آيات من القرآن الكريم

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]

قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا أَيْ سَوَاءٌ آمَنْتُمْ بِهِ أَمْ لَا، فَهُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ فِي سَالِفِ الْأَزْمَانِ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أي من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بِكِتَابِهِمْ وَيُقِيمُونَهُ وَلَمْ يُبَدِّلُوهُ وَلَا حَرَّفُوهُ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنُ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ جَمْعُ ذَقْنٍ وَهُوَ أَسْفَلُ الْوَجْهِ سُجَّداً أَيْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ جَعْلِهِ إِيَّاهُمْ أَهْلًا إِنْ أَدْرَكُوا هَذَا الرَّسُولَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا أَيْ تَعْظِيمًا وَتَوْقِيرًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ الَّذِي وَعَدَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا. وَقَوْلُهُ: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ أَيْ خُضُوعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً أَيْ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، كَمَا قَالَ: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [مُحَمَّدٍ: ١٧]. وَقَوْلُهُ: وَيَخِرُّونَ عَطْفُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ لَا عَطْفُ السجود على السجود، كما قال الشاعر: [المتقارب]
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ في المزدحم «١»
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الْمَانِعِينَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالرَّحْمَنِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ دُعَائِكُمْ لَهُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ ذُو الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ- إِلَى أَنْ قَالَ- لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الحشر: ٢٢- ٢٤] الآية، وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ» فَقَالَ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَدْعُو وَاحِدًا وَهُوَ يَدْعُو اثْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ.
(١) البيت بلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٤٦٩، وخزانة الأدب ١/ ٤٥١، ٥/ ١٠٧، ٦/ ٩١، وشرح قطر الندى ص ٢٩٥.

صفحة رقم 117

وَقَوْلُهُ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الْآيَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قَالَ: كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَسَبُّوا مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ المشركون فيسبون الْقُرْآنَ وَلا تُخافِتْ بِها عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلَا تُسْمِعُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَأْخُذُوهُ عَنْكَ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «٢» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ بِهِ، وَكَذَا رواه الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ:
فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَقَطَ ذَلِكَ يَفْعَلُ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ.
وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ إذا أراد أن يسمع مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو وَهُوَ يُصَلِّي اسْتَرَقَ السَّمْعَ دونهم فرقا منهم، فإذا رَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ ذَهَبَ خشية أذاهم فلم يسمع، فَإِنْ خَفَضَ صَوْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسمع الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فَيَتَفَرَّقُوا عَنْكَ وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يَرْعَوِي إِلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ فَيَنْتَفِعَ بِهِ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «٣» وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي القراءة في الصلاة، وقال شعبة عن الأشعث بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يُخَافِتْ بِهَا مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ «٥» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِذَا صَلَّى فَقَرَأَ خَفَضَ صَوْتَهُ وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أُنَاجِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي، فَقِيلَ: أَحْسَنْتَ. وَقِيلَ لِعُمَرَ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، قِيلَ: أَحْسَنْتَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ شَيْئًا، وَقِيلَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ شَيْئًا، وَقَالَ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس: نزلت في الدعاء «٦»،

(١) المسند ١/ ٢٣، ٢١٥.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢، ٣٤، ٤٤، ٥٢، ومسلم في الصلاة حديث ١٤٥، ١٤٦.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٦٨، ١٦٩.
(٤) تفسير الطبري ٨/ ١٦٨.
(٥) في الطبري: عن سلمة عن علقمة.
(٦) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٦٦. [.....]

صفحة رقم 118

وَهَكَذَا رَوَى الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عِيَاضٍ وَمَكْحُولٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: كَانَ أعرابي مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا إِبِلًا وَوَلَدًا» قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها.
[قَوْلٌ آخَرُ] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّشَهُّدِ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها، وَبِهِ قَالَ حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ.
[قَوْلٌ آخَرُ] : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قال: لا تصل مراءاة للناس وَلَا تَدَعَهَا مَخَافَةَ النَّاسِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قَالَ: لَا تُحْسِنْ عَلَانِيَتَهَا وَتُسِيءَ سَرِيرَتَهَا، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، وَهُشَيْمٌ عَنْ عَوْفٍ عَنْهُ بِهِ، وَسَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ كَذَلِكَ.
[قَوْلٌ آخَرُ] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا قَالَ: أَهْلُ الْكِتَابِ يُخَافِتُونَ ثُمَّ يَجْهَرُ أَحَدُهُمْ بِالْحَرْفِ، فَيَصِيحُ بِهِ وَيَصِيحُونَ هُمْ بِهِ وَرَاءَهُ، فَنَهَاهُ أَنْ يَصِيحَ كَمَا يَصِيحُ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ يُخَافِتَ كَمَا يُخَافِتُ الْقَوْمُ، ثُمَّ كَانَ السَّبِيلُ الَّذِي بَيْنَ ذَلِكَ الَّذِي سَنَّ لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُهُ: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً لَمَّا أَثْبَتَ تَعَالَى لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ النقائض فَقَالَ: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي ليس بدليل فيحتاج إلى أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَزِيرٌ أَوْ مشير، بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومدبرها ومقدرها وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ لم يحالف أحدا ولم يبتغ نَصْرَ أَحَدٍ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أَيْ عَظِّمْهُ وَأَجِلَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ الْمُعْتَدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الْآيَةَ، قَالَ إِنَّ اليهود والنصارى يقولون اتخذ الله ولدا، وقالت العرب: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ وَقَالَ الصَّابِئُونَ وَالْمَجُوسُ: لَوْلَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ لَذَلَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآية وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ

(١) تفسير الطبري ٨/ ١٧٠.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ١٧٢.

صفحة رقم 119

يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وَقَالَ أَيْضًا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يعلم أهله هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الْآيَةَ، الصَّغِيرَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْكَبِيرَ. قُلْتُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سمى هذه الآية آيَةَ الْعِزِّ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهَا مَا قُرِئَتْ فِي بَيْتٍ فِي لَيْلَةٍ فَيُصِيبَهُ سَرَقٌ أَوْ آفَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ سَيْحَانَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الزبيدي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويده في يدي، أو يدي فِي يَدِهِ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ رَثِّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ: «أَيْ فُلَانُ مَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟» قَالَ: السَّقَمُ وَالضُّرُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلَّا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُذْهِبُ عَنْكَ السَّقَمَ وَالضُّرَّ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي بِهَا أَنْ شَهِدْتُ مَعَكَ بَدْرًا أَوْ أَحَدًا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «وَهَلْ يُدْرِكُ أَهْلُ بَدْرٍ وَأَهْلُ أُحُدٍ مَا يُدْرِكُ الْفَقِيرُ الْقَانِعُ؟» قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِيَّايَ فَعَلِّمْنِي، قَالَ: «فَقُلْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا» قَالَ: فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَقَدْ حَسُنَتْ حَالِي قَالَ: فَقَالَ لِي «مَهْيَمْ» «١» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَزَلْ أَقُولُ الْكَلِمَاتِ الَّتِي عَلَّمْتَنِي»، إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَفِي متنه نكارة، والله أعلم. آخر تفسير سورة سبحان. ولله الحمد والمنة.

(١) مهيم: كلمة يمنية، تعني ما شأنك وأمرك، وما بك.

صفحة رقم 120

سُورَةِ الْكَهْفِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا وَالْعَشَرِ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا وَأَنَّهَا عِصْمَةٌ مِنَ الدَّجَّالِ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «اقرأ فلان، فإنها السكينة تنزل عِنْدَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ» «٢» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَتْلُوهَا هُوَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ كما تقدم في تفسير سورة الْبَقَرَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هشام بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» «٤» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «مَنْ حَفِظَ ثلاث آيات مَنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ» «٥» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[طَرِيقٌ أُخْرَى]- قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٦» : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ «٧» أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِهِ، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيِّ «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ» فَذَكَرَهُ (حَدِيثٌ آخَرُ) وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الكهف فإنه

(١) المسند ٤/ ٢٨١.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥، وفضائل القرآن باب ١١، ومسلم في المسافرين حديث ٢٤٠، ٢٤١.
(٣) المسند ٥/ ١٩٦.
(٤) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٥٧، وأبو داود في الملاحم باب ١٤.
(٥) أخرجه الترمذي في ثواب القرآن باب ٦. ولفظ الترمذي: «من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال»
.
(٦) المسند ٦/ ٤٤٦.
(٧) كتاب المسافرين حديث ٢٥٧.

صفحة رقم 121
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية