
يعقل ومن لا يعقل، وقرئ بضم الهمزة وبكسرها اتباعا للكسرة قبلها
فِي جَوِّ السَّماءِ أي في الهواء البعيد من الأرض وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً السكن مصدر يوصف به، وقيل: هو فعل بمعنى مفعول ومعناه ما يسكن فيه كالبيوت أو يسكن إليه وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعني الأدم من القباب وغيرها تَسْتَخِفُّونَها أي تجدونها خفيفة يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ يعني في السفر والحضر، واليوم هنا بمعنى الوقت ويقال: ظعن الرجل إذا رحل، وقرئ ظعنكم بفتح العين «١»، وإسكانها تخفيفا وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها الأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز والبقر أَثاثاً الأثاث متاع البيت من البسط وغيرها، وانتصابه على أنه مفعول بفعل مضمر تقديره جعل وَمَتاعاً إِلى حِينٍ أي إلى وقت غير معين، ويحتمل أن يريد إلى أن تبلى وتغنى أو إلى أن تموت.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا أي نعمة عددها الله عليهم بالظل، لأن الظل مطلوب في بلادهم محبوب لشدّة حرها، ويعني بما خلق من الشجر وغيرها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً الأكنان جمع كن، وهو ما يقي من المطر والريح وغير ذلك، ويعني بذلك الغيران والبيوت المنحوتة في الجبال وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ السرابيل هي الثياب من القمص وغيرها، وذكر وقاية الحر ولم يذكر وقاية البرد، لأن وقاية الحر أهم عندهم لحرارة بلادهم، وقيل: لأن ذكر أحدهما يغني عن ذكر الآخر وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ يعني دروع الحديد يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ اشارة الى ما ذكر من النعم من أول السورة الى هنا والضمير في يعرفون للكفار، وانكارهم لنعم الله اشراكهم به وعبادة غيره، وقيل نعمة الله هنا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً أي يشهد عليهم بإيمانهم وكفرهم ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي لا يؤذن لهم في الاعتذار وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا يسترضون، وهو من العتب بمعنى الرضى وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يحتمل أن يكون بمعنى التأخير أو بمعنى النظر: أي لا ينظر الله إليهم
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ الضمير

في القول للمعبودين والمعنى أنهم كذبوهم في قولهم أنهم كانوا يعبدونهم، كقولهم: ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ [يونس: ٢٨] فإن قيل: كيف كذبوهم وهم قد كانوا يعبدونهم؟ فالجواب أنهم لما كانوا غير راضين بعبادتهم، فكأن عبادتهم لم تكن عبادة، ويحتمل أن يكون تكذيبهم لهم في تسميتهم شركاء لله، لا في العبادة وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أي استسلموا له وانقادوا زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ روي أن الزيادة في العذاب هي حيات وعقارب كالبغال تلسعهم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ يعنى بالعدل: فعل الواجبات، وبالإحسان: المندوبات، وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين، قال ابن مسعود:
هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى الإيتاء مصدر آتى بمعنى أعطى، وقد دخل ذلك في العدل والإحسان، ولكنه جرده بالذكر اهتماما به وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ قيل: يعنى الزنا، واللفظ أعم من ذلك وَالْمُنْكَرِ هو أعم من الفحشاء، لأنه يعم جميع المعاصي وَالْبَغْيِ يعنى الظلم وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ هذا في الإيمان التي في الوفاء بها خير، وأما ما كان تركه أولى، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير منه، كما جاء في الحديث، أو تكون الأيمان هنا ما يحلفه الإنسان في حق غيره، أو معاهدة لغيره وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا أي رقيبا ومتكفلا بوفائكم بالعهد، وقيل: إن هذه الآية نزلت في بيعة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: فيما كان بين العرب من حلف في الجاهلية وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها شبّه الله من يحلف ولم يف بيمينه بالمرأة التي تغزل غزلا قويا ثم تنقضه.
وروي أنه كان بمكة امرأة حمقاء تسمى ريطة بنت سعد، كانت تفعل ذلك وبها وقع التشبيه، وقيل إنما شبه بامرأة غير معينة أَنْكاثاً جمع نكث، وهو ما ينكث أي ينقض، وانتصابه على الحال تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ الدخل الدغل، وهو قصد الخديعة أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ أن في موضع المفعول من أجله: أي بسبب أن تكون أمة، ومعنى أربى: أكثر عددا أو أقوى، ونزلت الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم تحالف الأخرى، فإذا جاءها قبيلة أقوى منها غدرت بالأولى وحالفت الثانية، وقيل:
الإشارة بالأربى هنا إلى كفّار قريش إذ كانوا حينئذ أكثر من المسلمين إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ