آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

وفي مقدمتهم معظم كبارهم الذين سجل الله رضاءه عنهم في أواخر ما نزل من القرآن في أواخر حياة النبي ﷺ أي في آية سورة التوبة هذه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠).
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٤ الى ٨٩]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)
. (١) شهيدا: جمهور المفسرين على أنها هنا تعني الأنبياء وقد حكت بعض الآيات حضورهم يوم القيامة كشهود على حساب أممهم ومرّت أمثلة منها.
(٢) لا يستعتبون: لا يطلب منهم إبداء الأعذار أو لا يقبل منهم طلب العتبى والاستقالة من الذنب.
(٣) ينظرون: بمعنى يمهلون.
(٤) فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون: الضمير في (ألقوا) راجع إلى الشركاء. وهم الملائكة على الأرجح وقد حكت بعض الآيات سؤال الله للملائكة يوم القيامة عما إذا كان المشركون يعبدونهم وجواب الملائكة بنفي ذلك وتكذيبه.
(٥) وألقوا إلى الله يومئذ السلم: الضمير هنا راجع إلى الكفار. والجملة

صفحة رقم 164

بمعنى تقرير إعلانهم الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. وقد حكت ذلك عنهم آيات عديدة مرّت أمثلة منها.
(٦) وصدوا عن سبيل الله: منعوا الناس عن سبيل الله.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة:
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي ﷺ شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي: فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر والتوضيح الكافي لكل حدّ حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخرى في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها فإن صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ

صفحة رقم 165

أن الله تعالى يسلّط عليهم حيّات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها وليس في علم الله سابق ولا حق حتى يصحّ ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان وتكون عنده رغبة صادقة في الحق ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية يظهر على صدق التقرير الذي احتوته حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: ٤٢] ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في

صفحة رقم 166
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية