلا لذلك فلم يقدر وأشارت ألفاظ هذه الآية إلى هذا والمعنى فأنتم ذوو عجلة موروثة من أبيكم، ويروى أن النبي ﷺ جعل أسيرا في قيد في بيت سودة بنت زمعة فسمعت سودة أنينه فأشفقت فقالت له ما بالك؟ فقال: ألم القيد، فقالت: فأرخت من ربطه فسكت، ثم نامت، فتحيل في الانحلال وفر، فطلبه رسول الله ﷺ عند الصبح، فأخبر الخبر، فقال قطع الله يدها ففزعت سودة ورفعت يديها نحو السماء وهي تخاف الإجابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد جعل دعائي في مثل هذا رحمة على المدعو عليه، لأني بشر أغضب وأعجل، فلترد سودة يديها، وقالت فرقة هذه الآية نزلت في شأن قريش الذين قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢]، وكان الأولى أن يقولوا فاهدنا إليه وارحمنا به فذمهم الله تعالى في هذه الآية بهذا، وقالت فرقة: معنى هذه الآية: معاتبة الناس على أنهم إذا نالهم شر وضرعوا وألحوا في الدعاء الذي كان يجب أن يدعوه في حالة الخير ويلتزمه من ذكر الله وحمده والرغبة إليه، لكنه يقصر حينئذ، فإذا مسه ضر ألح واستعجل الفرج، فالآية على هذا من نحو قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس: ١٢].

صفحة رقم 441
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية