
ترك ما كان يعتب عليه من أجله، واستعتبه إذا طلب منه الإعتاب (١).
٨٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ قال ابن عباس: يريد أشركوا (٢)، ﴿الْعَذَابَ﴾ يريد النار، ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾، أي: العذاب، ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، أي: لا يؤخرون ولا يمهلون؛ لأن التوبة هناك غير مرجوة؛ لانقضاء الأمد المضروب لقبول التوبة ودخول وقت العذاب، وهذه الآية تأكيد لما قبلها؛ يريد أنهم يعجل لهم العقوبة في الآخرة من غير إنصات (٣) لعذر منهم أو عتاب معهم.
٨٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد الذين اتخذوهم (٤) من دون الله آلهة (٥)، وذلك أن اللهَ يبعثُ كلَّ مَنْ كان يَعْبُدون من دون الله، فيتبعوهم حتى يوردوهم النار، وَوُصِفُوا بأنهم شركاؤهم: لأنهم جعلوا لهم نصيبًا في أموالهم، ولأنهم جعلوهم شركاء في العبادة (٦)، ﴿قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ﴾، أي:
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص٢٩١، ورد بنحوه غير منسوب في "تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٨٢، والثعلبي ٢/ ١٦١ب، والبغوي ٥/ ٣٧، وابن الجوزي ٤/ ٤٨٠، والفخر الرازي ٢٠/ ٩٦، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٦٢، والخازن ٣/ ١٣٠.
(٣) في جميع النسخ: (أنصار) والصواب ما أثبته، ويدل عليه ما بعده، ولعلها تصحفت.
(٤) في (أ)، (د): (اتخذو لهم)، وفي (ش)، (ع): (اتخذوا لهم)، والمثبت هو الصحيح وينسجم مع السياق.
(٥) انظر: "تفسير أبى حيان" ٥/ ٥٢٦، و"تفسير الألوسي" ١٤/ ٢٠٨، بنحوه غير منسوب.
(٦) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤١٦، بنصه.

كنا نعبدهم من دونك، ﴿فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ﴾ قال الكلبي: أجابوهم (١)، وقال مجاهد: حدثوهم (٢)، وقال الفراء: رَدَّت عليهم قولهم (٣): ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (٤)، وذكر المفسرون في تكذيب الأصنام إيّاهم وجوهًا؛ أحدها: أنها كذبتهم في استحقاق العبادة، والمعنى: ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾: في أَنَّا نستحق العبادة (٥)، الثاني: ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾: في أَنَّا دعوناكم إلى العبادة، وهذا قول الفراء (٦)، وقيل: ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾: في تسميتنا آلهة وأربابًا (٧)، وكل هذا تكذيب من الآلهة (٨) للكفار بما لم يُخْبِر به عنهم؛ لأنه ليس في الآية أن الكفار ادعوا أنها دعتهم إلى عبادتها، ولا أنها كانت تستحق العبادة، ولا أنهم سموها آلهة، وإن كانوا قد فعلوا ذلك، ولكن لم يُخبِر عنهم في هذه الآية بهذه الأشياء حتى ينصرف التكذيب إلى ذلك، والمفسرون قالوا هذا على الاحتمال، ولم أر لواحد من أئمة التفسير قولًا منسوبًا إليه مما حكيت غير الفراء، والذي يوافق الظاهر أن يقال: إن الشركاء كانت جمادًا مواتًا ما كانت تعرف عبادة عابديها، فقالت: ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾: في عبادتكم إيَّانَا، ما كنا نعرف ذلك ولا علم لنا بعبادتكم،
(٢) "تفسير مجاهد" ص ٣٥٠، بلفظه، أخرجه الطبري ١٤/ ١٥٩ بلفظه من طريقين، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٣٩، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) في جميع النسخ: (قولها)، والتصويب من المصدر.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٢، بنصه.
(٥) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤١٦، بنصه، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٩٧.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٢، بمعناه.
(٧) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤١٧، بنحوه، وانظر: "تفسير الخازن" ٣/ ١٣٠.
(٨) في جميع النسخ: (الإله) والصحيح الآلهة؛ لأنها هي التي كذبت عابديها.