آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

الْجُمْهُورُ، وَقَرَءُوهُ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ تُسْلِمُونَ أَيْ مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمَّى سُورَةُ النِّعَمِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا (تَسْلَمُونَ) بِفَتْحِ اللَّامِ، يَعْنِي مِنَ الْجِرَاحِ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ القاسم بن سلام عن عباد، أخرجه ابْنُ جَرِيرٍ «١» مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَرَدَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَمَا جَعَلَ مِنَ السَّهْلِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ جِبَالٍ؟ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وَمَا جعل لهم من غير ذلك أعظم وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ وَبَرٍ وَشَعْرٍ؟ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ لِعَجَبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهُ؟ أَلَّا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وما تقي مِنَ الْبَرْدِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ «٢».
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَهَذَا الِامْتِنَانِ، فَلَا عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ وَقَدْ أَدَّيْتَهُ إِلَيْهِمْ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها أَيْ يَعْرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسْدِي إِلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَمَعَ هَذَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَيُسْنِدُونَ النَّصْرَ وَالرِّزْقَ إِلَى غَيْرِهِ وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عن مجاهد أن أعرابيا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً فقال الْأَعْرَابِيُّ:
نَعَمْ، قَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً الآية، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ كُلَّ ذَلِكَ، يَقُولُ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ حَتَّى بَلَغَ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فَوَلَّى الْأَعْرَابِيُّ، فأنزل الله يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها الآية.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٤ الى ٨٨]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ مَعَادِهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ يَبْعَثُ من كل أمة شهيدا

(١) تفسير الطبري ٧/ ٦٢٨.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٦٢٨، ٦٢٩.

صفحة رقم 508

وَهُوَ نَبِيُّهَا، يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا أَجَابَتْهُ فِيمَا بَلَّغَهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ فِي الِاعْتِذَارِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بطلانه وكذبه، كَقَوْلِهِ: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات: ٣٥- ٣٦] فلهذا قَالَ: وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي الذين أَشْرَكُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ أَيْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً.
وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لَا يُؤَخَّرُ عَنْهُمْ بَلْ يَأْخُذُهُمْ سَرِيعًا مِنَ الْمَوْقِفِ بِلَا حِسَابٍ، فَإِنَّهُ إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَيُشْرِفُ عُنُقٌ مِنْهَا عَلَى الْخَلَائِقِ، وَتَزْفِرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، فَتَقُولُ: إِنِّي وَكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وبكذا وبكذا، وَتَذْكُرُ أَصْنَافًا مِنَ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ فِي الحديث، ثم تنطوي عليهم وتلتقطهم من الموقف كما يلتقط الطَّائِرُ الْحَبَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً، وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الْفُرْقَانِ: ١٢- ١٤]، وَقَالَ تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً [الْكَهْفِ: ٥٣] وَقَالَ تَعَالَى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٩- ٤٠].
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عن تبري آلِهَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ أَيْ قَالَتْ لَهُمُ الْآلِهَةُ: كَذَبْتُمْ مَا نَحْنُ أَمَرْنَاكُمْ بِعِبَادَتِنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الْأَحْقَافِ: ٥- ٦] وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مَرْيَمَ: ٨١- ٨٢] وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ [العنكبوت: ٢٥] الآية، وقال تعالى: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ [الكهف: ٥٢] الآية، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: ذَلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمَئِذٍ، أَيِ اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ جَمِيعِهِمْ فَلَا أحد إلا سامع مطيع، وكقوله تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مَرْيَمَ: ٣٨] أَيْ مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السجدة: ١٢] الآية، وَقَالَ: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه: ١١١] أَيْ خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت. وقوله وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ ذَهَبَ وَاضْمَحَلَّ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ فَلَا نَاصِرَ لهم ولا معين ولا مجير.

صفحة رقم 509
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية