آيات من القرآن الكريم

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

ألا يصح أن نفهم الآية على أن الإنسان قد يدعو ربه، ويلح في طلب شيء هو في الواقع شر ولكنه يظنه خيرا فيدعو ربه له كما يدعوه للخير، وذلك ناشئ من العجلة وعدم التأنى، في الفهم والتأكد فيه، وكان الإنسان عجولا، ألم نطلب المال والجاه ونلح في طلبنا وندعو لله فيه وقد يكون في تحقيق ما طلبنا حتفنا وهلاكنا؟!! ولو أمعنا النظر ولم نتعجل ما ألحفنا في طلبنا، ولا غرابة فخلق الإنسان عجولا.
بقي شيء آخر ما السر في وضع هذه الآية هنا؟
أليس فيها إشارة إلى أن هؤلاء اليهود في موقفهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم وكفرهم به طلبا للدنيا، واستجابة لدعاء الشر قد آثروا العاجلة على الباقية ولو أمعنوا النظر ودققوا الفهم ما عملوا شيئا من هذا!!! فهم دعوا الشر وطلبوه في الواقع ونفس الأمر كدعائهم الخير، وما دفعهم إلى ذلك إلا حب العاجلة، وإيثار الفانية على الباقية والعجلة في إدراك الأمور.
من نعم الله علينا [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٢ الى ١٧]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)

صفحة رقم 357

المفردات:
آيَتَيْنِ علامتين دالتين على القدرة فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ.
أى: جعلنا آية الليل ممحوة لا نور فيها عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ يقول العلامة الشوكانى في كتابه فتح القدير في تفسير الآية: «والفرق بين العدد والحساب أن العدد إحصاء ما له كمية بتكرير أمثاله كالسنة المكونة من ٣٦٥ يوما، والحساب إحصاء ماله كمية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها حد معين منه له اسم خاص فالسنة مثلا إن نظرنا لها من ناحية أنها أيام فقط فذلك العدد، وإن نظرنا لها من حيث تكونها من شهور اثنى عشر وكل شهر ثلاثون يوما مثلا وكل يوم أربع وعشرون ساعة فذلك هو الحساب» طائِرَهُ عمله المقدر له ولعل السر في ذلك أن العرب كانوا يتشاءمون ويتباشرون بالطير عند طيرانه فكانوا يستدلون بالطير على الخير والشر والسعادة والشقاوة وكانت لهم علوم ومعارف في ذلك قال شاعرهم:

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا مقالة لهبى إذا الطير مرت
ولما كثر منهم ذلك سموا نفس الخير والشر بالطائر تسمية للشيء باسم لازمه وقال أبو عبيدة عن علماء اللغة: الطائر عند العرب: الحظ والمقدر للشخص من عمر ورزق وسعادة وشقاوة كأن طائرا يطير إليه من وكر الأزل، وظلمات عالم الغيب طيرانا لا نهاية له، ولا غاية إلى أن ينتهى إلى ذلك الشخص في وقته المقدر من غير خلاص ولا مناص، وقوله تعالى: في عنقه كناية عن لزوم ذلك له لزوم القلادة للعنق إن كان خيرا أو الغل للعنق إن كان شرا وِزْرَ الوزر الحمل والثقل والمراد الإثم مُتْرَفِيها
متنعميها وأترفته النعمة أطغته.
وهذا سيل آخر من بيان نعمه وفضله وفيه بيان لهداية القرآن وبشارته.

صفحة رقم 358

المعنى:
يقول الحق- تبارك وتعالى-، وجعلنا الليل والنهار آيتين دالتين على قدرتنا وبديع صنعنا وأحكام نظامنا، وذلك لما فيهما من الظلام الدامس والنور الساطع، وما فيهما من تعاقب واختلاف يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وانظر إلى الليل وهدوئه العميق وقمره المنير، ونجمه الذابل وقد سكن الكون فيه وهدأت الطبيعة.
ثم انظر إلى النهار وما فيه من حركة وضجيج. وذهاب ومجيء، وإلى الشمس وضحاها والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
فمحونا آية الليل، والمعنى: محونا آية هي الليل كما نقول دخلت مدينة القاهرة أى مدينة هي القاهرة، ومحوناها أى: جعلناها ممحوة الضوء والحركة لأنها كانت مضيئة ثم محيت (وفي هذا إشارة إلى هدوء الليل وسكونه) وجعلنا آية هي النهار مبصرة أى: يبصر فيها الرائي وينظر إلى ما حوله فيحس به ويتحرك تبعا لذلك، وهكذا تنبعث الحياة والحركة، ويولد النشاط والعمل لتبتغوا بذلك فضلا من ربكم ورزقا، فالرزق تابع للحركة والسعى والعمل والله الموفق.
ولتعلموا باختلاف الجديدين وهما الليل والنهار عدد السنين، والحساب، فلو كان الليل والنهار لا يختلفان في شيء أبدا من حركة وسكون ونور وظلام وطول وقصر وبرد ودفء لما تيسر معرفة السنين وحسابها، انظر إلى القطبين وما جاورهما هل يصلحان للحياة؟ كلا!!!.
وكل شيء مما تفتقرون إليه في شئون دينكم ودنياكم فصلناه تفصيلا وبيناه تبيينا عن طريق الإجمال أو التفصيل، لئلا يكون للناس على الله حجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وكل إنسان ألزمناه طائره من حظه المقدر وعمله الذي سيعمله في عنقه فلا يمكنه الانفلات منه بل هو أمر محتوم، وقضاء معلوم وكل ميسر لما خلق له، وليس معنى هذا نفى الاختيار الذي هو مناط الثواب والعقاب.
ونخرج له يوم القيامة كتابا بين يديه يلقاه منشورا أمامه، كتابا لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وقد وجد الكل ما عمله حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا،

صفحة رقم 359

ويقال له: اقرأ يا هذا كتابك، وكفى بنفسك في هذا اليوم عليك حسيبا وشهيدا أى:
محاسبا وشاهدا.
وإذا كان الأمر كذلك فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه فقط لأن ثواب عمله له، ومن ضل في عمله فإنما يضل على نفسه فقط، فكل شخص محاسب عن نفسه مجزى بطاعته، معاقب على معصيته، ثم أكد هذا بقوله، ولا تزر وازرة وزر أخرى أى:
ولا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلصها من وزرها، وتأخذ به الأولى، وقد كانوا يقولون، نحن لا نعذب في شيء وإن كان هناك عقاب فهو على آبائنا، إذ نحن مقلدوهم فقط، فرد الله عليهم أبلغ رد وآكده.
وما كنا معذبين أحدا من الناس حتى نبعث رسولا يهديهم، ويدعوهم إلى الخير، ويحذرهم من الشر، وهذه الآيات تحثنا على العمل وتدفعنا إلى الجد وعدم الكسل، وإذا أردنا أن نهلك قرية من القرى- وقد دنا وقت إهلاك أهلها ولم يبق من زمان إمهالها إلا قليل أمرنا مترفيها بالطاعات ففسقوا عن أمر ربهم، وخرجوا من طاعته.
والأمر للجميع مترفا كان أو غير مترف، وغنيا كان أو فقيرا، ولكن لما كان الأمراء والأغنياء هم القادة وغيرهم تبع، والعامة شأنها التقليد دائما، قيل:
أمرنا المترفين الأغنياء حتى كأن الفقراء غير مأمورين.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [سورة إبراهيم آية ٢١].
وقيل إن المعنى: أمرنا مترفيها أى: جعلناهم كثرة يعيثون في الأرض فسادا.
وللزمخشري في كشافه رأى في قوله: أمرنا مترفيها خلاصته: أن هذا الأمر مجازى لا حقيقى، ووجهه أنه صب عليهم النعمة صبّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بالفسق لتسبب النعمة في ذلك، والنعمة أعطيت للشكر لا الكفر. فلما كفروا وفسقوا حقت عليهم كلمة العذاب فدمرهم تدميرا وفي قراءة أمرنا مترفيها أى: جعلنا أغنياءها حكامها وقادتها، وفي الأمم الضعيفة الجاهلة يكون هؤلاء الأمراء الأغنياء مصدر الشقاء والهلاك للأمة كلها.
وكثيرا ما أهلكنا أمما من بعد نوح لما بغوا وعصوا، والله- جل جلاله- يحصى

صفحة رقم 360
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية